قبل أيام كان لا بد من وصف السنة الجديدة لبنانياً بأنها سنة الاستحقاقات الكبرى، لكن اسماً آخر بدأ يتقدّم على ما عداه في الأيام الثلاثة الأولى من العام، وأصبح لا بد من تسميتها سنة «الاحتقان الكبير» أو «الاحتقانات الكثيرة القابلة للانفجار». فالقوى السياسية اللبنانية افتتحت مرحلة جديدة من معاركها، أخطر ما فيها أنها تنطوي على حملات قائمة على التحريض الطائفي والمذهبي، مع ما سيعكسه ذلك من توتر واستنفار في الشارع، أو قد يؤدي إلى تحركات متقابلة في الميادين والساحات. والمشكلة الأكبر أن المعركة المفتوحة تجري داخل البيئة السياسية الواحدة، بين «حليفين لدودين» لحزب الله، هما التيار الوطني الحرّ وحركة «أمل»، بعد أن فشل الحزب، على ما يبدو، في التوصل إلى صفقة شاملة بين الطرفين يكون التحالف الانتخابي أبرز بنودها. وتتخذ هذه المعركة أشكالاً متعددة، فهي صراع بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، وصراع بين طرف مسيحي وطرف آخر مسلم ومن الطائفة الشيعية، في وقت يجهد حزب الله للحفاظ على «وحدة الطائفة الشيعية» عشية الانتخابات. وغداة مواقف رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، التي شن فيها هجوماً حاداً وواسعاً على برّي محملاً إياه مسؤولية الفساد والتعطيل وعدم إنجاز الإصلاحات، سارع المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب، علي حسن خليل إلى الردّ على باسيل، قبل ساعات من موقف الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، فيما بدا أنه محاولة من «الحركة» لإحراج «الحزب» أكثر في عدم الذهاب لإعطاء باسيل ما يريده ولقطع الطريق على أي عملية سيحاول نصرالله القيام به لإرضائه كما درجت العادة سابقاً. ردود خليل عالية السقف، التي قال فيها إن عون هو «ملك أمراء الحروب»، تظهر أن برّي شخصياً انتقل إلى مرحلة جديدة قوامها عدم السكوت على مواقف باسيل والمسارعة للرد عليها. تتوقع مصادر قريبة من «أمل» أن المعركة التي فتحها باسيل لن تتوقف عند هذه الحدود، وتضيف أن تصريحات الأخير تفصيل لما يفكر به الرئيس عون، الذي يضع معادلة واضحة أمام كل القوى السياسية إما الموافقة على شروطه في توفير المستقبل السياسي لوريثه أو الذهاب إلى خيار التمديد له، أو أنه سيدعو إلى طاولة حوار تناقش الاستراتيجية الدفاعية، وتغيير النظام اللبناني ككل، وهذا يؤدي إلى انقسام طائفي إسلامي - مسيحي، إذ يظهر وكأن المسيحيين يريدون تغيير النظام للذهاب إلى اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، فيما المسلمون سنة وشيعة يرفضون ذلك. هذه المعركة لا بد لها أن تستمر، فيما يبحث باسيل عن استدراج حزب الله إلى جانبه، وبحال لم يفعل الحزب؛ فهو سيلوح بالذهاب إلى سورية لاستدراج غطاء إقليمي جديد لا يظهره عارياً، لكن ذلك سينطوي على مخاطر متعددة تنعكس على الساحة اللبنانية عموماً والمسيحية خصوصاً.
مشاركة :