معالجة الاختلالات التي اعترت الإدارة العامة في الأردن وتحديثها مهمة لا تنتظر التأخير؛ صحيح أنها كانت حاضرة في توجهات الحكومات الأردنية المتعاقبة لكن دون مقاربة منتجة تؤدي لاتخاذ إجراءات ملموسة؛ الحكومة الحالية قررت الاشتباك مع الأمر وشكلت نهاية العام الماضي لجنة وطنية لتحديث الإدارة العامة برئاسة رئيس الوزراء وعضوية وزراء وخبراء وممثلين للقطاع الخاص وحددت ستة أشهر لإعلان مخرجاتها التي ضمنتها بثلاثة محاور؛ تشريعي ومؤسسي ومحور لتحسين الخدمات. ربما تأخرنا ولكن المهم أن نبدأ؛ الملاحظة الأولى على اللجنة مع الاحترام لأعضائها هي غياب بعض الجهات التي يعادل وجودها وجود بعض الوزارات كممثلين في اللجنة ومنها على سبيل المثال لا الحصر؛ وزارة التعليم العالي والجامعات والمركز الوطني للتنمية البشرية الذي يتبع للمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا؛ على كل حال عدم وجودهم يمكن تلافيه لاحقاً بالاستعانة بخبراتهم والدراسات التي أنجزوها واعتقد أنها قُدمت للحكومات السابقة؛ هناك العديد من الأبحاث العلمية المنشورة من أكاديميين أردنيين ألمعيين حول أسباب تراجع الإدارة الأردنية وترهلها يمكن الاسترشاد بها وتساعد اللجنة في مخرجاتها. من المهم أن نضع بين يدي اللجنة المقدرة أيضاً؛ هذه الملاحظة وهي جزء أصيل في أزمة الإدارة العامة في الأردن لأنها مرتبطة بالصدام الدائم في مستويات الإدارة العليا؛ معظم أسباب الخلافات تنجم عن عدم وجود تفاهم بين الوزير وهو المسؤول الأول في وزارته والحاكم بأمره وهناك بعض الوزراء لا يتعاملون مع الموقع باعتبارهم خداما للشعب كما يعرف المسؤول في الدول المتقدمة وأن الوزارة مؤسسة عامة ملكيتها للدولة بل كجزء من الممتلكات الخاصة التي يحق له التعامل والتصرف بها كيفما يشاء خاصة فيما يتعلق بالجانب الاداري. هذا يحدث في الحكومات الأردنية منذ التأسيس للأسف ولا يوجد آلية ومعايير واضحة تحدد دور الوزير وصلاحياته وحدود سلطته؛ مجرد غضب الوزير وعدم أعجابه بشكل الأمين العام وبطريقة تفكيره أو بأي من موظفي الفئات العليا والاقل رتبة، لا يكلفه الامر الا التنسيب لمجلس الوزراء بأنهاء خدماته أو إحالته على التقاعد وتصدر الموافقة فوراً وأحيانا بالتمرير، هذا ليس دفاعاً عن الأمناء العامين فمنهم من لا يقل سلطوية وتعسفاً عن الوزراء. المثير للسخرية أن ذات الوزراء بعد مغادرتهم الحكومة لا يترددون بانتقاد هذا السلوك وتحميله أسباب تراجع العمل في الوزارات والمؤسسات الحكومية لعدم وجود استقرار في الوظائف العليا في الدولة بالشكل الذي يتحول فيها الشخص الثاني في الوزارة مجرد شخص مهمته ترديد صدى صوت الوزير لا أكثر ولا اقل كسباً لرضاه وتجنباً لغضبه فغضب الوزير سوى بحق او بغير حق يعني غضب حكومة المملكة كلها من باب التضامن والتكافل فمن يقول أن الوزراء يخطئون لا شك لديه علة واضطراب. لنتحدث بصراحة، ما زلنا عاجزين عن إدراك وتقبل الفرق بين دور الوزير والأمين العام ومن في حكمه؛ فالأول مسؤول سياسي أولاً واخيراً ويجب أن يبقى هكذا حتى لو لم «يوزر» بصيغة سياسية، بينما الثاني عملياً هو الملم والمواكب لأدق تفاصيل الوزارة واستراتيجيتها طويلة الأمد وبالتالي طالما أن عملية اختيار الأمناء العامون ومن في حكمهم تتم بشفافية معلنة وموثقة فلماذا لا يتم التعامل مع عملية الإطاحة بهم بذات الشفافية من خلال مرجعية تقيم قرار الإحالة (اذا لم تكن الاحالة بموجب السن القانوني) تناقش قرار الوزير الذي يفترض فيه أن يستند لمعايير شفافة وقابلة للقياس لا الا التبرير الوحيد والمكرر عدم وجود انسجام وهي كلمة فضفاضة. نجح الإدارة العامة في الأردن وتطورها مرهون بتكريس المؤسسية نهجا وممارسة لا قولاً وتنظيراً، والمأمول من اللجنة العتيدة أن تحسم الأمر في مخرجاتها المنتظرة. (الغد)
مشاركة :