أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين اعتزامه زيارة المملكة العربية السعودية في فبراير المقبل، في تتويج لاتصالات تمت خلف الكواليس وزيارات جرت بين وفود للبلدين على مستوى وزاري خلال الأشهر الماضية. وتعكس زيارة أردوغان المرتقبة إلى المملكة تخلي الرياض عن تحفظاتها حيال تطبيع العلاقات مع أنقرة في سياق نهج جديد يقوم على “تصفير المشاكل” بإعلاء لغة المصالح وتجاوز منغصات الماضي. وجاء إعلان أردوغان المقتضب عن الزيارة خلال لقاء جمعه مع مصدرين أتراك التقاهم على هامش مؤتمر للتجارة بأحد الفنادق بإسطنبول، واشتكوا له من القيود التي يواجهونها في تصدير بضائعهم إلى السعودية. وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو ظهرت فيه سيدة أعمال تركية ترجو أردوغان التدخل لحل مشكلة التصدير مع السعودية ليرد عليها بالقول إنه سوف يزور المملكة الشهر المقبل وسيعمل على حل هذه المشكلات. وشن سعوديون خلال السنتين الماضيتين حملة واسعة لمقاطعة البضائع التركية ردا على تجاوزات أنقرة بحق بلادهم ومنها استغلالها لقضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي للإضرار بصورة المملكة على المستوى الدولي. فيصل بن فرحان: أيدينا كعرب ممدودة للإخوة في إيران في حال تجاوبوا معنا وأدت هذه الحملة إلى تضرر الصادرات التركية إلى السعودية بشكل كبير حيث انخفضت إلى مئة وتسعة وثمانين مليون دولار في العام 2021 بعد أن تجاوزت حاجز الثلاثة مليارات دولار عام 2019. وتعاني تركيا من وضع اقتصادي صعب جراء سياساتها المالية المتخبطة، وانخراطها في صراعات إقليمية عمقت أزمتها، ويراهن الرئيس التركي على فتح صفحة جديدة لاسيما مع دول الخليج على أمل أن يقود ذلك إلى تعاف اقتصادي. وتتزامن الزيارة المرتقبة لأردوغان إلى السعودية مع أخرى سيقوم بها إلى الإمارات العربية المتحدة سبق وأن تم تحديدها عقب زيارة تاريخية لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد إلى أنقرة في نوفمبر الماضي. وكانت الإمارات أول من بادر خليجيا لتطبيع العلاقات مع تركيا في نهج يستند على البناء على التقاطعات والمصالح وترك الخلافات جانبا. وقد كسرت تلك الخطوة الإماراتية الحاجز النفسي الذي يحول دون علاقات طبيعية بين تركيا ودول الخليج. وقد أظهرت السعودية في البداية ترددا في مجاراة هذا التحول بالنظر لحجم التجاوزات التي ارتكبتها أنقرة سواء من خلال الحملة التي خاضتها ضد الرياض في ما يتعلق باغتيال خاشقجي أو من خلال العمل على ضرب زعامة السعودية للعالم الإسلامي. وحاول أردوغان الشهر الماضي الاجتماع بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته لقطر. إلا أن ذلك الاجتماع لم يعقد، بيد أن أشخاصا مقربين من الخطة قالوا إن لقاء سيجري قريبا. ويعتقد مراقبون أن الرياض اشترطت أن يظهر الرئيس التركي حسن نواياه بمبادرته لزيارة المملكة، في حال أراد فعلا تصويب العلاقات المتضررة. ويشير المراقبون إلى أن قيام أردوغان بالخطوة الأولى صوب السعودية متوقع ويعكس حرصه على استعادة العلاقات مع المملكة لما لذلك من تأثيرات لاسيما على صعيد التعاون الاقتصادي. وتحدث أردوغان في نوفمبر الماضي عن أمله بحصول اختراق في مسار العلاقات مع السعودية، وقال في لقاء مع التلفزيون التركي “سنعمل على الارتقاء بالعلاقات مع الرياض إلى مكانة أفضل”، مشددا على أن بلاده عازمة على تحسين علاقاتها مع كافة دول الخليج. وأضاف “هناك إمكانيات جدية للغاية للتعاون بيننا وبين دول الخليج، فاقتصاداتنا متكاملة، وآمل أن نرى مشاريع تعاون جديدة تقوم على المنفعة المتبادلة كفرص للاستثمارات المشتركة”. وكان الرئيس التركي والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز اتفقا خلال اتصال هاتفي بينهما في مايو على “إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين البلدين”، قبل أن يزور وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الرياض في أرفع زيارة بين البلدين منذ سنوات. وبداية نوفمبر الماضي التقى نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي وزير التجارة السعودي ماجد بن عبدالله القصبي خلال مشاركة الأخير في قمة للمنتجات الحلال عقدت في إسطنبول في إطار منظمة التعاون الإسلامي. ويرى متابعون أن هناك مصلحة متبادلة بين تركيا والسعودية لتذويب الخلافات بينهما وفتح صفحة جديدة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، مشيرين إلى أن هناك قناعة سائدة بأن السير في النهج الصدامي لن يقود إلا إلى المزيد من الأزمات، وضياع فرص التعاون لاسيما على الصعيد الاقتصادي. ويلفت المتابعون إلى أن مسار التهدئة الجاري في المنطقة لا يقتصر فقط على العلاقات الخليجية - التركية بل وأيضا الخليجية - الإيرانية وإن كان بخطوات محتشمة، بسبب تصلب الموقف الإيراني حيال جملة من الملفات ومن بينها دعم الميليشيات. تركيا تعاني من وضع اقتصادي صعب جراء سياساتها المالية المتخبطة، وانخراطها في صراعات إقليمية عمقت أزمتها وصرح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان خلال زيارته الاثنين للعاصمة الأردنية عمان بأن أيادي العرب ممدودة إلى إيران، بشرط تجاوب الأخيرة مع الهموم العربية المتعلقة بـ”أمن واستقرار المنطقة”. وانتقد بن فرحان خلال لقاء مع نظيره الأردني أيمن الصفدي الدور الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة ودعم الميليشيات، ودعا إلى تكثيف الجهود الرامية لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. واستدرك الوزير السعودي قائلا “لكننا نؤكد أيضا أن أيدينا كعرب ممدودة للإخوة في إيران في حال تجاوبوا مع معالجة هذه الهموم العربية المتعلقة بأمن واستقرار المنطقة”. وقبل نحو أسبوعين أعلن الأردن عبر وكالته الرسمية “بترا” أنه استضاف جلسة حوار أمني بين السعودية وإيران في العاصمة عمان، ناقشت عددا من القضايا الأمنية والتقنية وتعزيز الاستقرار الإقليمي، دون تفاصيل أوفى. وجاءت هذه الجلسة عقب سلسلة جولات من الحوار المباشر بين الرياض وطهران برعاية عراقية، بدأت أولها في يناير 2021، وذلك عقب نحو 6 سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما. ويرى المتابعون أن عودة العلاقات السعودية - الإيرانية أعقد بكثير مما هو الحال بالنسبة إلى العلاقة مع تركيا، بالنظر لطبيعة وحجم الخلافات بين الطرفين، لافتين إلى أن إصرار طهران على محاصرة المملكة وضرب أمنها عبر ميليشيا الحوثيين في اليمن يجعل من أن أي حديث عن تحسن في العلاقات غير ممكن بلوغه.
مشاركة :