دعونا نُسلّم بالأمر الواقع ونتهيأ لاستقبال إيران نووية، قريبا. ولكن علينا في الوقت نفسه أن نتوقع بعد ذلك سباقاً نوويا عربياً متعجّلا تتحول فيه المنطقة إلى سوق مزاد نووي محتدم نفاجأ فيه بسعودية نووية، وإمارات نووية، وقطر نووية، ومصر نووية، وبدون معارضات ولا احتجاجات أميركية وأوروبية وإسرائيلية، من أي نوع. فهذا ما توحي به الوقائع المتسارعة في المنطقة والعالم، ما دامت هناك دول انتهازية جاهزة لبيع أي سر من أسرار صناعاتها التكنولوجية المتقدمة لمن يدفع، حتى لو كان أبَ الإرهاب، وسيد القتلة والجزارين، وإمام تجّار المخدرات، ومُهرّب صواريخ ومفخخات ومسيَّرات. وحين نفتش عن المقدمات الحقيقية التي ستلد مثل هذه النتائج المذهلة المخيفة القادمة سنجد أن روسيا والصين، ومعهما بنسبة أقل فرنسا وباكستان وكوريا الشمالية، بدأت ممارسة الفعل الفاحش مع النظام الإيراني منذ انتهاء حرب الثماني سنوات الخاسرة التي خاضها الخميني مع صدام حسين في 1988، مُخالِفةً بذلك قرارات الأمم المتحدة، ومتجاوزةً على هيبة المنظمة الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، دون أي اعتبار لآثار هذه الخيانة على السلم العالمي الذي يتباكى عليه حكام هذه الدول، وهم غير صادقين. أما التهديدات الإسرائيلية الحالية المتصاعدة هذه الأيام بضرورة العمل العسكري لمنع إيران من استكمال مشروعها النووي فتأتي في الوقت الضائع، بعد سكوتٍ عمليّ أميركي – أوروبي – إسرائيلي دام سنين طويلة سَمح للجنين النووي الإيراني بالخروج من رحم أمه وله أسنان وأظافر تثير مخاوف الخائفين. هل هناك من يضمن عدم قيام الروس والصينيين وربما الباكستانيين والكوريين الشماليين والفرنسيين بخيانة الاتفاق الجديد، والعودة إلى العمل من وراء الستار على معاونة إيران على إكمال مشوارها النووي العسكري؟ فغَضُّ النظر الأميركي – الأوروبي – الإسرائيلي عن البرنامج النووي الإيراني طيلة أكثر من ثلاثين عاما لا بد أن يُقنعنا بوجود رغبة أميركية – أوروبية – إسرائيلية دفينة مبيَّتة تريد لإيران أن تستمر في مشروعها، ولكن إلى ما قبل نهايته السعيدة بقليل، وذلك لأهداف كانت مجهولة لدينا، ثم بدأنا نعرف بعضها هذه الأيام، أحدُها يقينُ هذه الدول بأن إيران لا تشكل تهديدا حقيقيا لمصالحها الحيوية في المنطقة والعالم، حتى لو أصبحت نووية، بل إنّ لها ولبرنامجها النووي منافعَ خفيةً لا تقدر بثمن. خصوصا حين نستذكر الرعب الذي أصاب الأميركيين والأوربيين والإسرائيليين من مفاعل صدام حسين النووي الذي لم يصبروا عليه طويلا وعمدوا إلى تدميره قبل أن يرى النور، رغم أن فرنسا التي قبضت أطناناً من الأموال العراقية ثمنا لإنشائه أكدت للأميركيين أنها جعلته مفاعلا معوَّقا لا يصلح لبحوثٍ نووية عسكرية من أي نوع. فقد أخبر عالمٌ نووي فرنسي وفداً أميركيا بـ”أن شحنات اليورانيوم إلى العراق قد تمَّ تعديلها كيميائيا، سراً، لجعلها عديمة الفائدة في حال استخدامها لتطوير أسلحة نووية”، في اجتماع سري أميركي – فرنسي عقد في باريس يوم الخامس والعشرين من يوليو 1980 (أي قبل قيام إسرائيل بتدمير المفاعل العراقي بعام)، وذلك استنادا إلى وثيقة حصل عليها أرشيف الأمن القومي في واشنطن، من خلال قانون حرية المعلومات، وتم نشرها كجزء من مبادرة الدعوة إلى الشفافية التي استضافتها جامعة جورج واشنطن. والآن، كما يبدو، نقترب من احتمال أن يتوصل الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون، ومعهم الصينيون والروس، والمضاف إليهم الألمان، إلى اتفاق جديد تُجمِّد إيران بموجبه عزمها على صنع القنبلة النووية مقابل رفع العقوبات عنها، مع عدم المساس بملفات صواريخها الباليستية ومُسيَّراتها، وعدم الحديث عن احتلالِها لدول جوارها. وتأسيساً على هذا الاحتمال وجب علينا أن نتساءل، هل هناك من يضمن عدم قيام الروس والصينيين وربما الباكستانيين والكوريين الشماليين والفرنسيين بخيانة الاتفاق الجديد، والعودة إلى العمل من وراء الستار على معاونة إيران على إكمال مشوارها النووي العسكري؟ بناءً على حقائق السياسة الدولية المتواترة حاليا فإن الغد الذي ينتظر منطقتنا العربية لن يكون بردا وسلاما على حكوماتنا، وعلى شعوبنا قبلها ثم هل هناك من يضمن، قبل كل ذلك، عدم عودة النظام الإيراني نفسِه إلى طبيعته القديمة القائمة على الغش والخداع والمراوغة وعدم احترام الاتفاقيات الدولية التي يوقع عليها مثلما فعل بالاتفاق القديم؟ لا ضمان خصوصا وأن دول العالم الكبرى منذ ولادة الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية كانت وما تزال تمارس النفاق والكيل بعدة مكاييل. فقد تعودت البشرية على رؤية دولٍ كبرى عريقة تقاتل باستماتة دفاعا عن دكتاتور تريد الأمم المتحدة عقابه على واحدةٍ من جرائمه ضد الإنسانية، فتحميه من العقاب. إذن وبناءً على حقائق السياسة الدولية المتواترة حاليا فإن الغد الذي ينتظر منطقتنا العربية لن يكون بردا وسلاما على حكوماتنا، وعلى شعوبنا قبلها. فلا أحد يستطيع أن يتكهن بما سيكون عليه الحال إذا تكدس السلاح النووي في مخازن دول المنطقة كلها ما عدا العراق الأضعف والأفقر بين الدول المجاورة، والأكثر استعداداً للمزيد من خراب البيوت. فلن يكون في مقدوره اللحاق بأشقائه أعضاء النادي النووي العربي لعدة أسباب، أولها أن أي حكومة عراقية قادمة في ظل الوصاية الإيرانية الممسكة بزمامها، في أحسن حالات التفاؤل، غير مصرَّح لها بأن تضع أمن شعبها على رأس قائمة اهتماماتها أسوةً بحكومات الدول المجاورة. وثانيها أن الفساد المتجذّر الذي يصعب القضاء عليه، والمتوقع أن يشتد عوده ويترعرع في السنوات القادمة، لن يُبقي في الخزينة العراقية ما يكفي لتمويل مشروعٍ وطنيٍ حيويّ كبير من هذا الحجم ومن هذا النوع. أما السبب الآخر الأهم فهو أن أفضل علماء العراق وخبرائه مُغيبَّون أو مطاردون داخل بلادهم، أو هاربون إلى دول اللجوء خوفا على أنفسهم وأسَرِهم من الاغتيال بكواتم الطرف الثالث المجهول. يعني، بكل الاحتمالات، لن يكون العراق إلا سفينةً تائهة في بحرٍ نوويٍ عربي متلاطم الأمواج تتقاذفها رياح التهديدات النووية المتبادلة بين إيران وخصومها وأعدائها الأقوياء الأثرياء الكثيرين المحيطين بها وبهِ من كل حدب وصوب.
مشاركة :