طه خلو يرصد ويحلل القيم التربوية في روايات سليم بركات

  • 1/5/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

العلاقة بين الأدب والتربية علاقة متشابكة تمتد بجذورها إلى منابع فلسفية وتاريخية واجتماعية وأيديولوجية وسياسية ونفسية، كما يؤدي النص الأدبي وظائف تربوية وتعليمية كبيرة، بمثل ما تساعد التربية على نشر الأدب ورعاية الإبداع في المحافظة على الهوية. فالأديب القاص يبث قيمته التربوية من خلال قصصه، وكذلك الشاعر المربي تحمل قصائده دلالات تربوية متمثلة في العديد من القيم مثل الحرية والعدالة والمشاركة. وهذا الكتاب "القيم التربوية في رويات سليم بركات" للناقد طه خلو والصادر عن مؤسسة أروقة، يتناول المقاربة التربوية للإبداع العربي من العلاقة بين الأدب والتربية وأهمية القيم التربوية وخاصة في الأدب والرواية وإشكالية القيم في عالمنا العربي والوظيفة التربوية للإبداع، متخذا من عالم الروائي والشاعر سليم بركات والأدب الكردي نموذجا، حيث يبرز الأدب الكردي بشكل عام من حيث الأصوات والأنواع والأجيال بشكل عام في كل من العراق وسوريا وتركيا وإيران والاتحاد السوفيتي السابق كنبذة تاريخية لارتباط هذه الأجزاء تاريخيا مع بعضها البعض. ثم يعرف بالكاتب الكردي السوري "سليم بركات" وأعماله الشعرية والروائية ومزاوجة ثقافة وهوية سليم بركات الكردية والعربية محللا لعدد من أعماله الرواية وراصدا لأهم الشهادات والتقييمات النقدية من نقاد وكتاب وأدباء. يرى خلو أن ما بين الهوية العربية والهوية الكردية المزدوجة والثقافات الأخرى فقد تميزت كتابة الكردي الذي يكتب باللغة العربية إنها استفادت من مزاوجة ثقافتين في ثقافة واحدة.   رواية سليم بركات في جوهرها عبارة عن تحليل أدبي، وبسبب جمالية لغتها، فهي تحليل شعري للانتماء الكردي المركب لشخصية مزدوجة إن لم تكن متعددة.  يشعر الفتى بأنه مواطن مدينة أو منطقة جغرافية، لكنه في الوقت نفسه، ينتمي إلى جماعة اثنية كردية لها خصوصيتها. ويضيف أن المتخيل الروائي لدى سليم بركات يغتني من المأثور الأدبي والفني للثقافة الكردية دون أن ننسى حياته الغنية بالتجارب.  يشتغل بركات في رواياته على البيئة الكردية بأسلوب ساحر مستثمرا مؤهلاته الثقافية والتاريخية بتحويلها إلى عناصر إشراق في سياق بنية النص الروائي، وذلك بتمثل التاريخ الكردي المهمش والنبش في تفاصيله المنسية وإعادة الاعتبار لأبطاله وشخصياته الواقعية والأسطورية.  ولأن أشخاص سليم بركات الروائية محكومون على الدوام بقوى أكبر من أحلامهم ومقدراتهم ـ بحكم كرديتهم ربما، فما عليهم إذن إلا أن يؤجلوا ما يدعوهم إلى مجابهة هذه القوى وبكل الوسائل المتاحة لهم يدعوهم إلى مراجعة كل الأمور والحسابات وتصحيح الجغرافية والحدود من جديد وهكذا كانت مسألة التأجيل أو الانتظار، هي كل طباع هذا الشعب الذي يؤرخ له الكاتب في جميع كتاباته. ويشير خلو إلى سليم بركات يكتب بنوع من الثأرية مع اللغة ومع الهوية، إذ تتمثل هذه الكتابة هواجسه العميقة، واستلابه الشخصي المسكون بالمفارقة، فهو يأخذنا كـ (قرّاء) لأعماله الشعرية والسردية والسيرية إلى ما يشبه التحَفّز والحذر، ولما يمكن أن تُفضي إليه من أسئلة تمسّ وجدانه (الشقي) مثلما تمسّ سرائر بلاغته في الكتابة.  هو يكتب بـ(العربية) وكأنه يفترسها، أو يغالب بها الآخرين، إذ تضعه الكتابة عند شفير الوجود كما يسميها، تُساكنه شهواتٌ شتى، التمرد، والاقتحام والحرية والخوف والهُجرة والفقد، حدّ أن كائنه المضطرب دائما/ كائن موسسيانا يجدُ نفسه في متاهة، تلك التي تقذفه إلى أمكنة مضادة، أمكنة توهمه بالأوديسات وبالبحث عن وجود لا شفير له، عن مدن لا تهاجر، لا تحارب.  ويتابع الكردي في المكان غير الكردي في اللغة، وهذا ما عاش مفارقته وهواجسه سليم بركات، فهو الغامر في استيهامات المكان، لكنه المطرود من اللغة، وهكذا ثنائية وضعته في لعبة ملتبسة، لا تاريخ لها، ولا حدود لها، قدر ما انكشفت عليها كينونته، تلك التي ظلت أكثر تورطا في الاستلاب والوجع والفقد والبحث عن خرائط أخرى، وأمكنة أخرى وأناشيد أخرى يمكن لها أن ترمم خرابه العميق، وأن تعي له صوت الكراكي المفقودة.  في رواياته الثلاث والعشرين بالإضافة إلى كتابه "السيرتان" سيرة الطفولة والصبا، أربعة عشر منها عن الكرد ومآسيهم وقضيته، وأبطال رواياته والأمكنة منهم أيضا، الأمر الذي يحرره من المشاكل المرتبطة بالهوية.  مع ذلك فهو منذ نعومة أظفاره يتماثل غريزيًا مع بيئته، الكائنة عند الحدود السورية-التركية المتعددة القوميات والمذاهب.  غالبًا ما تسمى هذه المناطق في الرواية بالشمالية أو الشمال وتبدو منطقة غير واضحة المعالم والحدود. يتناول خلو إشكالية التعليم في روايات سليم بركات لافتا إلى أن جل كتابات سليم بركات يوثق كل ما كتب في معاجم وأقاصيص وروايات ومقالات ودوواين. أما بالنسبة للرسم والشعر والذي يتقنه سليم بركات في حياته العادية وكتب في هذا الإطار عدة مرات سواء كرواية أو شعر حيث أبطال العديد من رواياته رسامون وشعراء ونحاتون، يرى بركات في رواية "حوافر مهشمة في كهوف هايدراهوداهوس"الجزء الثاني من الملحمة الأسطورية "كهوف هايدراهوداهوس" أن لا فرق بين الشاعر والرسام عبر هذا المقطع "الرسامون شعراء تعثرت بهم الكلمات في عبورها ولم تعتذر". ويرى أنه من خلال هذا الاقتباس أن العلم سواء كان شعرا، رواية، رسما، مسرحا، سينما هدفه واحد وإن تغيرت المعاني والأشكال التي تؤثر على المجتمع بشكل عام والأسرة بشكل خاص، ولا فرق بين هؤلاء مهما كانت النتيجة سوى بالأدوات المستخدمة في التعبير عنها، ويرى أيضا أن الفن والأدب بعمومه مفيد لأبناء هذا المجتمع لما فيه من طاقات إبداعية هائلة مخزنة في التلميذ والطالب وإذا ما عرفنا كيفية إخراجها سنصل إلى مكامن شخصية الطالب والتلميذ. ويذكر خلو أن كون سليم بركات ينتمي إلى القومية الكردية فقد لاقى الكثير من الاضطهاد في بداية دخوله المدرسة وهذا ما أثر على رواياته من هذه الناحية واستخلصنا روايته في هذه الزاوية تسييس التعليم وإضفاء الحزبوية في المدارس الحكومية وضعف المكانة الاجتماعية لمهنة المعلم و تهميش دور المرأة والتطرف التعليمي وخصوصا بعد " الثورات العربية " ولغة التعليم ومناهجه والتمييز التعليمي ضد الأقليات. ويتوقف خلو مع قيمة العدالة في روايات سليم بركات حيث تضمن حق المواطنة والهوية والمشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية والتربوية والظلم الاجتماعي الحاصل في بلاد الشرق وارتباطها بحقوق الإنسان وحريته وأن صمام الأمان في المجتمعات هي العدالة والحقوق الإنسانية ومن دونها قد تنفلت الأمور لتصبح كارثة تؤدي بالمجتمعات إلى الهلاك.  وقال "إذًا بركات لا يكتب عن أكراد في دولة معينة بل إلى الدولة التي يسكنها الكردي في الأقطار الخمسة، ففي رواية واحدة قد يتناقل من حق الأكراد في ايران إلى حق الأكراد في تركيا وإلى الأكراد في سورية والعراق والاتحاد السوفيتي ليتحدث عن هوية الكردي وعدم الاعتراف به كشعب يعيش على أرضه التاريخية المسلوبة ثقافيا وحضاريا وقضيته العادلة التي لطالما وقع ضحية حقبات استعمارية استغلته في مآربها، وأن هذه الجماعات لها حقوق في أن تحافظ على هويتها وتنمي هذه الهوية، فقد اعتقد حكام هذه الدول أنه يضعف الكيان الوطني ودعم هذه النظرة الأحادية الانصهارية غياب الديمقراطية وضعف المجتمع المدني في تلك البلدان. ويرصد خلو بالتحليل لقيمة الحرية في روايات سليم بركات من حيث المضمون متوقفا مع عدة مواضيع منها التنشئة الاجتماعية وهدر الطفولة والتمييز الاجتماعي والتضييق على الحريات والقهر السياسي وقمع الأقليات حيث الإثنية الكردية وشيوع الاستبداد السياسي واضطهاد المبدعين والتحرر الوطني وحرية المواطن وما عاناه بركات كتبه في أدبه حيث كتابه "السيرتان" وشعره ورواياته ومقالاته وأفكاره التي ينادي بها دوما إلى الحرية المشغول بها دائما. ومن النتائج التي توصل إليها خلو من خلال قراءاته لروايات سليم بركات أن "الأدب والتربية يرتبطان ببعضهما البعض ارتباطا قويا يصبان في التربية الرشيدة وتنمية أفكاره ونمو خياله ووجدانه، كما أن الأدب والفن بكافة أشكاله ينبع من المجتمع سواء كان ريفي أو مدني ويهدف لتطوير هذا المجتمع وتطرق علوم كثيرة لا سيما علم الاجتماع إلى الجانب النير من الرواية والأدب عموما في فهم وتفسير الظاهرة الاجتماعية لطبيعة المجتمع المعقدة وخاصة في المجتمعات المليئة بالعرقيات والطوائف المذاهب الدينية وكما ذكرنا أن الأدب وخاصة الرواية مورد للتاريخ لفهم الماضي والحاضر وهذا ما لاحظناه في سيرته وأعماله الأولى، وأن الأدب أحد مقومات غرس الانتماء والولاء للوطن والمحافظة على الهوية وما قام به أدباء وكتاب كثر في تغير مخططات استعمارية وقيام بثورات لهدف التغير الإيجابي فهي تغذي المقاومة بأفكارها التحررية.  ولذلك نلاحظ أن الكثير من الأنظمة الاستبدادية تحاول شراء ذمم أدباء للتأثير على المجتمع بكافة مستوياته إذًا فالأدب من أهم أدوات التنشئة السياسية ويساعد على التفكير العلمي للأدب عدة وظائف تربوية فهو مادة تعليمية في كافة المدارس ولهذا اهتمت بعض الدول في نشر قصص من الأدب العالمي والمحلي ونشر الغناء والمسرح والسينما في مدارسها لتجعلها آلية من آلياتها في التدريس النشط، فهي وسيلة للتعليم المستمر والتعليم الذاتي ووسيط تربوي مؤثر. ويخلص إلى أنه يمكن من خلال التربية نشر القيم الجمالية ونشر الفن بأشكاله المختلفة والآداب للحفاظ على الثقافة والتراث الأدبي وإبراز الجانب الابتكاري والإبداعي فمن ضرورات الإبداع الأدبي أن يهتم المُبدِع في المقام الأول ببناء الموضوع الجمالي وتأسيسه داخل بنية عمله الأدبي خاصةً في مجال الرواية إذ كلاهما أي الأدب والتربية يؤثران في مادة الخلق والماهية فهما توءمان ولكن مادة الظهور الإبداعية هي المتفاوتة فقد تكون لوحة رسام مبدع أو مسرحية من صميم الواقع أو نثرات شعرية أو رواية تبرز هذه المشكلة الطارئة وحلها بطريقة علمية.  فالإبداع الأدبي هنا "القدرة على الخيال والتصور السريع لمختلف الحلول الأصلية، في مواجهة مشكلات مجتمعية وتربوية كثيرة قد لا نجد حلولا لها سوى تنمية هذه المهارات من خلال الإبداع الأدبي ومن خلال هذا العرض لهذه الأفكار يرى الباحث أن عرض المشكلة في البداية ومن ثم عرض مضمون الأفكار والحقائق ثم يجد الحلول وإيجاد طريقة ما للقبول بهذه الحلول هي الطريقة الأنسب في إبراز هذه المشاكل من خلال الآداب والفنون والرياضة والعلوم.  

مشاركة :