قالت أوساط سياسية تونسية مطلعة إن المرحلة القادمة ستشهد فتح ملفات قضائية مختلفة تم تعطيلها أو التكتم عليها، وخاصة الملفات التي تتعلق باتهامات موجهة إلى شخصيات سياسية بارزة مثلما هو الأمر بالنسبة إلى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، لافتة إلى أن قضية توقيف وزير العدل الأسبق والقيادي الإسلامي نورالدين البحيري أظهرت أن السلطات التونسية جادة في فتح مختلف الملفات بالرغم مما أحيط بهذه القضية من حملات حقوقية وإعلامية للضغط من أجل إطلاق سراحه وقطع الطريق على فتح ملفات أخرى. ونقلت وسائل إعلام تونسية مختلفة الأربعاء أن النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس قررت إحالة كل من رئيس البرلمان المجمد راشد الغنوشي، ورئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، ورئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، ورئيس الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي والمرشح الرئاسي لانتخابات 2019 عبدالكريم الزبيدي على أنظار الدائرة الجناحية لمحاكمتهم من “أجل عدة تهم من بينها مخالفة قوانين الإشهار السياسي وعدم الإفصاح عن الموارد المالية للحملة الانتخابية وغيرها من جرائم القانون الانتخابي”. نبيل الرابحي: جهاز القضاء بدأ يتعافى بعيدا عن الضغوط السياسية هذا مع الإشارة إلى أن قائمة الإحالة التي نشرتها الوكالة الرسمية تشير إلى اسم راشد الخريجي في سجلات الدولة وليس اسم الشهرة راشد الغنوشي. ورغم أن قرار الإحالة يشير إلى تجاوزات عدد كبير من المترشحين للرئاسة، إلا أن اسم الغنوشي يبرز بينها على الرغم من عدم ترشيحه وهو ما يثير التساؤلات عن طبيعة الاتهامات الموجهة وعن الطرف الذي دعمه زعيم حركة النهضة في الانتخابات الرئاسية. وذكرت وسائل الإعلام التونسية أن قرار إحالة المتهمين إلى المحاكمة جاء استنادا إلى تقرير محكمة المحاسبات بخصوص الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها سنة 2019. ونفت حركة النهضة خبر إحالة الغنوشي على النيابة العمومية وقالت إنها لم تتلق أيّ إخطار رسمي، وفق ما جاء على لسان مستشاره السياسي رياض الشعيبي حيث قال “لم تصلنا أيّ مراسلة رسمية أو إعلام (إخطار) رسمي يتعلق بهذا الموضوع”. وإلى الآن ليس هناك ما يوحي بأن السلطات القضائية تضع في اعتبارها الضغوط التي مارستها حركة النهضة وحلفاؤها من شخصيات يسارية وحقوقية بشأن قضية البحيري، وقد تغاضت عن الحركات الاستعراضية لهيئة الدفاع عن البحيري وزوجته سعيدة العكرمي التي أعلنت الأربعاء عن قيامها باعتصام بالمستشفى الذي يتداوى فيه زوجها. كما أن السلطات القضائية لا تقيم أيّ اعتبار للاتهامات التي تقول إنها تنفذ تعليمات من مؤسسة رئاسة الجمهورية أو من وزير الداخلية توفيق شرف الدين، في وقت يقول مراقبون إن ثبات المؤسسة القضائية في وجه الضغوط يظهر أن القضاء بدأ بالتعافي من التوظيف السياسي الذي شهدته السنوات العشر الماضية، وكان البحيري أحد المتهمين بقيادة هذه الضغوط لكونه عمل وزيرا للعدل خلال حكم الترويكا بين 2012 و2013. وقال الناشط السياسي نبيل الرابحي إن الإجراءات الأخيرة تثبت أنه “لا أحد فوق القانون، وهذا يعني أن جهاز القضاء بدأ يتعافى بعيدا عن الضغوط السياسية والخارجية، رغم وجود بعض الخلافات الداخلية”. محمد ذويب: تحت ضغط الشارع وتوصيات الرئيس سعيد تحركت الملفات وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “هناك مخالفات انتخابية ارتكبت في انتخابات 2019، وأن الجميع متساوون أمام القانون”، في إشارة إلى ما راج من أنباء عن توجيه تهم إلى مسؤولين بارزين سابقين بينهم الغنوشي والشاهد. وتابع “هذه خطوة سياسية حاسمة في تاريخ تونس، والدولة تريد أن تضع حدّا للعبث المتواصل منذ أكثر من عشر سنوات”. وكانت محكمة المحاسبات، التي تُعدّ أعلى هيئة قضائية رقابية في تونس، قد كشفت في تقرير لها أن حركة النهضة الإسلامية تعاقدت مع شركة دعاية وضغط أميركية من أجل تلميع صورة الحركة. كما اتهم التقرير حزب قلب تونس الذي يرأسه رجل الأعمال نبيل القروي بتعاقده مع شركة ضغط أجنبية بقيمة 2.85 مليون دينار، وتمّ تحويل جزء من قيمة العقد عبر حساب بنكي غير مصرح به وهو حساب زوجته. من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي محمد ذويب “كانت هذه الإحالة متوقعة وقد تأخرت كثيرا”. وصرّح لـ”العرب” قائلا إنه “تحت ضغط الشارع التونسي وتوصيات رئيس الجمهورية تحركت عدة ملفات على غرار إحالة ملف نورالدين البحيري وفتحي البلدي وأخيرا الشروع في تنفيذ تقرير دائرة المحاسبات باستدعاء عدة شخصيات نافذة كان من غير الممكن حتى التفكير في استدعائها، وهذه خطوة هامة في إطار تكريس المساواة بين الجميع ودولة القانون والمؤسسات”. ولم تتوقف حركة النهضة عن التحرك في موضوع البحيري. وقال سمير ديلو عضو هيئة الدفاع إن البحيري “بين الحياة والموت” بعد يومين من نقله إلى المستشفى، مضيفا “نحمِّل المسؤولية لكل من ساهم في اختطافه وحجزه”. اقرأ أيضا: بنكيران يعود إلى إخوانيته دون مواربة وجاء في الصفحة الشخصية للغنوشي على فيسبوك أن “حركة النهضة تحمّل المسؤولية الكاملة للسلامة الجسدية للأستاذ البحيري لرئيس سلطة الأمر الواقع قيس سعيد والقائم بشؤون وزارة الداخلية توفيق شرف الدين”، في خطاب بدا أنه تجاوز تقاليد التعامل مع رئاسة الجمهورية. وقال رجل الدين محمد الهنتاتي إن “إلقاء القبض على البحيري والبلدي ينقصه علي العريض ليكتمل الرابط بين الداخلية والعدل” في تلك الفترة. وأعلن وزير الداخلية توفيق شرف الدين الاثنين أن هناك “شبهات إرهاب جدية” في ملف توقيف البحيري وأن “الأمر يتعلق بتقديم شهادات الجنسية وبطاقات هوية وجوازات سفر بطريقة غير قانونية لأشخاص لن أصفهم وسأترك الأبحاث القضائية تطلق عليهم الوصف السليم”، وأضاف أن من بين الأشخاص فتاة من أبوين سوريين. وكشفت المحكمة الابتدائية الثلاثاء في بيان أن النيابة بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب فتحت بحثا وتحقيقا في هذا الملف. كما برر شرف الدين سرعة اتخاذ قرار وضع البحيري وشخص آخر (فتحي البلدي) في الإقامة الجبرية “ببلوغ خبر الأبحاث إلى علم العديد من الأطراف وانطلاق تحركات غريبة”.
مشاركة :