تثير أزمات مجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى للبرلمان) قلقا ومخاوف شعبية على مستقبل الحياة السياسية في البلاد وتزيد التشكيك في القدرة على إقرار مواد دستورية من شأنها إحداث تغييرات لافتة تحقق آمال الأردنيين في التغيير السياسي. والثلاثاء الماضي شهد مجلس النواب الأردني فوضى عارمة وتبادلا لشتائم وعراكا بين نواب خلال أول جلسة لمناقشة تعديلات دستورية مقترحة، أدت إلى رفع الجلسة وتأجيل انعقاد المجلس لمرتين متتاليتين. وأثار ما شهده المجلس موجة سخرية شعبية عارمة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتصدر حينها وسم “مجلس النواب” قائمة الأكثر تداولا بالمملكة، وسط انتقادات لاذعة لما جرى، فضلا عن انتشار واسع لمقاطع مصورة لحادثة العراك في مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية. والتعديلات الدستورية التي يناقشها البرلمان هي توصيات من لجنة تشكلت في يونيو الماضي بأمر ملكي بهدف “تحديث المنظومة السياسية”، ويبلغ عددها نحو ثلاثين مادة. بدر الماضي: السلطة التنفيذية مسيطرة على السلوك التشريعي للنواب ومن أبرز التعديلات المقترحة، إنشاء مجلس خاص بالأمن القومي، وانتخاب رئيس مجلس النواب لسنة واحدة بدلا عن سنتين، ومنح أعضاء المجلس حقا بإعفاء رئيسه في حال عجزه عن القيام بواجباته. ومن بين التعديلات التي أثارت جدلا، إضافة كلمة “الأردنيات” لمادة في الدستور، اعتبر نواب أن الهدف من ذلك “المساواة المطلقة” بين الرجل والمرأة في كل شيء حتى المواريث، بينما اعتبرت الحكومة أن هدف التعديل “تكريم المرأة الأردنية”. ويقول حسين محادين أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة مؤتة (حكومية) “من حيث المبدأ، يجب أن نميز بين السلطة التشريعية ومؤسساتها كركن أساس في الدستور الأردني كمظلة تستقدم كل أربع سنوات فوجا جديدا من النواب المنتخبين، في الغالب، وهذه ليست محط نقاش، ولكن ما جرى ارتبط ذهنيا وسلوكيا باتجاهات الأردنيين نحو أداء من انتخبوا”. وأضاف محادين “العراك الذي حدث جاء بمرتبة متدنية من توقعات الأردنيين، الذين يمتازون بارتفاع نسب التعليم وشغفهم الدائم في المتابعة السياسية والتشريعية، وقدرتهم اللافتة على توظيف الميديا ومتابعة ما يبث من خلالها لأداء مجلس النواب من منظور غير أردني، أي عبر ما يكتب عنه من مقالات وتحليلات سواء مكتوبة أو مبثوثة”. واعتبر أن “ما جرى في مجلس النواب قد أثار خشية الأردنيين الذين يؤمنون بالحوار والاحتكاك السياسي السلمي من أن يصبح عرفا مقبولا، خصوصا ما جرى من استقبال لأحد النواب المشاركين في هذا العراك من أبناء دائرته الانتخابية”. وأوضح أن الأردنيين يخشون من احتمالية تكرار “هذه الاحتكاكات الغريبة على طبائعهم الهادئة”، مؤكدا “لقد أخفق المجلس في إعطاء صورة مطمئنة للمتابعين ولأبناء الشعب الأردني عموما”. وشهدت الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في نوفمبر 2020 تراجعا في نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع، والسبب يرجع بحسب مراقبين، إلى تراكمات سابقة مردها أزمة ثقة شعبية بالعملية الانتخابية من جهة وأداء النواب من جهة أخرى. واقتصرت أعداد مقاعد الأحزاب في البرلمان الأردني هذه الدورة على 12 مقعدا فقط و118 مستقلا (من إجمالي 130 هي جميع مقاعد المجلس). وتوزعت مقاعد الأحزاب على 5 لحزب جبهة العمل الإسلامي، و5 مقاعد لحزب الوسط الإسلامي، فيما حصل حزبا الجبهة الأردنية الموحدة والوفاء على مقعد واحد لكل منهما. واعتبر الخبير في الشؤون البرلمانية هايل ودعان الدعجة أن “الأحداث الأخيرة التي شهدها مجلس النواب كان لها الأثر الأكبر في زيادة المخاوف، في ظل عدم القناعة بالتبريرات التي ساقتها الحكومة دفاعا عن التعديلات التي انطوت على تداعيات سياسية ودينية مثل التجنيس والتوطين والميراث والطلاق وتعدد الزوجات”. وأشار الدعجة إلى أن هذه التعديلات “قد تدفع مع الوقت إلى المطالبة بتعديل القوانين الناظمة لها لتتوافق مع التعديلات الدستورية”. ولفت إلى أن ما ساعد من خوف الشارع وقلقه “شعوره بوجود ضغوط وتدخلات رسمية، أمكن لها التأثير في مواقف النواب من هذه التعديلات لجهة إقرارها والموافقة عليها، مستغلة حالة الضعف التي تغلف الأداء النيابي”. وقال إن “خوف الأردنيين وقلقهم من المستقبل مبرران في ظل عدم ثقتهم بمؤسسات الدولة خاصة الحكومات والمجالس النيابية، وما يلاحظونه من انحراف من قبل الحكومات، تحديدا عن معالجة أبرز ما يعانون منه من مشاكل وتحديات، ممثلة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية الصعبة والتي يفترض أن تحظى بالأولوية على الأجندات الوطنية”. وترى دوائر أردنية أن هذه المعطيات ساهمت في جعل المواطن يعيش تحت انطباع أو اعتقاد بأن الجهات الحكومية والرسمية تخفي عنه شيئا ولا تصارحه بالحقيقة، لدرجة تشكيكه بجديتها بالإصلاح. وعلى الرغم من حساسية المرحلة التي تمر بها المملكة، إلا أن مراقبين يعتقدون أن أزمات مجلس النواب “مفتعلة”، وذلك لتسريع تمرير التعديلات ومشاريع القوانين المقترحة، فيما يرى آخرون أنها من صنيعة قوى “الشد العكسي”، التي لا تريد مرورا للتحديثات السياسية المرتقبة، كي لا تتأثر مصالحها. وخلال لقائه رئيس مجلس الأعيان (الغرفة الثانية) فيصل الفايز ورؤساء اللجان بالمجلس الإثنين، قال الملك عبدالله الثاني “الأردن ماض في مسيرة التحديث السياسي، دون تردد أو خوف”، لافتا إلى أن “المرحلة المقبلة تتطلب عملا كثيرا وتكاتف الجميع”. وأشار الملك عبدالله الثاني خلال اللقاء ذاته إلى أن “ثمة أطرافا تريد لمسيرة التحديث أن تفشل، لكننا واثقون من النجاح بإرادة الأردنيين”، وفق بيان سابق للديوان الملكي. وشدد الملك على أهمية العمل الجماعي المبني على تشاركية حقيقية، داعيا إلى “تقبل الآراء وتجاوز الخلافات الشخصية في سبيل خدمة المصلحة الوطنية”. ووصف بدر الماضي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية (حكومية) المشهد البرلماني في بلاده بأنه “نتيجة حتمية لمجموعة من العوامل والأسباب”. وأوضح الماضي أن تلك العوامل والأسباب “ليس أقلها نوعية الأفراد المنتخبين، مرورا بقوانين انتخاب تحصر وتحدد نوعية الأعضاء المطلوبين لتمثيل الشارع، وانتهاء بتغول بعض أجزاء السلطة التنفيذية وسيطرتها على توجهات وسلوك النواب التشريعي، والذي أصبح مصدر استهجان من قبل الشارع الأردني، لا بل عدم مبالاة”. وأضاف “مجلس الأمة (البرلمان بشقيه)، وتحديدا مجلس النواب، الجناح التشريعي الآخر بالمملكة، قد فقد بريقه كمؤسسة وسلطة تشريعية يجب أن تحظى بثقة الجماهير”. وتابع “الخطوط المرسومة للسلطة التشريعية، وبخاصة مجلس النواب، لا تساعد في إفراز مجلس تشريعي قادر أن يكون سلطة تُحدث نوعا من التوازن في السلطات الأردنية، لذا فإن رفع الوصاية عن المجلس أصبح من الضرورات الحتمية لتطور الدولة، وإنشاء علاقات متوازنة بين السلطات الثلاث”
مشاركة :