هل ستتغير فرنسا بعد التفجيرات الأخيرة؟ - فهد عامر الأحمدي

  • 11/17/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

التفجيرات الأخيرة في فرنسا ستجعلها بلا شك أكثر قسوة في تعاملها مع الإرهاب وتخوفاً من العرب والمسلمين.. وفرنسا بالذات كانت من الدول التي حافظت على حرياتها المدنية بعد انتكاسها في أميركا وبريطانيا.. ففي أميركا تسببت تفجيرات سبتمبر 2001 في ارتفاع نسبة الريبة والتجسس على المواطنين ناهيك عن عمليات التفتيش القاسية في المطارات ونقاط العبور.. وفي بريطانيا حدث الشيء نفسه بعد حادثة تفجير الباصات والميترو عام 2005 الأمر الذي حتم على الشرطة والمخابرات التدخل في حريات المواطنين والتجسس على الأجانب والمقيمين.. غير أن فرنسا رغم تعرضها لعمليات إرهابية سابقة جعلت أمر مكافحة الإرهاب (ليس بيد المخابرات كما فعلت أميركا، ولا الشؤون الأمنية كما فعلت بريطانيا) بل بيد هيئة القضاة العليا التي تضع نصب عينيها (أولا وأخيرا) عدم التأثير والتدخل في الحريات المدنية للمواطنين والمقيمين الأجانب... غير أن حجم وفظاعة التفجيرات الأخيرة قد يجبران فرنسا على تغيير سياستها هذه (خصوصا أننا سمعنا عن تشديد إجراءات دخول الأجانب ومنح فيزا شنجن).. والمؤكد أن كل عملية إرهابية جديدة ستجعل فرنسا وكل العالم أكثر قسوة وتشككا وتطاولا على الحريات المدنية. ستكون الضحية الأولى هي الجاليات الإسلامية التي تنعم بالسلام والاطمئنان بفضل دساتير غربية تمنح حقوقا متساوية لكافة الأعراق بصرف النظر عن الديانة والجنسية.. فباسم مكافحة الإرهاب اتخذت الولايات المتحدة إجراءات أمنية واستخباراتية طالت مليوني مسلم.. ومن الناحية السياسية يصعب تعداد التجاوزات الخارجية التي وقعت بها إدارة بوش مستغلة هذا الحادث حتى تحولت أمريكا لدولة إرهابية في نظر كثير من دول العالم! حتى بريطانيا (التي لم يكن مواطنوها بحاجة لحمل هويات) أصبحت أكبر دولة في العالم تتجسس على مواطنيها والمقيمين فيها.. أكدت ذلك صحيفة الديلي تلغراف التي نشرت تقريرا تحت عنوان "بريطانيا أكثر الأمم تجسساً على مواطنيها" (تجد على النت تحت هذا العنوان: Britain: the most spied on nation in the world). وهو تقرير يؤكد بالأرقام أن بريطانيا تحولت الى مجتمع يتجسس على مواطنيه من خلال كاميرات المراقبة وجمع المعلومات وتتبع البيانات.. فكاميرات المراقبة مثلا انتشرت في كافة الزوايا والميادين والمباني لدرجة أن المواطن العادي في لندن يُصور بكاميرات الفيديو 300 مرة في اليوم.. كما يتم جمع بياناته الخاصة من خلال تعاملاته الإلكترونية وأرقامه السرية والمواقع التي يتعامل معها عبر الشبكة.. ويضيف كاتب التقرير (فيليب جونستون) أن بريطانيا تقع في مؤخرة الدول الديمقراطية من حيث التجسس على المواطنين ولا يتأخر عنها سوى الصين وماليزيا ضمن 136 دولة حول العالم.. وللوهلة الأولى يبدو غريبا أن تتحول دولة تشتهر بالحرية الفردية (وضمان حقوق الناس دستوريا) إلى مجتمع مهووس بالمراقبة ورصد الآخرين.. ففي حين يمكن تفهم هذا الهوس في الدول الشيوعية السابقة (أو الدكتاتوريات المتسلطة في العالم الثالث) يصعب تصوره في دول قامت على مبدأ الحرية الفردية واحترام خصوصية الآخرين كبريطانيا وأميركا وبقية الدول الدستورية في أوروبا الغربية! غير أن هناك سببين رئيسيين يفسران تفاقم هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة: الأول: ارتفاع وتيرة مايسمى "الإرهاب الإسلامي".. والثاني: انتقال جزء كبير من الصراع إلى الساحات الإلكترونية حيث تجري أعمال الترويج والتجنيد - من جهة - وأعمال التجسس والمتابعة من جهة أخرى.. فرنسا وحدها لم تنجرف حتى الآن خلف هوس التجسس والمتابعة والترصد للمقيمين فوق أراضيها.. وأنا شخصيا لا أعتبر التفجيرات الأخيرة حققت أهدافها ما لم تبدأ فرنسا في التطاول على الحريات المدنية فيها كما فعلت أميركا وبريطانيا.

مشاركة :