أعلنت الأمم المتحدة أمس إطلاق مشاورات رسمية بين جميع الأطراف السودانية للخروج من الأزمة السياسية الحالية من خلال اتفاق يؤدي لعودة مسار التحول الديمقراطي، قائلة إن هذه التحركات جاءت بعد التشاور مع الشركاء السودانيين والدوليين. وفي غضون ذلك أبدى تحالف «الحرية والتغيير» استعداده للتعاطي إيجاباً مع أي مجهودات دولية تساعد في مناهضة الحكم العسكري الحالي وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية. وأعرب المبعوث الخاص للأمم المتحدة بالسودان، فولكر بيرتس، عن قلقه الشديد من أن يؤدي الانسداد السياسي الراهن إلى انزلاق البلاد نحو المزيد من عدم الاستقرار وإهدار المكاسب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحققت منذ قيام الثورة. وأشار في بيان أمس (السبت) إلى أن «كل التدابير التي تم اتخاذها حتى الآن لم تنجح في استعادة مسار التحول الذي يحقق تطلعات الشعب السوداني». وأضاف البيان أن المحادثات ستكون شاملة للجميع، وستتم دعوة جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين، من المدنيين والعسكريين بما في ذلك الحركات المسلحة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمجموعات النسائية ولجان المقاومة، للمشاركة في العملية السياسية التي تتولى الأمم المتحدة تيسيرها. وأضاف أن البعثة الأممية لدعم الانتقال في السودان «يونيتامس» تعوّل على التعاون التام والمشاركة الكاملة لجميع أصحاب المصلحة في السودان للمساهمة في نجاح هذه العملية. وأشارت البعثة الأممية إلى أن الفترة الانتقالية واجهت عقبات كبيرة أثرت بشدة على البلاد منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كما أسهم العنف المتكرر ضد المتظاهرين السلميين عقب الانقلاب في تعميق انعدام الثقة بين كل الأحزاب السياسية في السودان، مشددة على إنهاء العنف والدخول في عملية سياسية بناءة. وأكد البيان التزام الأمم المتحدة بدعم تحقيق تطلعات الشعب السوداني إلى الحرية والسلام والعدالة. من جانبه، قال تحالف «الحرية والتغيير» في بيان إنه لم يتلق حتى الآن أي تفاصيل حول مبادرة البعثة الأممية بشأن السودان، مؤكداً أنه سيدرسها حال تلقيها بصورة رسمية وسيعلن موقفه للرأي العام. وجدد التحالف موقفه المعلن بمواصلة العمل الجماهيري السلمي لهزيمة انقلاب 25 من أكتوبر الماضي، وتأسيس سلطة مدنية كاملة تقود الانتقال الذي يستكمل مهام الثورة، ويؤدي إلى انتخابات حرة ونزيهة بنهاية المرحلة الانتقالية. وأشار التحالف إلى أن تعاطي البعثة الأممية مع الوضع الراهن في البلاد يجب أن يتوافق مع قرارات مجلس الأمن التي نصت على دعم عملية الانتقال والحكم الديمقراطي والسلام وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادرها أن سفراء من الاتحاد الأوروبي وأميركا عقدوا اجتماعات مع المكتب التنفيذي لـ«الحرية والتغيير» لبحث كيفية تجاوز الأزمة السياسية المستفحلة. وقال قيادي في التحالف «من الصعب الحديث عن أي حوار أو تفاوض مع الانقلابيين في ظل استمرار القمع وقتل المتظاهرين السلميين، وهو ما يدفع الطرف الآخر للتمترس في اللاءات الثلاث: لا شرعية ولا تفاوض ولا مساومة»، ويرفض أي شراكة للعسكريين في السلطة. وأضاف أن طرح حلول لتجاوز الأزمة في البلاد يشترط وقف كل الانتهاكات التي يمارسها المجلس العسكري الانقلابي ضد الحراك الشعبي، وإلا فإن التصعيد سيستمر في الشارع حتى إسقاط الانقلاب. وقال المتحدث باسم «لجان المقاومة» التي تقود الحراك الشعبي والاحتجاجات، عمر زهران، إن لجان المقاومة حتى الآن لم تتلق دعوة رسمية من البعثة الأممية بشأن المحادثات التي ستجريها مع الأطراف الأخرى. وأضاف أن «لجان المقاومة جسم قاعدي ونحتاج إلى وقت للرجوع إلى قواعدنا لكي نتوافق على القرار، ونحدد موقفنا بالرفض أو المشاركة». ومن جانبه، أعلن حزب «الأمة القومي» ترحيبه بمبادرة الأمم المتحدة لقيادة العملية السياسية شريطة أن تلبي مطالب الشعب السوداني، قائلاً «ندعمها إذا ثبت أنها ستؤدي إلى نتائج إيجابية». وقال الأمين العام للحزب، الواثق البرير، لــ«الشرق الأوسط» كنا نتوقع أن تتحرك الأمم المتحدة في هذا الإطار لقيادة حوار مهم مع الأطراف السودانية كافة، تنسجم مع مقترح «المائدة المستديرة» الذي دفع به الحزب للقوى السياسية للخروج من الأزمة الحالية. وأشار إلى أن المبعوث الأممي، فولكر بيرتس، أجرى لقاءات مكثفة مع الأطراف لإيجاد نقاط التقاء نحو أرضية مشتركة لقيادة حوار يفضي لنتائج مثمرة. وأضاف أن المبادرة الأممية تحمل بعض المؤشرات التي يمكن أن تجد قبولاً وترحيباً من القوى السياسية يساهمان في تحقيق مطالبه. ويتمسك تحالف «الحرية والتغيير» بإنهاء الانقلاب العسكري وتأسيس سلطة مدنية كاملة تقود إلى التحول المدني الديمقراطي. وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنتوني غوتيرش، قد أجرى اتصالاً هاتفياً، أول من أمس، برئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان، دعا خلاله إلى تشجيع حوار بين جميع الأطراف السودانية لضمان الانتقال السلس الذي يفضي لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحقق تطلعات وآمال الشعب السوداني. وأمن الطرفان على ضرورة استكمال هياكل ومؤسسات الفترة الانتقالية والإسراع في تشكيل حكومة مدنية تعمل على تحقيق أهداف الثورة السودانية. واستقال رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، من منصبه الأسبوع الماضي، بعد أكثر من شهر على توقيعه اتفاقاً سياسياً مع قائد الجيش لكن الاتفاق وجد رفضا واسعا من الشارع والقوى السياسية، التي استمرت في تصعيد الحراك الشعبي عبر مظاهرات ومسيرات احتجاجية حاشدة، قتل خلالها 60 متظاهرا وأصيب المئات في معظم ولايات البلاد منذ استيلاء الجيش على السلطة في 25 من أكتوبر الماضي، وذلك وفقاً لـ«لجنة أطباء السودان».
مشاركة :