«عملية القرصنة الحوثية على سفينة الشحن «روابي» المختطفة قبالة الحديدة تمثل تهديدًا حقيقيًا لخطر ميلشيا الحوثي على الملاحة البحرية في باب المندب» جانب من البيان الذي أصدره التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن على خلفية عملية القرصنة الحوثية على السفينة الإماراتية المشار إليها، تلك الحادثة بالرغم من أنها ليست الأولى التي تواجه الملاحة البحرية في الخليج العربي ولن تكون الأخيرة فإنها تثير تساؤلين مهمين الأول: هل تعد تلك الحادثة منشأة لتلك المخاطر أم أنها كاشفة لها؟ والثاني: ما متطلبات حماية الملاحة البحرية في الخليج العربي؟ بادئ ذي بدء بالرغم من مخاطر الأزمة اليمنية على منظومة الأمن الإقليمي بأسرها وأمن الخليج العربي على نحو خاص فإن جل تلك المخاطر يتمثل في تهديد الملاحة البحرية والتي لم تكن تلك الحادثة سوى تصعيدًا خطيرًا ضمن تهديدات عديدة ابتداءً من زرع الحوثيين 207 ألغام بحرية في البحر الأحمر حتى نوفمبر 2021 بما يمثل تهديدًا لذلك الشريان البحري المهم ومرورًا باحتجاز الحوثيين ناقلة النفط صافر منذ عام 2015 وتحمل على متنها أكثر من مليون برميل من النفط في ظل تأكيد كل التقارير على تآكل هيكل السفينة واحتمال حدوث تسرب نفطي هائل ما ينذر بكارثة بحرية غير مسبوقة في البحر الأحمر سوف تمتد آثارها سنوات ليست بالقليلة إذ تقدم تجربة تلوث مياه الخليج العربي إبان أزمة الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990 دروسًا مستفادة في هذا الشأن، وانتهاء بهجوم الحوثيين على ناقلتي نفط سعوديتين تحمل كل منهما مليوني برميل من النفط ما حدا بالمملكة لإيقاف تصدير كل شحنات النفط الخام عبر مضيق باب المندب في يوليو 2018 بشكل مؤقت آنذاك لحين تأمين الملاحة، وربما تكون تلك الحوادث معروفة للجميع ولكنها أدلة مؤكدة على المخاطر التي تواجه الملاحة البحرية في تلك المنطقة الحيوية من العالم، بل إن تزامن الاعتداء على ناقلات النفط غير ذي مرة في بحر العرب وخليج عمان خلال الأعوام من 2019 وحتى 2021 مع تهديدات الحوثيين لمضيق باب المندب يعني حقيقة مؤداها أن الميلشيات والأطراف الداعمة لها تستهدف خوض صراع ممتد لإبقاء المنطقة في حالة من التوتر المزمن بين شقي رحى عبر توظيف ورقة الممرات المائية الاستراتيجية مما يعد تحديًا هائلاً ليس فقط لدول المنطقة بل للعالم بأسره في ظل تنامي الاعتماد على البحار كوسيلة رخيصة للنقل، بالإضافة إلى زيادة الأهمية الاستراتيجية لمنطقة البحر الأحمر لارتباطها بمشروعات تنموية بعيدة المدى للعديد من الدول المطلة عليها، ناهيك عن استمرار تحدي القرصنة والتي وإن تراجعت معدلاتها فإنه لم يتم القضاء عليها بشكل نهائي. ولا يعني ما سبق أن دول المنطقة والعالم قد وقفت مكتوفة الأيدي أمام تهديدات سابقة مماثلة والتي لا تستهدف تهديد الملاحة البحرية فحسب بل تغيير موازين القوى التقليدية التي تعد أساسًا للأمن الإقليمي، فهناك مؤشرات عديدة على مواجهة تلك التهديدات منها على سبيل المثال لا الحصر تدمير قوات التحالف عشرات الزوارق المفخخة في البحر الأحمر وغيرها من إجراءات الردع، بالإضافة إلى ممارسة الردع من جانب القوى الإقليمية ففي عام 2015 وفي أعقاب تقدم الحوثيين صوب باب المندب لمحاولة السيطرة عليه أعلنت القوات المسلحة المصرية توجه ثلاث بوارج حربية بحرية لتأمين الملاحة في ذلك المضيق، فضلاً عن الرد الدولي تجاه تجاوز الحوثيون الخطوط الحمراء في تلك الأزمة، ففي أكتوبر عام 2016 تعرضت المدمرة الأمريكية «يو إس إس ميسون» لهجوم بصاروخين أكدت المصادر الأمريكية أنه تم إطلاقهما من أراض تقع تحت سيطرة الحوثيين إلا أنهما اصطدما بالمياه قبل وصولهما إلى المدمرة ولم تصب بأضرار بيد أن الرد الأمريكي قد جاء حاسمًا من خلال قصف ثلاثة مواقع رادار تابعة للحوثيين على ساحل البحر الأحمر من خلال صواريخ توماهوك تم إطلاقها من المدمرة «يو إس إس نيتز». ومن دون المزيد من الخوض في توصيف المهددات وردود الفعل وهي عديدة لا يتسع المجال لتناولها كافة، ففي تقديري أن البحار هي الساحة القادمة للحروب كما أشرت لذلك في مقالات سابقة ليس لوجود ثغرات في تطبيق مضامين الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بأمن الملاحة بل لإمكانية توظيف البحار ضمن الصراعات الإقليمية، فضلاً عن أن تعارض المصالح بين الدول كان سببًا في تحول هدف مواجهة تهديدات الأمن البحري نحو صراع محتدم، وللتدليل على ذلك أشير إلى ثلاثة أمثلة أولها: خلال الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات لجأ طرفا الحرب إلى ضرب السفن بهدف توريط أطراف أخرى وهو الأمر الذي أسفر عن تكوين تحالف بحري دولي لمواجهة مخاطر تهديد الملاحة آنذاك، وثانيها: في عام 2008 وبعد صدور قرارات أممية استهدفت حشد الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة القرصنة قبالة سواحل الصومال والقرن الإفريقي كان هناك تعاون متعدد الأطراف مما أسفر بالفعل عن انحسار مخاطر ذلك التهديد ولكنه سرعان ما أسفر عن تنافس محموم على تأسيس قواعد عسكرية بالقرب من مضيق باب المندب، وثالثها: بالرغم من أن الاعتداءات التي تعرضت لها ناقلات النفط في بحر العرب وخليج عمان خلال السنوات الماضية فإن مناقشات المنظمة الأممية لم تسفر سوى عن بيانات شجب وإدانة. ويعني ذلك أن مواجهة تهديدات الأمن البحري ربما اعتمدت على أسلوب الفعل ورد الفعل وقد نجحت تلك الجهود في الإبقاء على ممرات الملاحة البحرية آمنة ولكن في تقديري أن ثمة ثلاثة متطلبات لمواجهة تهديدات الملاحة البحرية في الخليج العربي الأولى: وضع استراتيجيات متكاملة للأمن البحري على غرار تلك التي تصدر حول الأمن القومي وتتضمن جوانب أمنية وبيئية واقتصادية، والثاني: تفعيل الآليات التي تم إعلانها لحماية الملاحة، بالإضافة إلى ما تردد بشأن مناقشة تأسيس قوات للتدخل السريع للتعامل مع أي كوارث بحرية متوقعة، والثالث:أن تكون حماية الملاحة البحرية بندًا رئيسيا في الحوار الخليجي مع الشركاء والحلفاء لارتباط أمن الملاحة بأمن العالم بأسره حتى لتلك الدول التي لا تزال تتردد في المساهمة في الجهود الدولية للحفاظ على أمن الملاحة في تلك المنطقة الحيوية من العالم. ربما تختلف رؤى الأطراف الإقليمية والدولية على تحديد مهددات الأمن البحري ومن ثم اختلاف وتباين المواقف بشأن آليات مواجهتها إلا أن الأمر الذي لا خلاف عليه أن البحار كانت- وسوف تظل- وسيلة مهمة للنقل بل ساحة للنفوذ بما يعني أن تعزيز القدرات واتخاذ الإجراءات الاحترازية وبناء التحالفات متطلبات ثلاثة لازمة وضرورية للحفاظ على الأمن البحري الذي أضحى جوهر الأمن القومي للدول كافة. { مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»
مشاركة :