تباينت ردود أفعال الأوساط السودانية والخارجية حيال إعلان الأمم المتحدة عن إطلاق مشاورات بين أطراف الأزمة السودانية، في محاولة لمعالجة الوضع الراهن الذي تسبب فيه انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر من العام الماضي. وأعلنت الأمم المتحدة السبت أن ممثلها في السودان فولكر بيرثيس "سيطلق رسميا المشاورات الأولية لعملية سياسية بين الأطراف السودانية تتولى الأمم المتحدة تيسيرها، بهدف التوصل إلى اتفاق للخروج من الأزمة السياسية الحالية". وستتولى الأمم المتحدة تسيير حوار يجمع الفاعلين من العسكريين والحركات المسلحة والقوى السياسية والمجتمع المدني والمجموعات النسائية ولجان المقاومة. وحصدت المبادرة فور إعلانها تأييدا دوليا لافتا، لكن قوى "إعلان الحرية والتغيير - المجلس المركزي" بدت حذرة حيالها، بينما أعلن "تجمع المهنيين السودانيين" رفضه للمبادرة. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن الرباعية التي تضم السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة، ترحب بإعلان بعثة الأمم المتحدة في السودان مبادرة لتسهيل النقاشات لحل الأزمة السياسية في البلاد. وأكدت الخارجية الأميركية دعم واشنطن القوي لمبادرة الحوار السودانية التي ترعاها الأمم المتحدة. وحثت الوزارة جميع الفاعلين السياسيين السودانيين على اغتنام الفرصة لاستعادة انتقال البلاد إلى ديمقراطية مدنية، بما يتماشى مع الإعلان الدستوري لعام 2019. وأضافت الخارجية الأميركية أن واشنطن تتطلع إلى أن تحقق هذه العملية نتائج، وأن تقود البلاد نحو انتخابات ديمقراطية. وألغى البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي النصوص المتعلقة بالشراكة بين المكونين العسكري والمدني في سياق حزمة إجراءات قال إنها لتصحيح المسار، لكنها وصفت بالانقلاب الذي قضى على الوثيقة كليا. وفي الخرطوم أعلن "تجمع المهنيين السودانيين" المعارض الأحد رفضه المبادرة الأممية لحل الأزمة في البلاد، مؤكدا أن الحل هو إسقاط سلطة المجلس العسكري وانتزاع سلطة الشعب المدنية الكاملة. وقال تجمع المهنيين في بيان عبر حسابه على فيسبوك "اطلعنا على بيان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة يونيتامس بريتس فولكر، والذي يعلن فيه عما سماه مشاورات لحوار وعملية سياسية بين أصحاب المصلحة السودانيين، ونؤكد رفضنا التام لهذه الدعوة التي تسعى للدفع تجاه التطبيع مع مجرمي المجلس العسكري الانقلابي وسلطتهم الفاشية". وأضاف "شعبنا الأبي أعلن بوضوح أن الطريق لحل الأزمة السودانية يبدأ بإسقاط المجلس العسكري الانقلابي بشكل تام، وتقديم عضويته للعدالة الناجزة على ما اقترفه من مذابح ومجازر بحق الشعب السوداني المسالم الأعزل في محاكم خاصة". وأكد تجمع المهنيين السودانيين "تمسكه الصميم باللاءات المعلنة من قبل القوى الثورية الحية، (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية)، وتبنيه القاطع للأدوات المتنوعة التي أشهرها شعبنا في المقاومة السلمية حتى انتزاع سلطة الشعب المدنية الخالصة وتأسيسها على الشرعية الثورية، والتي تتيح العمل الدؤوب لتفكيك الشمولية وسيطرة الطفيليين على موارد بلادنا الغنية، وإرساء دعائم التحول المدني الديمقراطي وبناء سودان الحرية والسلام والعدالة". وأظهر المجلس المركزي لتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير ترحيبا حذرا بمبادرة الأمم المتحدة قائلا إنه "لم يتلق تفاصيل حولها حتى الآن"، لكنه لفت إلى تعاطيه الايجابي مع أي جهد دولي يساعد في تحقيق غايات الشعب السوداني في مناهضة الانقلاب وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية. وأفاد المجلس المركزي في بيان السبت بأن "السودان دولة عضو في الأمم المتحدة، وأن بعثة يونيتامس لديها تفويض بموجب قرار مجلس الأمن 2525، لدعم الانتقال المدني الديمقراطي في السودان، لكن هذا الانتقال عصف به انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر". وتابع "وعليه فإن تعاطي البعثة مع الوضع الراهن يجب أن يتوافق مع قرارات مجلس الأمن، التي نصت على دعم عملية الانتقال والتقدم نحو الحكم الديمقراطي والسلام وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها". وطالب مستشار رئيس الوزراء السابق فيصل محمد صالح بعثة الأمم المتحدة في السودان بقراءة الواقع ومعرفة الثوابت التي تتفق عليها الجماهير، التي تسير في الشوارع منذ الخامس والعشرين من أكتوبر رفضا للانقلاب وما ترتب عليه. وقال في منشور على فيسبوك إن هذه المجموعات ستختلف علی التفاصيل، لكنها تتفق علی مبدأين أساسيين هما خروج مجموعة المكون العسكري الحالية من المشهد السياسي، كمطلب أساسي للجميع، وبالتالي إن كانت هناك مقترحات يجب أن تركز علی استراتيجية الخروج. وشدد صالح على استحالة الرجوع إلى الوضع الذي كان سائدا حتی الرابع والعشرين من أكتوبر، وأضاف "سبق السيف العزل، وقفل الانقلاب العسكري الطريق لذلك، وبالتالي فإن المطلوب هو التفكير في علاقة مختلفة ودور محدد للمؤسسة العسكرية في إطار دورها المهني". ورأى أن الحديث عن حوار مفتوح أو مائدة مستديرة بالشكل الهلامي المفتوح لن يكون مفيدا، وإنما سيعيد تكرار متلازمة الفشل الأممي التي حدثت في بلاد كثيرة. ورحب رئيس الجبهة الثورية عضو المجلس السيادي الهادي إدريس بالمبادرة الأممية، وأبدى في تصريح لوكالة الأنباء السودانية أملا في أن تحدث اختراقا حقيقيا تجاه حل الأزمة السياسية السودانية الراهنة، مؤكدا أن السودان أمام مفترق طرق ويستوجب التدخل الأممي. وأعلنت تجمعات سودانية معارضة عن تنظيم تظاهرات ووقفات احتجاجية الأحد، في إطار استمرار الضغط على القوات المسلحة. ويحكم السودان حاليا مجلس سيادة يقوده الجيش، بعد استقالة حمدوك الأسبوع الماضي. ويصادف التاسع من يناير ذكرى أول احتجاجات ضخمة تُنظم في منطقة أم درمان في 2019، ضمن سلسلة الاحتجاجات السلمية التي نجحت في الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير الذي حكم البلاد لمدة 30 عاما. ويشهد السودان احتجاجات متكررة وحالة من الاحتقان منذ التوترات التي شهدتها البلاد في أكتوبر الماضي، عندما أطاح قائد الجيش بالحكومة الانتقالية المدنية.
مشاركة :