لا يمكن التسليم ببطلان أو انعدام الأحكام القضائية التي أصدرها القضاة والمستشارون الصادرة بحقهم أحكام بالسجن في قضايا تتعلق بالرشوة والتزوير خلال الفترة التي تولوا فيها العمل على منصة القضاء، وإنما يجب الوقوف على مجموعة من الفترات الزمنية والأحداث، ومنها ما يتصل بفترة عملهم على منصة القضاء، ومنها ما يتصل بإصدارهم الأحكام القضائية التي أحيلوا بسببها الى المحاكمة الجزائية، ارتباطا بوقائع الرشوة والكسب غير المشروع وغسل الأموال. وقبل التصدي لمسألة سلامة الأحكام من عدمها، يتعيّن الإشارة الى مسألة أوّلية، وهي أن المقرر قانونا والمستقر عليه فقها وقضاء أن القانون المنظم للأعمال الإجرائية المتصلة بشكل المحاكمات والأحكام هما قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية في المسائل الجزائية والمرافعات المدنية والتجارية في المسائل غير الجزائية على حد سواء. وبعد الرجوع الى أحكام تلك القوانين، يتضح منها عدم تقرير أي منهما بالنص على أحكام تواجه هذه القضية على نحو صريح، وذلك لأن الأحكام الحالية تواجه مسائل البطلان أو الانعدام، وجميعها منظمة لظروف مقننة، ليس من بينها الحالة المعروضة. وعلى الرغم من أن تلك الحالة كانت منظمة من حيث محاسبة عضو القضاء وفق قانون المخاصمة الذي لم يُكتب له الاستمرار، ولكن في شق المطالبة بالتعويض، وذلك عن السلوك المتصل بإصدار الأحكام نتيجة وقائع عائدة الى التدليس أو الغدر، فإن أحكام قانون المخاصمة لم تعالج مصير الأحكام القضائية التي أصدرها العنصر القضائي الذي اتضح لاحقا عدم سلامة قضائه، وثبت ذلك بحكم جنائي باتّ. إلا أنه بالإمكان التفرقة بين فرضيتين من واقع الأعمال والدرجات التي ينتمون اليها، لكون بعضهم قضاة في المحكمة الكلية، وبعضهم في محكمة الاستئناف، وذلك على النحو التالي: أولا: الأحكام التي أصدرها القضاة والمستشارون على نحو عام خلال فترة عملهم على منصة القضاء تعتبر أحكاما صحيحة، ولا تشوبها شائبة، لكونها صادرة على النحو السليم وممّن لهم ولاية في إصدارها، ولم يتم التعرّض لها على وقع القضية الجنائية، ومن ثم فلا يجوز النّيل منها أو الطعن عليها، لمجرد أنه ثبت في المستقبل أو لاحقا اشتراك أي من القضاة الذين ثبت ارتباطهم بقضايا جنائية أخرى بوقائع رشوة وغسل أموال، بسبب إصدارهم أحكاما أيا كانت طبيعتها؛ مدنية أو جزائية. ثانيا: الأحكام التي أصدرها القضاة في القضايا محل الدعاوى التي اتهموا بها في القضية الجزائية المتصلة بالرشوة، والتي أحيلوا إلى المحاكمة بسبب إصدارها، فتلك الأحكام التي أصدروها، والتي هي بواقع 8 الى 10 قضايا فقط، ارتبطت بتقرير الاتهام تتضمنها 3 فرضيات هي: أولا: الأحكام الصادرة من قضاة أول درجة وجاءت دوائر الاستئناف وألغتها فليست لها حجية ولا مصلحة من التماس الحكم بشأنها. ثانيا: الأحكام الصادرة من قضاء محكمة الاستئناف ونظرتها محكمة التمييز، وأصدرت حكما بإلغائها، فليس هناك مصلحة من الالتماس بشأنها، بينما من جرى تأييدها فيجوز الالتماس، خاصة إذا ما ثبتت وقائع الغش التي أدخلت على العدالة، وكان للعنصر القضائي مصدر الحكم اشتراك فيها. ثالثا: الأحكام التي انتهى القضاء من نظرها وصارت باتّة، فإنه حال ثبوت نهائية الأحكام الصادرة من القضاة، وثبت ارتباطها بوقائع الرشوة، فهنا بالإمكان الطعن على هذه الأحكام وفق طريق الطعن بالتماس إعادة النظر، والذي بالإمكان احتسابه منذ نهائية الحكم الجزائي بجريمة الرشوة، وذلك استنادا إلى ثبوت وقائع الغش والتدليس التي كانت سببا في إصدار الحكم القضائي، لاسيما بعد ثبوت إدانة العنصر القضائي بجريمة الرشوة، والتي من السابق لأوانه الحكم عليها لتداول الملف الجنائي أمام القضاء الذي قد ينتهي الى الحكم ببراءة البعض، أو جميع المحالين، أو تأييد حكم الدرجة الأولى.
مشاركة :