منذ بدأت المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني قبل عدة سنوات لم تؤخذ مصالح دول المنطقة وحقوقها الطبيعية في الأمن والسلام بعين الاعتبار لا من إيران ولا من الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في تلك المفاوضات القديمة وصولا إلى الاتفاق الذي وقع بين إيران و5+1 في عام 2015، ولذلك كان المستفيد الأساسي والأول من هذا الاتفاق المختل هو إيران التي لم تتوقف يوما عن تطوير برنامجها النووي من ناحية وفي المقابل بدأت تستفيد من رفع العقوبات عنها بالمجان وبدون مقابل حقيقي يحقق الأمن والسلام للجميع بما فيهم إيران، والدليل على ذلك أن إيران استمرت في التخصيب وتطوير برنامجها النووي من عام 2015 حتى اليوم. وبالرغم من الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالخروج من الاتفاق الذي اعتبره فاسدا وغير مناسب وهو محق في ذلك، وبالرغم من هذا الخروج بالرغم من الإجراءات الشديدة التي اتخذها ترامب في ذلك الوقت فإن إيران لم ترتدع ولم تستجب أبدا، بل اغتنمت فرصة خروج الولايات المتحدة الأمريكية من هذا الاتفاق لتتجاوز القيود البسيطة والإجراءات التي يفترض أن تلتزم بها تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية نفسها. فإذا كان اتفاق عام 2015 قد سمح لإيران بألا تتجاوز نسبة التخصيب لليورانيوم 3.5% فإن هذه النسبة قد بلغت اليوم أكثر من 60% بحسب التقارير الإعلامية المنشورة، بل وإذا ما ترك الأمر بدون عراقيل فإن نسبة التخصيب ستبلغ 80% وهذا أمر خطر ومخيف وسوف تكون نتائجه وخيمة لأن إيران لن تتورع عن انتاج القنابل النووية مثلما فعلت الهند وباكستان وهذا ما ترجمته العديد من التقارير الاستخباراتية التي تقول إن إيران على وشك انتاج القنبلة الذرية خلال عدة أشهر فقط بالرغم من الادعاءات الإيرانية التي تؤكد باستمرار أنها لا تصنع قنبلة نووية والدليل على ذلك أن إيران تمتلك اليوم اليورانيوم المخصب الذي يمكنها من انتاج قنابل نووية. وفي جولات المفاوضات التي تجرى في فيينا حاليا فإن المناقشات لم تصل بعد إلى اتفاق جديد لأن هدف إيران الوحيد من هذه المفاوضات هو ابتزاز العالم الغربي بالدرجة الأولى من أجل رفع العقوبات والسماح لها بإعادة تصدير النفط والافراج عن مليارات الدولارات في حين أن الدول الغربية تحديدا كل ما يهمها هو استعادة السوق الإيرانية وفتح الباب لشركاتها الكبرى بالعمل في هذه السوق سواء في مجال الطاقة والبترول أو في مجال البنية التحتية أو في المجالات الصناعية والتجارية وخاصة أن إيران تعيش منذ أكثر من 40 عاما في عزلة وهي في حاجة ماسة إلى الاستفادة من التكنولوجيا الغربية المتطورة. وبالرغم من استمرار هذه المفاوضات عدة أسابيع فإن أجواء من التشاؤم من احتمالات الفشل لا تزال تهيمين على تلك المفاوضات التي تركز بالدرجة الأولى على المشروع النووي الإيراني، ومما يؤكد احتمالية هذا الفشل وجود حكومة يمينية متطرفة في إيران فضلا عن العنجهية الإيرانية التي تزايدت وتيرتها بوصول المحافظين المتشددين إلى الحكم ولذلك تميل العديد من الأوساط السياسية التي تتابع هذه المفاوضات إلى حلول وسطى يتم من خلالها تبادل التوقف المؤقت لإيران عن التخصيب مقابل رفع بعض العقوبات وخاصة المتعلقة بتصدير النفط. المشكلة التي تهمنا في هذا المجال أن مصالح دول المنطقة وخاصة دول الخليج العربية لا يبدو أنها مأخوذة بعين الاعتبار إلى حد الآن سواء بالنسبة إلى المشروع النووي نفسه الذي لا يبعد عن دول الخليج سوى عشرات الأميال فإن أي انفجار أو خلل أو حادث نووي سوف يتسرب إلى مياه الخليج ويصل إلى بلداننا وقد يتسبب في كوارث لا أول لها ولا آخر وربما تقتل الآلاف من البشر لا قدر الله وتدمر البيئة، ولذلك يفترض أن يكون لدول الخليج مصلحة حقيقية في هذا الاتفاق بأن تضغط في اتجاه إلزام بأعلى درجات الأمن والأمان والرقابة الدائمة الشاملة على هذا المشروع. كما أن المشكلة الثانية المرتبطة بمصالح دول الخليج وأمنها تتعلق بالأسلحة الباليستية التي تمتلكها إيران وتقوم بتطويرها باستمرار لضرب دول الخليج وقد تم استخدامها بالفعل من خلال أذرعها والمليشيات التابعة لها في اليمن والعراق إضافة إلى المخاطر الجسيمة المتمثلة في صنع واستخدام الطائرات المسيرة التي ضربت في يوم من الأيام منشآت نفطية ومطارات ومدن ومنشآت مدنية. إن هذين الموضوعين يجب أن يؤخذا بعين الاعتبار في أي اتفاق مع إيران، كما أن دول الخليج على اتم الاستعداد لمواجهة هذا التحدي وهذا الخطر المخيم والقائم في ظل الوضع القائم، أما البقاء في حالة الصمت فإن ذلك لن يفيد دولنا ولا مستقبل حياتنا فالخطر داهم والأمر جدي.
مشاركة :