تأملات في ذكرى الانطلاقة التاريخية لحركة «فتح»

  • 1/11/2022
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬1965،‭ ‬انطلقت‭ ‬حركة‭ ‬فتح‭ ‬وأطلقت‭ ‬معها‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينينة‭ ‬المعاصرة‭.. ‬قرار‭ ‬كبير‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬لم‭ ‬يولد‭ ‬من‭ ‬العدم،‭ ‬ولم‭ ‬يسر‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬وقلوب‭ ‬خامدة،‭ ‬بل‭ ‬الانطلاقة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬وتتحقق‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬مرت‭ ‬بمراحل‭ ‬كثيرة،‭ ‬ومتعرجات‭ ‬متعددة،‭ ‬ومحاولات‭ ‬سابقة‭ ‬صاغها‭ ‬الواقع‭ ‬المأساوي‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وسط‭ ‬أمته‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬ووسط‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬ولكن‭ ‬الخلية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬قرار‭ ‬الانطلاقة‭ ‬كانت‭ ‬منهمكة‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬مستجدات‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وأولها‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬شطبت‭ ‬من‭ ‬الخريطة،‭ ‬وحل‭ ‬محلها‭ ‬اسم‭ ‬افتراضي،‭ ‬مؤلف‭ ‬من‭ ‬الخرافة،‭ ‬ومؤلف‭ ‬من‭ ‬طغيان‭ ‬الانحياز‭ ‬الدولي‭ ‬الأحمق‭.. ‬فمثلاً‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬روجها‭ ‬قادة‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬بأنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬محتلين‭ ‬بل‭ ‬عائدون‭ ‬إلى‭ ‬وطنهم‭ ‬القديم،‭ ‬كانت‭ ‬رواية‭ ‬سخيفة‭ ‬تثير‭ ‬الاشمئزاز‭ ‬والسخرية،‭ ‬والذين‭ ‬تعاملوا‭ ‬بقسوة‭ ‬مع‭  ‬اليهود‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬نحن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬مطلقاً،‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬شعوب‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تنحاز‭ ‬إليهم‭ ‬الآن‭ ‬بما‭ ‬يوحي‭ ‬بمأساة‭ ‬كبرى‭!‬ المهم‭ ‬أن‭ ‬النكبة‭ ‬وقعت،‭ ‬وهجر‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬وطنهم‭ ‬بقرار‭ ‬دولي‭ ‬بامتياز‭ ‬وهو‭ ‬قرار‭ ‬التقسيم‭ ‬رقم‭ ‬181‭ ‬لعام‭ ‬1947،‭ ‬وهو‭ ‬قرار‭ ‬عجيب،‭ ‬لأن‭ ‬الذين‭ ‬فرضوه‭ ‬وقفوا‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬به‭.. ‬وإلا‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬الاستيطان‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬المستوطنون؟‭ ‬لكن‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬فإن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬1965،‭ ‬سجلوا‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬حضوراً‭ ‬مدهشاً،‭ ‬ولم‭ ‬يندثروا،‭ ‬ولم‭ ‬ينتهوا،‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬الانطلاقة،‭ ‬حدثت‭ ‬تراجيديا‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬مثلها‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حرم‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬حائط‭ ‬مبكى‭.. ‬كان‭ ‬محرماً‭ ‬عليه‭ ‬البكاء‭. ‬أقول‭ ‬ذلك‭ ‬للاعبين‭ ‬جدد‭ ‬حفظوا‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب‭ ‬قاموسا‭ ‬لغويا‭ ‬آخر‭ ‬يستخدمونه‭ ‬عند‭ ‬الخطابة‭ ‬الفارغة،‭ ‬قاموسا‭ ‬شكلانيا،‭ ‬يستبدل‭ ‬الوجع‭ ‬العميق‭ ‬بجمل‭ ‬لفظية‭ ‬فارغة،‭ ‬ولهذا‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عاشت‭ ‬وانبثقت‭ ‬في‭ ‬الانطلاقة‭ ‬بشكل‭ ‬أقوى‭ ‬وأكبر‭ ‬وأشمل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬منابر‭ ‬الخطابة‭ ‬الفاترة‭.. ‬فيا‭ ‬أيها‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬لا‭ ‬تبيعوا‭ ‬أحزانكم‭ ‬العظيمة‭ ‬في‭ ‬مواسم‭ ‬المراثي‭ ‬الهزلية،‭ ‬ولا‭ ‬تضعوا‭ ‬سيوفكم‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬مواسم‭ ‬المبارزات‭ ‬الشكلية،‭ ‬أنتم‭ ‬أعلى‭ ‬ينابيع‭ ‬الحزن‭ ‬وأنتم‭ ‬أدرى‭ ‬بالجراح‭ ‬التي‭ ‬تنبثق‭ ‬منها‭ ‬الدماء‭.‬ منذ‭ ‬أول‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1965،‭ ‬منذ‭ ‬الانطلاقة،‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬حضور‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬حضور‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بانطلاقة‭ ‬فتح‭ ‬والثورة‭ ‬المعاصرة،‭ ‬أكبر‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التهم‭ ‬التي‭ ‬وجهت‭ ‬إلينا،‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬الشكاوى‭ ‬التي‭ ‬سجلت‭ ‬ضدنا،‭ ‬وكل‭ ‬عربي‭ ‬ومسلم‭ ‬ومسيحي‭ ‬هو‭ ‬مدين‭ ‬لنا‭ ‬بحضورنا‭.. ‬انتظروا‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬شكل‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يحضر‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬على‭ ‬طريقتهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬إنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يحدث،‭ ‬ويتسربون‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬شقوق‭ ‬الأرض،‭ ‬‭.. ‬طوبى‭ ‬للذكرى،‭ ‬احتفلوا‭ ‬بها‭ ‬بمزاج‭ ‬فلسطيني،‭ ‬ولا‭ ‬تقولوا‭ ‬للآخرين‭ ‬أن‭ ‬يلتحقوا‭ ‬بكم،‭ ‬إنهم‭ ‬عاجزون‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون،‭ ‬بل‭ ‬إنهم‭ ‬إذا‭ ‬التحقوا‭ ‬بكم‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحسرة‭ ‬عليكم،‭ ‬فلا‭ ‬تصدقوا،‭ ‬ولا‭ ‬تأمنوا‭.‬ { كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬

مشاركة :