في استقبال جلالة الملك رئيسي مجلس النواب والشورى بمناسبة العيد الوطني، أوضح جلالته أن الدور المحوري للسلطة التشريعية هي الارتقاء بالعمل الوطني وتعزيز المسيرة الديمقراطية والدفاع عن المصالح العليا للوطن وتحقيق تطلعات المواطنين. وأشاد بكل من يدافع عن المكتسبات الوطنية وحمايتها والمتمثلة فيما يطرحه الرأي العام والنشاط الصحفي. في هذه المناسبة وفي كل مناسبة وطنية ينبغي أن تراجع الأمة مكتسباتها وتكون صادقة مع نفسها في التقييم والتحليل لكي تحقق التقدم الذي يخدم الوطن والمواطن ويلبي طموحاتهم. والسؤال الذي نرى على السلطة التشريعية التصدي له الآن هو: هل تمكن مجلس النواب والشورى من الارتقاء بالعملية الديمقراطية وحقق رؤية جلالة الملك وتطلعات المجتمع؟ لا بد أن ترتكز عملية التقييم على رأي المجتمع وعلى التقدم الذي أحرزه في تكريس مبادئ الديمقراطية والحريات العامة والمساءلة وحماية المال العام، وتاثيرها في التنمية الشاملة المستدامة ومتطلباتها من حرية الفكر والابتكار. الحديث عن مجلس النواب يجرنا إلى عدد من القضايا التي يتطلع إليها المجتمع منها رفع مستوى المعيشة والمحافظة على المكتسبات لفئات المجتمع مثل المتقاعدين والشباب وحقوقهم في العمل. كما كرس الميثاق والدستور مبادئ وقيم من أهمها مسؤولية تطوير التجربة الديمقراطية والمشاركة السياسية وحرية الرأي والتعبير والمشاركة السياسية وقيم التعاون والتسامح. وأن الغاية التي أبرزها الميثاق هي تحقيق المساواة والعدالة وصولا إلى الدولة المدنية الحديثة القائمة على المؤسسات والقانون وتكافؤ الفرص. في كل من هذه القضايا هناك تطورات حدثت في الفترة من 2002 إلى اليوم. هذه التطورات تحتاج إلى تقييم موضوعي مبني على الأسس التي وضعها الميثاق والدستور، واتضحت في خطابات جلالة الملك وما ينشره المواطنون والمقابلات التي يجريها النواب برئاسة المجلس والتصريحات التي تطلقها مختلف القيادات. وبالتالي فإن الحديث عن المجلس والتقييم الذي نطمح له ينطلق من هذه المفاهيم والقيم ومدى تحققها في المجتمع وأين تكمن جوانب القصور وتاثيرها في تطور المجتمع ومستوى المعيشة والحياة العامة. في ندوة في الصحافة المحلية لتقييم أداء مجلس النواب بعد 3 سنوات شارك فيها برلمانيون وسياسيون تمحور الحديث فيها عن غياب البرامج السياسية والعمل الجماعي والتكتلات البرلمانية داخل مجلس النواب. يرى المنتدون أن المجتمع وضع توقعات عالية لأداء النواب الأمر الذي يعكس «قسوة ردود الفعل في بعض المحطات أو على بعض الإخفاقات في تحقيق رغبات وتطلعات المواطنين». ويرى المشاركون أن بعض النواب غرق في تفاصيل أو في ملفات خدمية مناطقية. كذلك رأى البعض أن تحجيم النواب لصلاحياتهم على مدى أكثر من فصل تشريعي بتعديل اللائحة الداخلية انعكس سلبا على قوة وأداء المجلس. أكد المنتدون أن مسؤولية تقوية المجلس تقع على عاتق الجميع، بدءا من المجتمع والمجلس نفسه الذي تقع عليه إعادة النظر في اللائحة الداخلية وفي تعديل بعض التشريعات لتقوية أدواته الدستورية. كما يرى المنتدون أهمية مساهمة السلطة التنفيذية في التعاون مع المجلس في البحث عن سبل تقويته كونه يمثل حجر الزاوية في المشروع الإصلاحي ومن المؤسسات في تطوير عمل السلطة التنفيذية ومساعدتها في الحد من التجاوزات. العملية الديمقراطية هي مسيرة لا بد أن يعمل الجميع على تقويتها تدريجيا لكي تخدم الغاية منها وهي المشاركة الفاعلة في السلطة ليتحمل المجتمع مسؤولياته في التنمية الشاملة المستدامة. برزت من الندوة قضايا تستحق المناقشة على مستوى المجتمع، أولا المسؤولية عن تطوير البرلمان، ثانيا نسبة الأعضاء المستقلين في تركيبة المجلس ثالثا غياب التخطيط طويل الأمد رابعا ضعف المجالس البلدية وتداخل عمله مع النواب. فمثلا يقول النائب السابق عيسى تركي بأن المجالس الخمسة من 2002 إلى الآن لم تحقق طموح المجتمع في تعزيز مكتسباته والبناء عليها. ويواصل إن إضعاف المجلس يضر بالمسيرة الديمقراطية. ويرى أن «المجتمع كله (بما فيه السلطات الثلاث التي تمثله) مسؤول عن تقوية أو إضعاف البرلمان. والمسؤولية تقع بشكل مباشر على آليات إدارة المجلس النيابي وإدارة العمليات الانتخابية والأنظمة والقوانين التي تخضع لها». ويرى أن تكوين المجلس نفسه الذي تغلب عليه نسبة الأعضاء المستقلين تسهم في إضعافه. فوفق المستشار السياسي الدكتور أحمد الخزاعي «إن غياب الاستمرارية والتراكمية في العمل البرلماني» أضعف المجلس. والمقصود أنه منذ الانتخابات التكميلية في 2011 ساد في المجلس الأعضاء المستقلون وليس الجمعيات السياسية. النواب الأفراد مهما كانت مهارتهم فإنهم أفراد لا يملكون الأجهزة والأدوات التي تمكنهم من متابعة المشاريع من دورة انتخابية إلى أخرى. كما أن تجربتهم تنتهي بانتهاء عضويتهم في المجلس. بسبب العضوية الفردية غاب أي نوع من التخطيط طويل المدى والقدرة على متابعة المشاريع والبناء عليها، والاستفادة من كوادر الجمعيات في دعم المرشحين. لا توجد رؤية للجمعيات السياسية الحالية ولا تقوم بعمل منظم يدعم النواب بشكل أو بآخر. والسبب أن الجمعيات نفسها ضعيفة وتحتاج إلى دعم مادي وتيسير المشاركة في عضويتها. لكي تستطيع وضع برامج سياسية فإنها تحتاج إلى إمكانات مادية وبشرية، وهذا الآن في تناقص يهدد وجودها. حضور الكتل يعتمد على قدرة الجمعيات على استقطاب الكوادر وجمع المعلومات وعمل الدراسات وصياغة مقترحات بقوانين وهذا غير متيسر لها في الوقت الحالي، فكل هذا العمل يتطلب موارد مالية وكوادر بشرية وتسهيلات تشريعية. ومن دون دعم مادي سخي من الدولة فإن المسار لن يحقق الأهداف المرجوة. نخلص من ذلك إلى أن تطوير العملية الديمقراطية كهدف إستراتيجي مجتمعي وبرلماني ينبغي أن يكون أولوية رئيسية تتشبث بها الرئاسة في مجلسي النواب والشورى، وأن تضع له الخطط والمشاريع والبرامج لتنميته. وهذا يعني إحداث مراجعات للنظام الانتخابي وللعلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية ومراجعة العلاقة بين مجلس الشورى والنواب. انشغال المجلس بالأحداث العادية اليومية لا يخدم المسيرة التنموية على المدى البعيد. drmekuwaiti@gmail.com
مشاركة :