أصبح حديث المصالحة الفلسطينية وسيلة ترتاح إليها حركة حماس لتوجيه الضربات إلى عدوتها اللدود حركة فتح، وتراها مدخلا جيدا لتبرئة ذمتها من اتهامات تلاحقها بشأن دورها في إفشال الكثير من المحاولات التي بذلتها مصر أو غيرها، حتى فقدت هذه الورقة جانبا من أهميتها السياسية لأن كلا من حماس وفتح تتخذها أحيانا ذريعة لعدم حل الكثير من القضايا الخلافية. وعادت حماس أخيرا إلى الحديث عن دعوة روسيّة للمصالحة الفلسطينية دون أن تحدد هل هذه الدعوة جديدة أم هي ذاتها التي وجهتها موسكو في يونيو الماضي. وكشفت الحركة الثلاثاء عن تلقي دعوة روسية لإجراء حوار حول المصالحة الفلسطينية، وأنها “لم ترفض أية دعوة لأجل الوحدة الوطنية واللحمة الفلسطينية”. وذكرت مصادر فلسطينية لـ”العرب” أن حماس تريد توظيف حديث المصالحة في ما هو أبعد من دغدغة مشاعر الشارع الفلسطيني، وتربطه بعلاقاتها الإقليمية والدولية، حيث تنطوي الإشارة إلى الدعوة الروسية الآن على أنها غير معزولة ويمكنها فك حصار تفرضه عليها الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل عن طريق موسكو. وأكدت المصادر ذاتها أن اهتمام روسيا بالقضية الفلسطينية قديم وحرصها على المصالحة معروف، وسبق أن استقبلت وفودا تمثل قوى مختلفة، آخرها وفد تيار الإصلاح الفتحاوي بقيادة محمد دحلان الذي زار موسكو في نوفمبر الماضي. حماس تريد توظيف حديث المصالحة في ما هو أبعد من دغدغة مشاعر الشارع الفلسطيني، وتربطه بعلاقاتها الإقليمية والدولية، حيث يدل ذلك على أنها غير معزولة وحدّد عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبومرزوق، في حوار مع قناة “الأقصى” نشرته على موقعها الثلاثاء، شرطاً وحيدا للحوارات، وهو “عدم التنازل عن ثابت من ثوابت الشعب الفلسطيني، وأن تكون مشاركة سياسية حقيقية”. وتريد حماس تصوير نفسها على أنها الحركة الأمينة التي تدافع عن الثوابت وغيرها (فتح) هم الذين يقدمون تنازلات، وهي الرسالة الخفية التي تحاول من خلالها تبرير العثرات التي تواجهها المصالحة الوطنية منذ سنوات، فإذا كانت هي السبب في الإخفاق فذلك لأنها “تتمسك بالتماسك وغيرها يفرطون فيه”. واتهم أبومرزوق صراحة حركة فتح بأنها لم تُجب عن الدعوة الروسية إلى حوار المصالحة قائلا “نحن أمام انسداد في الخيارات لدى فتح، وهي لا تريد أن تذهب إلى أي منها”، ودعاها إلى مراجعة مواقفها السياسية والاعتراف بالأخطاء. وحسب حديثه أيضا فإن الكثير من الفصائل استجابت لدعوة وجهها الرئيس الجزائري عبالمجيد تبون في السادس من ديسمبر الماضي لعقد اجتماع للفصائل الفلسطينية في بلده، بينما فتح لم تستجب أو ترد عليها. لكن أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب كشف الثلاثاء عن تشكيل وفد من حركته لتلبية دعوة الجزائر إلى عقد حوار بشأن المصالحة الفلسطينية، بما ينفي ادعاءات حماس في هذه المسألة، وأن فتح لا تقل في تمسكها الظاهر عن حماس. وحاول القيادي الحمساوي التلميح إلى أن حركته من أكثر القوى الفلسطينية حرصا على المصالحة الوطنية بهدف إبعاد الاتهامات التي تلاحق حركته وأنها تتهرب من الاستحقاقات الناجمة عن ذلك ووضع مسؤولية التعثر على عاتق حركة فتح وحدها. وبالغ في التضخم المعنوي عندما قال إن حماس “حملت خلال زيارتها القاهرة في أكتوبر الماضي ملف الوحدة الوطنية، وقدّمت مبادرة تحوي رؤيتها للمصالحة ولم تتلق رداً بشأنها”، ولم يذكر أن هذه المبادرة شاملة ولا تقتصر على ملف المصالحة، وحوت شروطا لا تتناسب مع الواقع الفلسطيني. وكان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أعلن في يونيو الماضي أن ممثلين عن فصائل فلسطينية مختلفة، منها حركتا فتح وحماس، قد يزورون موسكو لإجراء مشاورات مع بعضهم البعض. وأكد بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، أن روسيا على تواصل مع الحركتين وغيرهما من الفصائل الفلسطينية، معربا عن استعداد بلاده لاستضافة لقاء بينها في أي وقت. روسيا تسعى لاستثمار ما تراه فراغا أميركيا في عملية السلام وتعمل على توظيفه للقيام بدور حيوي في بعض القضايا الإقليمية واقترابها بقوة من القضية الفلسطينية عبر تفعيل المصالحة وأظهرت روسيا استعدادا أكثر من مرة للدخول على هذا الخط، وأجرت حوارات مع حركات مختلفة في توقيتات متباينة، لكن لم تعلن عن نتيجة محددة، إذ وجدت أن هناك مسافات بعيدة بين الحركتين، فالهدف أن تكون ورقة المصالحة محطة أولى تستخدمها موسكو لتقديم مقاربة تتعلق بعملية المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب إن موسكو تسعى لأن يكون لها دور إيجابي في القضية الفلسطينية، حيث تعتبر نفسها صديقة لجميع القوى الفلسطينية، لكنها لا تستطيع ممارسة ضغوط حقيقية تقود إلى المصالحة. وأضاف لـ”العرب” أن “حماس ردت بإيجابية على المبادرة الروسية، لكن فتح لا تستطيع رفض مثل هذه الدعوة، فلا أحد يرفض المصالحة الوطنية بحد ذاتها، غير أن العيون سوف تتجه نحو الجزائر حاليا أكثر من موسكو”. وتسعى روسيا لاستثمار ما تراه فراغا أميركيا في عملية السلام وتعمل على توظيفه للقيام بدور حيوي في بعض القضايا الإقليمية، واقترابها بقوة من القضية الفلسطينية عبر تفعيل المصالحة هو مقدمة وليس نهاية المطاف. وتتعامل حماس مع هذه القضايا وفقا لما يتناسب مع مصالحها، لذلك تحصر اهتمامها في المصالحة ولا تتطرق إلى ما هو أبعد كي تحافظ على علاقاتها مع روسيا، وتستفيد مما يحمله تدخلها في المصالحة للهروب من الدائرة التي تحاصرها داخليا وخارجيا.
مشاركة :