يحتفل الأمازيغ في منطقة شمال أفريقيا كل عام بالسنة الأمازيغية الجديدة عبر طقوس وأجواء احتفالية تعكس ثقافتهم وموروثهم الفني وخاصة الموسيقي منه، فالموسيقى هي -كما لدى بقية الحضارات الأخرى- عنوان الفرح الأول وصافرة الانطلاق نحو السعادة. وتُعد الموسيقى أيضا واحدة من أهم النوافذ التي يمكن من خلالها التعرف على الثقافة الأمازيغية وميزاتها لدى القبائل الأمازيغية التي تَعتز بهويتها وتسعى لإبرازها في مناسبات محلية ودولية، فتُشكل أرضية خصبة تثري بها أيضا المشهد الفني المغاربي المتنوع. وبدورهم يحيي أمازيغ الجزائر السنة الأمازيغية الجديدة “يناير” 2964 بطقوس احتفالية مميزة تختلف من منطقة إلى أخرى، لكنها تتفق جميعها في الاستمتاع بالموسيقى التقليدية ومن بينها موسيقى البلوز الصحراوي. وفي قاعة ابن خلدون بالجزائر العاصمة كان الجزائريون على موعد للاستمتاع بباقة غنائية متنوعة لفرقة "تيكوباوين" التي تعرف بأداء إبداعاتها الغنائية بأسلوب موسيقى "بلوز الصحراء"، وهو نمط موسيقي منفتح يمازج بين الإيقاع "التارقي" التقليدي وروح مختلف طبوع الموسيقى الغربية احتفاء بقدوم سنة جديدة. وأدت فرقة "تيكوباوين" المتكونة من خمسة أفراد مجموعة ثرية من الأغاني التي تشتهر بها والتي تمزج بين موسيقى البلوز الصحراوي -وهو أسلوب موسيقي تارقي رائج عالميا وله محبوه ومتذوقوه في كل أنحاء العالم، ويتسم بأجوائه ونكهاته الأفريقية وأهازيجها التراثية- وإيقاعات الموسيقى الغربية (الريغي – الروك – الفولك..) لتصنع نمطا موسيقيا نادرا وإيقاعا نابضا يجمع بين التراث والحداثة والمعاصرة والانفتاح على الآخر في إطار ما يسمى بـ"موسيقى العالم". موسيقى تعرّف بتاريخ فني كبير موسيقى تعرّف بتاريخ فني كبير واستقطب هذا الحفل الذي نظمته مؤسسة فنون وثقافة لولاية (محافظة) الجزائر بمناسبة إحياء السنة الأمازيغية “يناير” جمهورا واسعا من العائلات والشباب، غصت به القاعة من عشاق هذا الطابع الغنائي المغاير والمتنوع والثري إيقاعيا، والذي يعكس إبداع أنامل وأصوات أعضاء فرقة “تيكوباوين” الشابة المنحدرة من ولايات عين صالح وأدرار والجزائر العاصمة، في قالب موسيقي جميل يجمع بين الغيتار الكهربائي والباص والدرامز (طقم الطبول). وعلى مدار ساعتين من الزمن الفني وفي تجربة فنية فريدة أبدعت هذه الفرقة في أداء أغاني مستوحاة من إيقاعات موسيقى الطوارق في الطاسيلي والأهقار بنصوص مدونة بالتامشاك، وهي لهجة أمازيغية يتكلم بها الطوارق في الجنوب الجزائري ومنطقة الساحل ككل، وأيضا باللغة العربية الدارجة تتناول مواضيع شتى كوصف جمال فضاء الصحراء ويوميات الطوارق وغيرها من الثيمات التي حملت صوت الواقع والحلم وذلك وفق سلسلة من الإيقاعات التي تراوح ما بين الإيقاع الراقص والسريع والهادئ والبطيء. تيكوباوين أخذت على عاتقها لواء التعريف بحضارة شعوب الصحراء الرحّل، وهم يؤدون أغنياتهم باللغتيْن الأمازيغية والجزائرية المحكية وأدت فرقة “تيكوباوين” أغاني تعكس الحب والجمال والأخوة والعيش السلمي والهوية مثل مقاطع “هيلالا” و”ميساكو” و”توماستين” و”تامديتين” و”طارهة” و”سيمغار ايميديوان” و”ليغ الزمان” و”تنيري” (الصحراء) و”أكسناغ تارها” (كرهت الحب) و”أميدينين” (صديقي). كما أدت المجموعة الفنية أغنية “حبك رواية” باللغة العربية وهي تجربة فنية ثنائية مع فرقة “الداي”. وأشار رئيس الفرقة سعيد بن خيرة، وهو عازف على آلة الغيتار الكهربائي، إلى أن “جمهور الجزائر العاصمة جمهور متذوق لهذا الطابع الموسيقي الذي يجمع بين التراث الموسيقي الجزائري الأصيل ومختلف الطبوع الغربية”، مبرزا “أنه اختار تقديم برنامج غنائي متنوع بمناسبة يناير مستوحى من أغاني الألبوم الأول ‘ديرهان’ عام 2016 والثاني ‘أهناي’ عام 2020 في حين من المنتظر صدور ألبومهم الغنائي الثالث أآخر سنة 2022 بالجزائر”. ومن المقرر أن تقدم هذه المجموعة الفنية حفلا موسيقيا ثانيا للاحتفال بالسنة الأمازيغية الجمعة في نفس القاعة. وطوال العقد الماضي أحيت هذه الفرقة الفنية، التي تأسست سنة 2013 بعين صالح ومعنى اسمها “سيوف”، العديد من الحفلات بالمدن الجزائرية في بداياتها قبل أن تصدر ألبومها الأول “ديرهان” (الأمنيات) في 2016 لتنشط بعدها حفلاتها خارج الجزائر بكل من فرنسا وكندا، ثم لاحقا أصدرت ألبومها الثاني “أهناي” عام 2020. وأخذت الفرقة على عاتقها لواء التعريف بحضارة سكان الصحراء الرحّل، وهم يؤدون أغنياتُهم باللغتيْن الأمازيغية والجزائرية المحكية، فتتحدّث عنهم، ويستوحون أفكارها من بيئة الطوارق، داعين إلى حب الآخر وتعزيز القيم الإنسانية التي يعرّفون بها. فرقة تيكوباوين قدمت في الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أغاني تعكس الحب والجمال والأخوة والعيش السلمي والهوية فرقة تيكوباوين قدمت في الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أغاني تعكس الحب والجمال والأخوة والعيش السلمي والهوية يذكر أن موسيقى البلوز الصحراوي أو موسيقى الطوارق عامة تتخذ شكلها منذ عقود كتعبير عن ثقافة الطوارق الرحل، وتم إطلاق هذا النوع لأول مرة من قبل علي فاركا توريه لينتشر خارج أفريقيا بفضله ولاحقًا تيناريوين. وترتكز هذه الموسيقى على الشعر الارتجالي المصاحب بالموسيقى التقليدية المعتمدة على الآلات الوترية (كمبري) وآلات النفخ الخشبية (مثل الناي) مما يدل على تأثرها بالموسيقى الأفريقية بسبب الهجرة البشرية الآتية من أفريقيا السوداء. وتوصف كلمات الأغاني بأنها متجذرة في شعر الطوارق التقليدي، مع تركيزه على موضوعات تشمل التمرد والحرب والجمال والحفاظ على التقاليد. ويمزج الأسلوب الحديث منها بين موسيقى البلوز الكهربائية وأصوات شرق أوسطية وأفريقية. وفي السنوات الأخيرة قام بعض الفنانين بمواكبة التقدم التكنولوجي وتكييف الصوت وتطوير موروثهم الموسيقي لتقديم المزيد من الآلات الصخرية الغربية النموذجية، مثل استبدال آلات الإيقاع التقليدية بأطقم الطبول، من أجل أن يحقق هذا النوع الموسيقي انتشارا أوسع. ولا توجد أرقام دقيقة حول نسبة الأمازيغ في أفريقيا، وفي الجزائر تقول بعض المصادر إن عددهم 6 ملايين، فيما تقول مصادر أخرى إن الأمازيغ في الجزائر يشكلون 27 في المئة من عدد السكان وإن عددهم 8 ملايين، وتذهب مصادر أخرى إلى القول إنهم يشكلون 40 في المئة من الجزائريين. ويتمركز الأمازيغ بشكل أساسي في منطقة القبائل الكبرى الممتدة على مناطق البويرة وتيزي وزو وبجاية، وفي سطيف وجيجل. ويسكن عدد منهم في منطقة تيبازة، غرب العاصمة الجزائرية.
مشاركة :