قصد أنور الهداجي حمام الملك الظاهر المكتظ برواده في دمشق القديمة، للاستحمام للمرة الأولى منذ أسابيع جراء الانقطاع المتواصل للكهرباء والمياه عن منزله على غرار معظم سكان العاصمة السورية. يقول “نعتمد على الكهرباء بشكل أساسي لتسخين المياه، لكن الكهرباء مقطوعة غالبية الوقت”. وباتت الحمامات الشعبية مقصدا للمئات من الدمشقيين الذين يتوافدون إليها يوميا، بعدما بات الانقطاع شبه الدائم للكهرباء ونقص المحروقات يحولان دون تسخين ما يكفي من مياه لعائلات في المنازل. وشكلت أزمة انقطاع الكهرباء باب رزق إضافي للحمامات الشعبية في أغلب المدن السورية ومنها حمام الملك الظاهر وحمّام نورالدين في البزورية، وحمّام الورد في سوق ساروجة، وحمّام الشيخ رسلان في باب توما. وتعتمد الحمامات إجمالا على تسخين المياه في جرن ضخم عبر إشعال الحطب والمازوت، وهو ما يوفر الدفء والبخار داخلها على مدار الساعة. وبعدما شكل ارتياد الحمامات الشعبية منذ المئات من السنين عادة شعبية في دمشق، وكان يعد ملتقى اجتماعيا لاسيما في الأفراح، بات اليوم ضرورة للآلاف من السكان الذين يشكون من انقطاع الكهرباء وغلاء المازوت وقلة المياه في بيوتهم. يقول وائل عيسى (34 سنة) وهو يحتسي كوبا من الشاي في القاعة الخارجية للحمام بعدما أنهى حمامه “استحممت آخر مرة منذ أسبوعين في المنزل لأن الأولوية للأولاد. وإذا تبقى بعض من المياه الساخنة، يكون حمامي سريعا ولا يرضيني”. ولم يعد عيسى قادرا على توفير مستلزمات تسخين المياه في منزله، فـ”الكهرباء مقطوعة معظم الوقت، وسعر الغاز والحطب مرتفع عدا عن الشح في المحروقات”. السوريون يفتقدون في منازلهم الدفء والماء والكهرباء، فحين تأتي الكهرباء تغيب المياه، والعكس بالعكس ويضيف قائلا “في الماضي كان الهدف من زيارة الحمام التسلية، أما اليوم فبات ضرورة لمرة أو مرتين في الشهر على الأقل”. ويهزأ من الوضع الحالي وانقطاع الكهرباء وغلاء المازوت وحتى انقطاع الماء، قائلا “لم يعد أمامنا سوى التفكير بخطة طوارئ في حال فقدنا الهواء في المدينة!”. وعلى غرار كل الحمامات الشعبية في دمشق، ينقسم حمام الملك الظاهر إلى ثلاثة أقسام، قسم خارجي يجلس فيه الزبائن بعد إنهاء الحمام لتناول الطعام والحلويات والشاي، وقسم في الوسط مخصص لخدمات التدليك والتنظيف. أما القسم الداخلي فهو مقسم إلى غرف صغيرة، في كل منها أجران حجرية تصلها المياه الساخنة، إلى جانبها غرفة تبعث بخارا كثيفا يملأ كل المقصورات التي تعلوها قبب زجاجية يخرقها ضوء الشمس في ساعات النهار. ويستلقي بعض الزبائن على حجر كبير يتوسط الحمام، فيما ينقسم الآخرون إلى مجموعات تجلس كل منها قرب جرن مملوء بالمياه والصابون، ويتشارك كل شخصين جرنا واحدا. ويعلو الضجيج داخل الحمام كلما ازداد عدد الزوار جراء القباقيب الخشبية التي تصدر صوتا مرتفعا في كل مرة ترتطم فيها بأرضية الحمام الرخامية. ويقول صافي الحلو (53 عاما) وهو أحد الزبائن الدائمين للحمام الشعبي بسبب أزمة الكهرباء “أقصد الحمام مرة واحدة شهريا على الأقل لأنظف نفسي جيدا وأستريح”، مضيفا أنه يتدبر أموره باقي الأيام بالمياه الفاترة أو الباردة في منزله والتي لا حل أمامه سوى تسخينها على ما يتوفر له من حطب جراء النقص في المازوت. ويتوزع أكثر من عشرين شخصا على الكراسي الجانبية في القاعة الخارجية حيث يقوم عمال الحمام بتبديل إبريق الشاي الكبير إثر خروج دفعة جديدة من الزبائن من المقصورة الداخلية. وفي حين ينهمك العمال بغسيل المناشف وتجفيفها، يشرف صاحب الحمام بسام كبب على سير العمل ويرد على هاتفه الذي يرن باستمرار. ويقول كبب “تضاعف عدد الزبائن تقريبا، وبات سبب المجيء إلى الحمام مختلفا هذه الأيام، إذ بات ضرورة بعدما كان رفاهية”. ويضيف “نحاول قدر الإمكان ألا نعيد أحدا من باب الحمام دون أن يتمكن من الدخول، ونطلب من الزبائن ألا يتباطأوا في الاستحمام كي نلبي حاجة أكبر عدد ممكن من الزبائن”. ويتابع “أتنقل بين الزبائن، وأسمع أحاديثهم التي تدور كلها حول موضوع واحد، وهو الكهرباء والمازوت والماء، ومتى ستعود إلى سابق عهدها”. ويرتدي عبدالله (46 عاما) ثيابه، بعدما أنهى حمامه، ويستعد لتناول وجبة المجدرة الشعبية، وهو الطبق الذي اقترن بالحمام في مخيلته. ويروي معاناته جراء انقطاع الخدمات الأساسية، قائلا “أفتقد في منزلي الماء والدفء والكهرباء. حين تأتي الكهرباء لا تأتي المياه، وحين تأتي المياه، لا تكون الكهرباء، لذا اضطررت للمجيء إلى الحمام حيث وجدت الماء والكهرباء والدفء في مكان واحد”. وتقول فيحاء إنها تزور حمّام أمونة مرتين في الأسبوع مع زيادة ساعات تقنين الكهرباء وقلة توافر المياه في دمشق، وتضيف “حمّام السوق هو الحل الوحيد حيث تأتي الكهرباء لساعتين والتقنين لمدة أربع ساعات وبهذا الوقت القصير لا يمكن للمياه أن تسخن على الكهرباء، لهذا السبب أزور حمّام السوق وأستمتع بالاستحمام بالماء الساخن وبانتشار البخار في مختلف أروقة الحمّام”. ويعتبر حمام أمونة من أقدم الحمامات في دمشق حيث يعود تاريخ إنشائه تقريبا إلى نحو ثمانمئة عام، تقول مديرته أميمة عباد إنه قديما لم تكن هناك حمامات متوفرة في المنازل وكان الناس يذهبون إلى حمام السوق، وكانت زيارة الحمام تأخذ منحيين الأول يكمن في الاستحمام والثاني هو حب الاجتماع حيث كانت النسوة تصطحب معها وجبات الغداء الشهية لأكلها بعد الاستحمام حيث تعتبر زيارة الحمام لديهن أشبه بنزهة لأنها أصبحت متنفسا لكثير من نساء العائلات الدمشقية. وتقول فاطمة إنها لم تر حلا مع الانقطاع المتواصل للكهرباء إلا الذهاب إلى حمّام السوق والاستمتاع بحمّام دافئ تتخلله الكثير من الرفاهية والتسلية مع صديقاتها، لاسيما أن تكلفته المنخفضة تشجّع على زيارته.
مشاركة :