الحمامات الدمشقية من رفاهية الى قبلة للهاربين من شح المياه

  • 1/9/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

دمشق - يقصد انور العدس حمام الملك الظاهر المكتظ برواده في دمشق القديمة، للاستحمام للمرة الاولى منذ نحو ثلاثة اسابيع جراء انقطاع المياه عن منزله على غرار معظم سكان العاصمة السورية. وبات هذا الحمام الذي يعود تاريخ بنائه إلى العام 985 ميلادي مقصدا للمئات من الدمشقيين الذين يتوافدون اليه يوميا، مع استمرار ازمة انقطاع المياه بسبب معارك تشهدها منطقة وادي بردى، خزان مياه دمشق. ويقول العدس (34 عاما) "لم أستحم منذ انقطاع المياه عن دمشق. ومنذ ذلك الوقت، صارت أولوية المياه المتبقية في المنزل للغسيل والجلي والشرب، أما الاستحمام فأصبح ثانويا، لا سيما أننا في فصل الشتاء". وبدأ الجيش السوري في 20 كانون الاول/ديسمبر هجوما للسيطرة على منطقة وادي بردى التي تمد سكان دمشق بالمياه. ويخوض منذ ذلك الحين معارك عنيفة ضد الفصائل المقاتلة. وبعد يومين من اندلاع المواجهات، انقطعت المياه بالكامل عن دمشق. وبحسب الامم المتحدة، يعاني 5,5 ملايين شخص في دمشق من الحرمان من المياه او شحها جراء "المعارك او اعمال التخريب او الاثنين معا" في وادي بردى منذ 22 ديسمبر/كانون الاول. وشكلت أزمة انقطاع المياه باب رزق اضافي لحمام الملك الظاهر الذي يعد واحدا من الحمامات التاريخية في دمشق، ويعتمد على بئره الخاص، ما يجعله بمنأى عن الازمة الراهنة. وبعدما شكل ارتياد الحمامات الشعبية منذ مئات السنين عادة شعبية في دمشق، وكان يعد ملتقى اجتماعيا لا سيما في الأفراح، بات اليوم ضرورة لآلاف السكان الذي يشكون من قلة المياه في بيوتهم. اقبال كثيف ويروي الحلاق حبيب الشيخ عيسى (32 سنة) وهو يحتسي كوباً من الشاي في القاعة الخارجية للحمام بعدما أنهى حمامه، "لم آت إلى حمام السوق منذ 12 عاما" مضيفاً "اخر مرة كانت يوم زفافي". ويهزأ من الوضع الحالي قائلا "لم يخطر ببالي أن أضع خطة طوارئ للمياه، كما فعلت للكهرباء والمازوت. لم يعد أمامنا سوى التفكير بخطة طوارئ في حال فقدنا الهواء في المدينة". وعلى غرار كل الحمامات الشعبية في دمشق، ينقسم حمام الملك الظاهر إلى ثلاثة أقسام، قسم خارجي يجلس فيه الزبائن بعد انهاء الحمام لتناول الطعام والحلويات والشاي، وقسم في الوسط مخصص لخدمات التدليك والتنظيف. اما القسم الداخلي فهو مقسم إلى غرف صغيرة، في كل منها أجران حجرية تصلها المياه الساخنة إلى جانبها غرفة تبعث بخارا كثيفا يملأ كل المقصورات التي تعلوها قبب زجاجية يخرقها ضوء الشمس في ساعات النهار. ويستلقي بعض الزبائن على حجر كبير يتوسط الحمام، فيما ينقسم الاخرون الى مجموعات تجلس كل منها قرب جرن مملوء بالمياه والصابون، ويتشارك كل شخصين جرنا واحدا. يعلو الضجيج داخل الحمام كلما ازداد عدد الزوار جراء القباقيب الخشبية التي تصدر صوتا مرتفعا في كل مرة ترتطم فيها بارضية الحمام الرخامية. ويتوزع أكثر من عشرين شخصا على الكراسي الجانبية في القاعة الخارجية حيث يقوم عمال الحمام بتبديل ابريق الشاي الكبير للمرة الثالثة خلال نصف ساعة إثر خروج دفعة جديدة من الزبائن من المقصورة الداخلية. وفي حين ينهمك العمال بغسيل المناشف وتجفيفها، يشرف صاحب الحمام بسام كبب على سير العمل ويرد على هاتفه الذي يرن باستمرار. ويقول كبب "تضاعف عدد الزبائن تقريبا، وبات سبب المجيء إلى الحمام مختلفا هذه الأيام، اذ بات ضرورة بعدما كان رفاهية". ويضيف "نحاول قدر الإمكان ألا نعيد أحدا من باب الحمام دون أن يتمكن من الدخول، ونطلب من الزبائن ألا يتباطأوا في الاستحمام كي نلبي حاجة أكبر عدد ممكن" من الزبائن. بانتظار عودة المياه خلال تنقله بين أقسام الحمام، يدون كبب وهو يتلقى الاتصالات الهاتفية واحدا تلو الاخر، حجوزات اليوم المقبل، ويعتذر من متصلين آخرين لعدم القدرة على استقبالهم في اليوم نفسه. ويوضح "اضطررت لإلغاء حجز كامل للحمام من قبل بعض التجار، ومددنا فترة الدوام إلى ما بعد منتصف الليل، وأحضرت عددا إضافيا من الصابون والعبوات لنلبي حاجة الأعداد الكبيرة". ورغم الاقبال الشديد، لم يرفع كبب الأسعار وابقى تعرفة الدخول على حالها، اي 1200 ليرة سورية (حوالى 2,40 دولارا)، وهي تزداد قليلا مع التنظيف والتدليك. ويقول كبب "أتنقل بين الزبائن، وأسمع أحاديثهم التي تدور كلها حول موضوع واحد، وهو كيفية تأمين المياه، ومتى ستعود إلى سابق عهدها". يرتدي عبدالله العبدالله (46 عاما) قميصه الأزرق، بعدما أنهى حمامه أيضا، ويستعد لتناول وجبة المجدرة الشعبية، وهو الطبق الذي اقترن بالحمام في مخيلته. ويروي معاناته جراء انقطاع الخدمات الاساسية. ويقول "افتقد في منزلي الماء والدفء والكهرباء. حين تأتي الكهرباء لا تأتي المياه، وحين تأتي المياه، لا تكون الكهرباء، لذا اضطررت للمجيء إلى الحمام حيث وجدت الماء والكهرباء والدفء في مكان واحد". رغم سواد حاجبيه، يغزو الشيب راس العبدالله كاملا، بعد نحو ست سنوات من الحرب التي ادت الى مقتل أكثر من 310 آلاف شخص واحدثت دمارا هائلا في البنى التحتية، وتسببت بنزوح أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها. ويقول العبدالله وهو يعمل في مجال الكهرباء "شاب نصف شعري تدريجيا في السنة الأولى من الحرب. وشاب النصف الآخر خلال السنوات التالية". ويضيف "عانيت مصائب كثيرة، وقاومت فقدان الكثير من أساسيات الحياة، لكنني وعائلتي لا نقوى اليوم على فقد المياه".

مشاركة :