دخلت خارطة الطريق للحل السياسي في ليبيا مرحلة جديدة من الغموض في ظل غياب أي مؤشرات عن إمكانية تحديد موعد جديد لتنظيم الانتخابات بشقيها الرئاسي والبرلماني بعد تأجيل استحقاق الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي إلى موعد غير مسمّى، بينما تبدو في صدارة المشهد ملامح رئيس المفوضية الوطنية العليا المستقلة للانتخابات عماد السايح وهي مثقلة بشحوب الأسى والحيرة، وكأنها تعكس خيبة المسعى أمام عراقيل أفلح واضعوها في تحقيق هدفهم بالعبث بإرادة الليبيين والدفع بالاستحقاقات المستوجبة إلى المجهول. أمام جلسة عامة لمجلس النواب بمقر انعقاده بدينة طبرق أكد السايح أن المفوضية لاحظت وجود حالات عدم صحة الشهادة العلمية والتزكيات للمترشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد، وتابع أنها تعرضت إلى تهديدات إذا ما نشرت القائمة النهائية لمترشحي الرئاسة، مشيرا إلى أن أحكام القضاء خلال فترة الطعون هي التي دفعت المفوضية إلى إعلان "القوة القاهرة" التي أدت إلى تأجيل الانتخابات، ولا يمكن لها تجاوزها. لقد واجه السايح ضغوطا من مختلف الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المشهد الليبي، وكان عليه أن يتعامل بالكثير من الحساسية مع طبيعة التوازنات القائمة، لاسيما في طرابلس ومنطقة غرب البلاد التي وإلى جانب خضوعها لسيطرة الميليشيات الجهوية والمناطقية والأيديولوجية ولتأثيرات قوى الإسلام السياسي، تواجه تحديا آخر وهو تنكر رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة لتعهده أمام ملتقى الحوار السياسي بعدم الترشح للانتخابات، واتجاهه إلى خوض غمار المنافسة على منصب أول رئيس لليبيا منذ استقلالها قبل 70 عاما، فضلاً عن حديثه في اجتماع مغلق وفق ما نقلته عنه تقارير مخابراتية، عن اتفاق بينه وبين السايح حول تلك الخطوة. فوضى المترشحين الدعم الواضح من المجتمع الدولي ومن البعثة الأممية للسايح عرضه لانتقادات من الداخل، حتى تم اتهامه بالتبعية الدعم الواضح من المجتمع الدولي ومن البعثة الأممية للسايح عرضه لانتقادات من الداخل، حتى تم اتهامه بالتبعية قاد السايح مرحلة الاستعدادات اللوجستية لتنظيم الانتخابات التي واجهت الكثير من العراقيل ولاسيما داخل ملتقى الحوار السياسي الذي عجز بسبب التأثيرات السياسية وتدخل لوبيات الفساد عن إيجاد قاعدة دستورية، ما أدى بالبرلمان إلى إصدار قانونين الأول لانتخاب الرئيس والثاني لانتخاب البرلمان كحل أخير تحت غطاء الأمم المتحدة كان الهدف منه تلافي حالة الفشل السياسي والتأكيد على حتمية إجراء الانتخابات في موعدها المحدد للرابع والعشرين من ديسمبر الماضي احتراما لقدسية تزامنه مع الذكرى السبعين لقيام الدولة الليبية. حظي الرجل بدعم واضح من المجتمع الدولي ومن البعثة الأممية، وهو ما عرضه بالمقابل إلى انتقادات من الداخل، ففي المشهد الليبي يبدو من الصعب العثور على شخصية جامعة يمكن أن تنال رضاء جميع الفرقاء، حتى ولو كانت من التكنوقراط، ومن الشخصيات التي لم يعرف عنها أي انتماء سياسي أو أيديولوجي، ولذلك تم اتهامه بالتبعية للجانب الفرنسي، وبالعمالة للولايات المتحدة، بينما يحاول البعض نعته بالتورط في ملفات فساد عندما كان يعمل في أجهزة رقابية في العهد السابق. السايح يؤكد أن المفوضية لاحظت وجود حالات غير قانونية للمترشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد، ويشكو من تعرض المفوضية لتهديدات إذا ما نشرت القائمة النهائية لمترشحي الرئاسة ويقف التيار الديني المتشدد في مقدمة المتحاملين على المفوضية ورئيسها، وفي مايو 2018 سقط العشرات من القتلى والجرحى في هجوم شنه مسلحون من تنظيم داعش الإرهابي من بينهم انتحاري على مقر المفوضية، كان الهدف من ذلك عرقلة أي استحقاق انتخابي منتظر، وهو ما استمر العمل من أجله من قبل جماعة الإخوان وتيار المفتي المعزول من قبل البرلمان الصادق الغرياني بالإضافة إلى مجلس الدولة. ويشير المراقبون إلى وجود صراع حاد بين أطراف النزاع الليبي انعكس سلبا على المفوضية التي يحاول كل طرف التأثير عليها بما يخدم مصالحه، مبرزين أن السايح حاول أن يبدي الحياد والاستقلالية والنزاهة في إدارة المفوضية، وهو ما جعل منه محل ثقة القوى الدولية ولاسيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الناشطة في مجال الانتخابات بالإضافة إلى بعثة الأمم المتحدة التي ساندته في التصدي لمحاولات استهدافه. لاحقت السايح خلال الفترة الماضية حملات تشويه متعمدة من مختلف الفرقاء السياسيين، وخاصة من تيار الإسلام السياسي وأنصار النظام السابق، وعرفت وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي محاولات للتشكيك في هويته وبالتالي في وطنيته الليبية، وبلغ الأمر حد اتهامه بتزوير وثائق رسمية للحصول على الجنسية الليبية، وذلك باعتماد الطاعنين في انتمائه على اسم والده الشاذلي وهو اسم غير متداول في ليبيا، ومعروف أكثر في الديار التونسية والجزائرية حيث يطلق تيمّنا بالقطب الصوفي الشهير أبي الحسن الشاذلي صاحب الطريق الشاذلية والذي حمل تلك الكنية نسبة إلى قرية شاذلة المتاخمة لمدينة تونس. وكما هو واضح ومعلوم، فإن قبيلة السائح واسعة الانتشار بأغلب الدول العربية، وفرعها في ليبيا عريق ويمتد إلى الشرفاء من آل البيت، ويسمى كذلك بالعلاونة وأغلب منتسبيه من سكان طرابلس في ناحية سيدي السايح وهي إحدى ضواحي مدينة طرابلس. ليبي أم تونسي؟ مناوئو السايح حاولوا ترويج مقولات تفيد بأنه تونسي الأصل والجنسية والميلاد رغم أن الرجل من أصول ليبية عريقة مناوئو السايح حاولوا ترويج مقولات تفيد بأنه تونسي الأصل والجنسية والميلاد رغم أن الرجل من أصول ليبية عريقة كانت أعداد كبيرة من أهالي إقليم طرابلس قد هاجرت إلى تونس في رحلات متعددة، ومنها بالخصوص ما كان في القرن الثامن عشر بسبب الحروب والصراعات الأهلية، أو في بدايات القرن العشرين نتيجة الاحتلال الإيطالي، كما كانت البلاد التونسية حاضنة للوافدين عليها من "الطرابلسية" وهو ما يجعل جزءا كبيرا من الشعب التونسي يتحدر من أصول ليبية، وهناك العشرات من القرى والأحياء التونسية تحمل أسماء ليبية، كما يذكر التونسيون شخصيات كبيرة من أصول طرابلسية أو ليبية أثرت تأثيرا بالغا في تاريخ بلادهم ومن بينهم الحبيب بورقيبة والباهي الأدغم وعلالة العويتي وعلي الزليطني وغيرهم، وبعد استقلال ليبيا عاد الكثير من أبنائها إليها سواء في خمسينات أو ستينات القرن الماضي، كما عاد من كانوا مهجرين إلى دول أخرى ومنها مصر وتشاد والنيجر والسودان والجزائر وحتى بلاد الشام شرقا ووسط أفريقيا جنوبا، ولكن الفئة الوحيدة التي أطلق عليها لقب “عائدون” هي تلك التي عادت من تونس والتي طالما تعرضت إلى ممارسات عنصرية لا تزال لها امتدادات اجتماعية إلى اليوم، وهو ما تم عكسه على حالة السايح، حيث حاول مناوئوه ترويج مقولات تفيد بأنه تونسي الأصل والجنسية والميلاد رغم أن الرجل من أصول ليبية عريقة غير قابلة للطعن في انتمائها. يقول السايح إنّ المفوضية تعرَّضت إلى حملة من التشويه لأنها اختارت طريق الديمقراطية، موجهًا حديثه إلى القائمين على تلك الحملات، قائلا "كان الأجدر بكم أن توجهوا حملاتكم وبياناتكم نحو محاربة الفساد الذي نخر هيكل البلاد، لا أن توجهوها إلى مؤسسة أجمع عليها الليبيون، وأوصلتكم إلى ما أنتم فيه"، ويتابع "لقد تعرضنا لحملة من التضليل والافتراء والتشويه من قبل حفنة من الحاقدين لا لشيء إلا لأننا اخترنا أن نصطف إلى جانب إرادة الشعب، اخترنا أن نصطف إلى جانب دولة المؤسسات والقانون، لا أن نصطف إلى أجندات مصلحية ونفعية ظاهرها التوافق وباطنها الفتنة والاستبداد والفساد". المراقبون يشيرون إلى وجود صراع حاد بين أطراف النزاع الليبي انعكس سلبا على المفوضية التي يحاول كل طرف التأثير عليها بما يخدم مصالحه وتعتبر أوساط ليبية مطلعة أن الحملات الممنهجة ضد السايح، والتي تدار من غرف متخصصة في داخل ليبيا وخارجها، تهدف بالأساس إلى التشكيك في أية نتائج قد تفرزها الانتخابات ولا تكون في مصلحة بعض القوى السياسية والحزبية والعقائدية، ومنها تيار الإسلام السياسي الذي مارس ضغوطا على كل الأصعدة وفي جميع المستويات للدفع نحو تأجيل أو إلغاء الانتخابات الرئاسية خشية فوز إحدى الشخصيات الجدلية المناقضة في توجهاتها للإخوان ومن بينها قائد الجيش خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي ممثل أنصار النظام السابق. وكانت المفاوضات بين وفدي مجلسي النواب والدولة، والتي دارت في منتجع أبوزنيقة المغربي وتناولت في محطات عدة ملف التعيينات على رأس المؤسسات السيادية، عرفت جملة من الخلافات حول تعيين رئيس جديد لمفوضية الانتخابات بدلا من السايح، وهو ما ألحّ عليه وفد مجلس الدولة الذي يتهم السايح بالانحياز ضد التيار الديني ولفائدة التيار المدني الديمقراطي والليبرالي والعلماني، ولكن المجتمع الدولي ضغط من أجل عدم السماح بذلك خشية الدخول بالبلاد في سياق أزمة جديدة ولاسيما أن مجلس النواب اشترط لكي يدعم الإطاحة بالسايح أن يدعم مجلس الدولة قراره بإطاحة الصديق الصور من منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي. المفوضية العليا للانتخابات بدورها تؤكد الالتزام بالمبادئ والمعايير المتعارف عليها دوليًا في تنفيذ العمليات الانتخابية، وتعرب باستمرار عن تمسكها بعلاقاتها مع الجميع وفق القواعد الدستورية والقانونية والمؤسسية النافذة لبناء دولة القانون والمؤسسات. باعتبارها مؤسسة مستقلة ودائمة تتمتع المفوضية بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة، تم إحداثها بمقتضى القانون الصادر عن المؤتمر الوطني العام بتاريخ الثامن والعشرين من مارس 2013، وذلك خلفا للمفوضية المؤقتة التي تم إحداثها بمقتضى القانون رقم 3 لسنة 2012 والصادر عن المجلس الانتقالي المؤقت بتاريخ الثامن عشر من يناير 2012 والتي تولت إدارة والإشراف على إدارة أول استحقاق انتخابي بعد الإطاحة بالنظام السابق، وهي انتخابات المؤتمر الوطني العام في يوليو 2012. المفوضية المعضلة التيار الديني المتشدد يقف في مقدمة المتحاملين على مفوضية الانتخابات ورئيسها التيار الديني المتشدد يقف في مقدمة المتحاملين على مفوضية الانتخابات ورئيسها يتكون مجلس المفوضية من رئيس وستة أعضاء متفرغين، يتم اختيارهم وتكليفهم بقرار من المؤتمر الوطني العام على أن يكونوا من ذوي السمعة الطيبة ويتسموا بالحيادية وعدم الانتماء إلى أي كيان أو حزب سياسي وأن يخضعوا للمعايير المقررة في القانون رقم 26 لسنة 2012 الصادر في شأن الهيئة العليا لتطبيق معايير النزاهة والوطنية وتعديلاته. وتهتم المفوضية برسم السياسات ووضع استراتيجيات عمل المفوضية ومتابعة تنفيذها، وتقييم أدائها، ووضع الأسس والمعايير اللازمة لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، وتحديد الأطر الزمنية لتنفيذ مراحل العملية الانتخابية والإشراف على إدارتها، واعتماد آلية تنفيذ الخطط والبرامج التي تسهم في التوعية بالعملية الانتخابية وتحفّز المواطنين على المشاركة، وتحديد فترة الحملات الانتخابية والسقف المالي ووضع الضوابط اللازمة لفحص ومراجعة تمويلها. أوساط ليبية مطلعة تعتبر أن الحملات الممنهجة ضد السايح تدار من غرف متخصصة في داخل ليبيا وخارجها وتهدف إلى التشكيك في أية نتائج قد تفرزها الانتخابات ولا تكون في مصلحة بعض القوى السياسية وقد أشرفت المفوضية على تنظيم وإدارة انتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور وانتخابات مجلس النواب في العام 2014، وهي التي انقلب على نتائجها تيار الإسلام السياسي مستندا إلى سلاح الميليشيات في شن حرب أهلية عرفت اصطلاحا بمعركة فجر ليبيا. وقد عين السايح عضوا مفوضا في هيئة المفوضية عند بدء تأسيسها من قبل المجلس الوطني العام، وقدّم الدعم لرئيس المفوضية آنذاك نوري العبار لتنفيذ أول انتخابات في ليبيا بصفته نائبا للرئيس، إلا أن العبار ما لبث أن استقال من منصبه، وكلف نائبه السايح برئاسة المفوضية. وبسبب ذلك ترى أوساط ليبية عدة ومنها تيار الإسلام السياسي أن السايح ليس رئيسا شرعيا لمجلس إدارة المفوضية، وإنما هو مكلف بالتسيير منذ ذلك الحين، بينما منصب الرئيس الشرعي المعتمد لا يزال شاغرا منذ استقالة العبار، وهو ما شدد عليه رئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري في مناسبات عدة لتبرير محاولته التشكيك في حياد ونزاهة المفوضية ولاسيما في ظل الخلاف حول ملف الاستفتاء على مسودة الدستور. ويمكن الوقوف عند الوضعية الاستثنائية للسايح وهو يبدو وكأنه سيزيف الليبي الذي كلما وصل بأمل تنظيم الانتخابات إلى أعلى سلّم الاستعدادات، ارتدّ عليه وتدحرج به إلى أسفل الدرك السياسي.
مشاركة :