مستقبل جمهورية مقتدى

  • 1/17/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مستقبل جمهورية مقتدى يكفي التمعن في إعادة انتخاب الحلبوسي رئيسا للبرلمان بأصوات التيار الصدري والكردي البارزاني، رغم علم الصدريين أكثر من غيرهم، بأن آخر ما يمكن تصديقه هو صلاحية الحلبوسي لبناء دولة المواطنة. تفاؤل مبالغ فيه كل الذي حدث في العراق منذ إعلان نتائج الانتخابات وحتى الجلسة الأولى للبرلمان أن المحاصصة القديمة جددت جلدها الخارجي فقط، أما ما تحته فهو وحده الباقي كما صنعه الحاكم الأميركي بول بريمر وإيران والمرجعية في أول أيام الغزو الأميركي التعيس. وللمواطن العراقي الحصيف صاحب القلب المحترق على وطنه وأهله كاملُ الحق في شكوكه بوعود مقتدى الصدر الكبيرة اللامعة، لا لأنه تعوّد على تقلباته ونكثه بالوعود، بل لأن الأدوات التي سيحقق بها جمهوريته القائمة على قاعدة الأغلبية الوطنية هي نفسها أدوات العملية السياسية الرديئة الفاشلة بالتمام والكمال. فقد بقيت الرئاسات الثلاث والمناصب العليا الأخرى سلعا مبتذلة موزعة حسب الحصص الطائفية والعنصرية التي لن يستطيع لا مقتدى ولا الأكبر منه تجاوزَها وإقامة نظام سياسي جديد نزيه وطني حقيقي بدون أن تعينه عليها انتفاضة جديدة أقوى وأعمق وأكثر ثورية من سابقاتها الكثيرات. ◄ البارزانيون برروا عدم رغبتهم في التجديد له بكونه “لم يخدم مصالح الإقليم”، وهو ما يعني مصالح الأسرة البارزانية دون غيرها فلكي يتمكن التيار الصدري من تشكيل حكومته النظيفة التي وعد بها العراقيين، لن يتم ذلك إلا بالتحالف من الكتل السنية الطفيلية التي لم تَقُم ولم تصعد على سلم المناصب العليا إلا بالمزيد من الخنوع للقبضة الإيرانية، وثم بإتقان المتاجرة بالشعارات، وبالالتفاف على القضاء وسلطة القانون، والقدرة على تكوين الإمبراطوريات المالية في المناطق السنية لتشتري بها الزعامة، وتسطو على حق تمثيل الطائفة السنية في ظل أوضاع قاهرة تمنع الملايين من أبناء المحافظات السنية من الاعتراض بوجود سلاح الحشد الشعبي المهيمن على الصغيرة والكبيرة في مدن تلك المحافظات وقراها، ونتيجة لحالة الفقر والبطالة التي تساعد الساسة السنة على شراء الزعامة ودخول العملية السياسية من أوسخ أبوابها. والشيء نفسه حاصل في المحيط الكردي المحتكر من قبل الحزبين الكرديين الكبيرين، الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني. وواقع الحال الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والصحي في مدن الإقليم يشهد بأن الانتهازية والفساد واحتكار القرار بقوة السلاح والمال هي العوامل التي مكنت وتمكن السياسيين الأكراد من البقاء على قمة السلطة دون تغيير. ومعروف تاريخ الصراع المتجذر المتأصل بين المواطنين في جمهورية مسعود البارزاني في أربيل وجمهورية أبناء مام جلال الطالباني في السليمانية الذي لا ينكر أحدٌ أن أكثر أسبابه مصلحية شخصية وحزبية غير وطنية ولا ديمقراطية، وليس فيها للمواطن الكردي نصيب. ومن راقب حركة التحالفات الصدرية مع جمهورية مسعود البارزاني وجمهورية محمد الحلبوسي وخميس الخنجر ومعهما أحمد الجبوري (أبومازن) ومشعان الجبوري ومثنى السامرائي يدرك أن مقتدى أمام خيارين لا ثالث لهما البتة، وهما إما أن ينسى وعوده بسحب سلاح الميليشيات وتقنين الحشد الشعبي ومحاسبة الفاسدين ورفض الوصاية الخارجية، أو أن يقبل بأن تكون رقبته رهينة لدى مسعود البارزاني ومحمد الحلبوسي فقط لا غير. ويكفي التمعن في إعادة انتخاب الحلبوسي رئيسا للبرلمان بأصوات التيار الصدري والكردي البارزاني، رغم علم الصدريين أكثر من غيرهم، بأن آخر ما يمكن تصديقه هو صلاحية الحلبوسي لبناء دولة المواطنة والنزاهة والعدل والاستقلال التي يتمسك بها التيار الصدري ويرتدي لها نوابه الأكفان والهتاف بحكم القائد المفدى مقتدى. ثم حين ننتقل إلى ملف رئاسة الجمهورية سنجد أن اللعبة ذاتها تتكرر، وبأسوأ أساليبها. فمسعود البارزاني حريص بقوة وتصميم على فرض سلطته المطلقة على التيار الصدري وعلى التحالفين السنيين، وبالتالي على حكم الدولة العراقية القادمة بيد من حديد. وتأتي رئاسة جمهورية العراق في أعلى سلم أولويات البارزاني. ولكن لأنه لا يملك في أسرته أو في حزبه شخصية مرموقة يمكن أن تكون مقبولة من الشعب العراقي على كرسي الرئاسة فقد اضطر للمناورة وممارسة أقسى الضغوط على غريمه الاتحاد الوطني الكردستاني من أجل عدم التجديد للرئيس الدكتور برهم صالح، وترشيح شخصية ضعيفة تسلم أمرها كله للبارزاني وتعمل بتوجيهاته وتعليماته، وفق مصالح أسرته وحزبه، وبالدكتاتورية التي تسكنه من زمن بعيد. وتعود أهم أسباب الكره العميق الذي يكنه البارزاني لبرهم صالح، إضافة إلى الفارق الكبير في التكوين الثقافي والعلمي والأخلاقي والوطني العراقي لكليهما، إلى الأعوام الأولى من عمر العملية السياسية عندما تولى برهم صالح منصب وزير التخطيط، ثم نائب رئيس الوزراء سنة 2004 المكلف بملف المهمة الاقتصادية، وحتى بعد ذلك، عندما تولى رئاسة وزراء الإقليم. فقد منحته قوة شخصيته ووطنيته العراقية وحرصه على عدم الإضرار بمستقبله السياسي القدرة على التمرد على وصاية البارزاني وأفراد أسرته في ملفات عديدة. ◄ لكي يتمكن التيار الصدري من تشكيل حكومته النظيفة التي وعد بها العراقيين، لن يتم ذلك إلا بالتحالف من الكتل السنية الطفيلية وقد برر البارزانيون عدم رغبتهم في التجديد له بكونه “لم يخدم مصالح الإقليم”، وهو ما يعني مصالح الأسرة البارزانية دون غيرها. ورغبة في إحراج الاتحاد الوطني الكردستاني المتمسك بترشيح برهم صالح للرئاسة فقد طرح الحزب الكردستاني هوشيار زيباري، هادفا إلى منع التيار الصدري من تأييد التجديد للرئيس برهم صالح، وهو لن يقبل بالتصويت لهوشيار زيباري المطرود من وظيفة وزير المالية لفساده، وليجبر الاتحاد على ترشيح شخصية أخرى أضعف وأقل كرامة وأكثر طواعية. ومن نعم المحاصصة أن يتولى واحد كمشعان الجبوري مهمة الكلام بالنيابة عن المكون السني، ليعلن أن تحالف السنة “سيصوت لمن يرشحه (الرئيس) مسعود البارزاني، حصرا، نقطة رأس السطر”. من هنا يمكن أن نفهم بعمق حقيقة دولة الأغلبية الوطنية التي يريدها مقتدى الصدر، والتي لا بد أن تكون في أفضل أحوالها “تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي”، مع الأسف الشديد. إبراهيم الزبيدي كاتب عراقي

مشاركة :