التمرّد على الأسرة والعادات يدفع بالآلاف من المصريين إلى الزواج من أجنبيات | أحمد حافظ

  • 1/17/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يؤكد مستشارو العلاقات الأسرية أن زيادة معدلات زواج الشباب المصري من أجنبيات، أو على الأقل التفكير جديا في الخطوة، يعكس حالة من التمرّد على الزواج التقليدي. ويفضل الشباب الزواج من أجنبيات هربا من المصاريف التي لا يقدرون عليها في حال تزوجوا من مصريات، إذ أن الأجنبيات لا يشترطن مهورا ومنازل غالية الثمن. عكست إحصائية أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر أخيرا ارتفاع معدلات زواج الشباب المصري من أجنبيات، بعد تسجيل قرابة 12 ألف زيجة العام الماضي وحده، مقارنة بتسعة عشر ألف زيجة في الفترة من 2013 إلى 2017، ما يكشف عن أسباب كثيرة خفية وراء عزوف هؤلاء عن الزواج بمصريات. يكفي استطلاع آراء العديد من الشباب في الشارع حول ميولهم إلى الزواج من مصرية أم أجنبية، فتأتي إجابات عدد كبير منهم منحازة للثانية، وتتنوع الأسباب من البحث عن فرص عمل بالخارج أو الحصول على جنسية الدولة المنتمية إليها الفتاة، أو الهروب من دوامة الغلاء في مصر أو شغفا في الارتباط بفتاة منفتحة ثقافيا. وفق دراسات أجريت على هذا النوع من الزواج في مصر، فإن الكثير من الشباب يميلون للارتباط بأجنبيات هربا من الضغوط ونفقات الزواج، من مهور وتوفير منزل بمواصفات بعينها، إضافة إلى تكاليف العُرس واشتراط الوظيفة، والضغوط الاجتماعية والأسرية على الشباب ورغبتهم في التغيير والهرب من العادات والتقاليد. وتمثل حالات الزواج من أجنبيات التي يتم نشرها على منصات التواصل الاجتماعي لشباب ارتبطوا بفتيات من جنسيات أوروبية أو عربية دافعا قويا أمام الآلاف من غيرهم لتكرار التجربة، فمن تزوجوا من أجنبيات تحدث بعضهم عن مزايا الخطوة، وكيف يعيشون سعداء ويقيمون في بلد منفتح برفقة فتاة واعية ليست لها مطالب تعجيزية. هالة حماد: الشاب ينظر للأجنبية على أنها لا تهتم بالنواحي المادية وصار هؤلاء قدوة لغيرهم من الشباب الباحث عن تغيير أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية في مصر، ويفكر في الهرب إلى الخارج، بغض النظر عن طبيعة الدولة التي يختارها، المهم أن يغادر وطنه أملا في حياة خالية من المنغصات والضغوط، ربما يقع في علاقة مع فتاة أجنبية تمنحه الجنسية وتمهد له إيجاد فرصة عمل جيدة. وبعيدا عن الإحصائية التي تشير إلى عدد المتزوجين فعليا من أجنبيات يكفي النظر إلى تفاعل الكثير من الشباب المصري مع إعلانات الشركات المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، وتدّعي توفير زوجة أجنبية بأقل التكاليف، مع فرصة السفر إلى الخارج، وتضع اشتراطات بسيطة، ليس من بينها توفير منزل مرموق ولا وظيفة راقية، بل الجدية والالتزام والأمانة. وأصبح الكثير من هؤلاء يتفاعلون مع إعلانات هذه الشركات ويسألون عن طريقة التقديم والأوراق المطلوبة والشروط، أيّ أنهم يبحثون عن خوض التجربة فعليا، بعيدا عن موافقة أو رفض الأسرة، لكنهم في النهاية يرون أن الأجنبية عصا سحرية تخرجهم من دوامة نفسية واقتصادية واجتماعية يعيشها البعض منهم. وتحول بعض الشباب ممن تزوجوا أجنبيات إلى نجوم على تطبيق مثل “تيك توك”، حيث يخرجون على جمهورهم برفقة زوجاتهم ليتحدثوا إليهم ومعهم عن مزايا التجربة، وحجم الاستقرار النفسي الذي يعيشونه، ويعدد كلاهما (الزوج والزوجة) الأسباب التي دفعته إلى ذلك، وتقييمه الشخصي للزيجة، ناصحا الشباب بتكرارها. قام الزوجان وليد عبده وكسوشا ناسيتا ببث أكثر من فيديو على حسابهما الرسمي لشرح كيفية الزواج من أجنبية، بعدما تلقيا أكثر من سؤال حول كيفية الارتباط الرسمي بزوجة لديها جنسية أوروبية، وقاما بعرض المزايا بعيدا عن الاستسلام للواقع في مصر، من حيث المغالاة في المهور والشروط المجحفة للأسر قبل الزواج وبعد الانفصال. وخاض الزوجان عبده وناسيتا التجربة نفسها، وكشف الرجل عندما كان يعدد أسباب ومزايا التجربة أنه لم يتم إجباره على شراء منزل بمئات الآلاف من الجنيهات، ولم يصرف آلافا أخرى على حفل الزفاف أو يشتري سفرة برقم خيالي، أو يشتري ذهبا بمبلغ ضخم لإرضاء خطيبته، بل كان الأمر علاقة عاطفية انتهت بالحب والزواج. وأضاف عبر فيديو بثه على صفحته “رغم كل هذه السهولة، تزوجت فتاة جامعية تعمل وتساعدني”، نافيا عن نفسه تهمة نشر المقطع لحث الشباب على الزواج بأجنبيات، لكنه وجه حديثه للآباء والأمهات في مصر الذين يفرضون شروطا قاسية، تدفع الشباب لاحقا إلى اختيار العزوبية طويلة المدى أو الزواج من أجنبية، أو إقامة علاقات غير شرعية لأنهم عاجزون عن الزواج وفق قدراتهم. • العقدة النفسية لدى المجتمع الذي يقدس العادات والتقاليد وتبعية المرأة للرجل، تعرقل زيادة معدلات الزواج من أجنبيات لوجود حالة من عدم الراحة للأجنبية كشف الشاب بشكل غير مباشر عن الدوافع الخفية التي صارت تجعل الكثير من الشباب يمتنعون عن الزواج من مصرية في ظل تمسك الأسر بالمغالاة في المهور وتكاليف الزواج والشروط المجحفة التي تشترطها عائلة الفتاة على الشاب مقابل أن تكون شريكته، مع أنها قد تخسر كل ذلك وأكثر إذا انتهت العلاقة بالطلاق. كل هذه الأسباب، دفعت محمد (س)، وهو شاب مصري يعمل صحافيا، أن يتزوج من فتاة أميركية تعرف عليها في إحدى الفعاليات الخاصة بطبيعة عمله، حيث كانت في مصر وأصبحا صديقين ثم حبيبين وأخيرا زوجين، بعدما وجد أن كل ما تريده أن تكون زوجته وتشاركه طموحه وأحلامه الشخصية والعائلية، فقررت الإقامة معه في مصر. قال الشاب لـ”العرب”، “إن غالبية الأجنبيات لسن ماديات ويحترمن الخصوصية والحرية الشخصية ومريحات نفسيا وواعيات للغاية، ولا يجبرن الشريك على توفير ما يفوق قدراته، بل إنهن بسيطات وصريحات وطموحات وشغوفات للاستقرار، وبإمكانهن تجديد العلاقة بكل أريحية، لذلك لا يشعر بالملل أو الابتزاز العاطفي”. كانت أزمة الشاب في بادئ الأمر، مع والديه اللذين حاولا إقناعه بالعدول عن الخطوة، لاختلاف العادات والتقاليد، فالفتيات هناك متحررات، لكنه تمسك بموقفه، وتزوج الفتاة، ولا يزال يعاني من نظرة أبيه وأمه لها، بحكم حالة الشك الدائمة عند الكثير من الأسر المصرية للأجنبيات، إذ يأخذون عليهن الانفتاح الزائد عن الحدّ. يرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن زيادة معدلات زواج الشباب المصري، أو العربي عموما من أجنبيات، أو على الأقل التفكير جديا في الخطوة، يعكس حالة تمرّد صارت سائدة بين هذه الفئة على الزواج التقليدي الموجود في بلادهم للهروب من الالتزامات الأسرية المعقدة وتحميل الشباب مصاريف لا يقدرون عليها. ولفتت هالة حماد، المتخصصة في العلاقات الزوجية وتقويم السلوك بالقاهرة، وهي التي عاشت سنوات في بريطانيا، إلى أن الشاب ينظر للأجنبية على أنها لا تهتم بالنواحي المادية أو المظاهر عند الزواج، بل تبحث عن الاستقرار، ولأن هذه الشريحة صارت أكثر ميلا للتحرر من القيود والأعراف فكل شاب يبحث عن شريكة بها ذات الطباع. حالات الزواج من أجنبيات لشباب ارتبطوا بفتيات من جنسيات أوروبية أو عربية تمثل دافعا قويا أمام الآلاف من غيرهم لتكرار التجربة وأوضحت لـ”العرب” أن “تأسيس علاقة زوجية بين شريكين مختلفين في الطباع والفكر والثقافة والعادات مجازفة، فالعبرة ليست في الانبهار بالتغيير والبحث عن التحرر، لكن في كيفية تحقيق التوافق النفسي، بعيدا عن المصالح الذاتية، لأن الزواج القائم على الأهداف غير النبيلة لا يعمر طويلا وينتهي بالطلاق سريعا، مثل استغلال الفتاة وسيلة للحصول على الجنسية”. وتعرقل العقدة النفسية لدى المجتمع الذي يقدس العادات والتقاليد وتبعية المرأة للرجل، زيادة معدلات الزواج من أجنبيات لوجود حالة من عدم الراحة للأجنبية بدعوى أنها متحررة، والخطورة في هذه النوعية من الزيجات تتمثل في انعكاسها على الأطفال ونشأتهم في أسرة مختلفة اجتماعيا، بالتالي قد يكونون مشوهين للتناقض الثقافي بين الأب والأم. ويظل مقياس نجاح أو فشل العلاقة يعتمد في المقام الأول على اتصاف الطرفين بالمرونة وتقبل الآخر لاستمرارية العلاقة لصالح أولادهما في المقام الأول ليكونوا منفتحين لا أسرى لمجتمع تقليدي، أو ضحايا لأب وأم مختلفين.

مشاركة :