الشهيد عبدالعزيز النقبي رحل في مقتبل العمر ملبياً نداء الواجب

  • 11/19/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشَّهادَةُ سَبْعٌ سِوى القَتلِ في سبِيلِ الله، المَطعُونُ شَهيدٌ والمَبطُون شَهيدٌ، والغَرقُ شَهيدٌ، وصَاحبُ الهَدْم شَهيد، وصاحبُ ذاتِ الجَنْبِ شَهيد، وصَاحِبُ الحَرْق شَهيد، والمرأةُ تمُوتُ بجُمْع شَهيدة (رواه النسائي). والشهيد عبدالعزيز النقبي الذي ابتلعته أمواج البحر عام 2009، وهو في مهمة إنقاذ أحد الصيادين، أحد هؤلاء الشهداء حيث لم ترأف به الأعاصير، ولم ترحمه غضبة المياه الثائرة في يومه ذاك، إذ؛ وفي لحظة خاطفة، سلبه الموت حياته، وغاصت جثته لأعماق البحر الهادر حينذاك، ولم تجد لها فرق الإنقاذ موقعاً حتى اليوم، فيما سمت روحه إلى خالقها، ليكتب شهيداً مع الصديقين والأبرار. والشهيد الذي كان حينذاك في السابعة والعشرين من عمره، كان بطلاً في حياته مثلما كان في مماته، حيث لم يتراجع عن تلبية نداء الواجب حينما كُلف بالخروج في مهمة إنقاذ أحد الصيادين المعرضين للغرق، رغم سوء الأحوال الجوية حينها، فيما كان في حياته مسارعاً في الوقوف إلى جانب أشقائه وشقيقاته وأفراد عائلته بالكامل في شتى المواقف والظروف الحياتية، وكان باراً بوالديه إلى درجة مشهودة ومقدرة من جميع أسرته والمقربين لها، ولايزالون جميعاً يفتقدونه، ويسكنهم الأمل بالعثور على جثمانه رغم كل السنوات التي مرت. طيب الخلق رحيماً وعنه قال والده خميس علي راشد النقبي، موظف في دائرة الموانئ البحرية والجمارك، في خورفكان: ابني الشهيد كان يعمل في حرس الحدود، ويوم وفاته خرج مع إحدى دوريات الإنقاذ وعليها 4 زملاء له، لنجدة صياد تعطل قاربه في البحر، وكانت الأحوال الجوية شديدة السوء يومها، حيث كانت هناك عواصف، ورعد، وبرق، وهدير الأمواج كان متسارعاً، ومع ذلك فلم يفكر لحظة في التراجع أو الاعتذار عن المهمة، وكأن القدر كان ينتظره، ليسلبه الحياة ليذهب شهيداً إلى جنان المولى عز وجل. وحدث، ومن شدة العواصف، أن انقلب به وبزملائه قارب الإنقاذ الذي يستقلونه، وقذفته الأمواج بعيداً عنهم، فيما تشبثوا هم بحواف القارب، وظل وحده وسط المياه يصارع الموت، ويقاوم ارتفاع الأمواج، محاولاً السباحة، ومستنجداً، إلّا أن قدر الله كان قد نفذ، وغاصت جثته في الأعماق، وظللنا لمدة شهر كامل نجوب البحر أملاً في أن تطفو على السطح دونما فائدة تُرجى، وأيضاً بحثنا بين الصخور، وانتظرنا طويلاً بلا أمل، إلى أن يئسنا تماماً، واحتسبناه عند الله شهيداً. كان ابني متزوجاً، ولديه ثلاثة أبناء (بنتان وولد)، جميعهم كانوا أطفالاً حينذاك، واليوم شبوا على الطوق، ونحن نروي لهم دائماً مناقب والدهم الشهيد، الذي كان محبوباً من أفراد العائلة بالكامل، لأخلاقه الرفيعة، ووقوفه إلى جانب الجميع، ومساندته للكل، فيما كان كل شيء بالنسبة لنا، إذ لم يكن يفارقنا، فقد كان مقيماً معنا في بيت واحد، وقبل استشهاده بعامين، انتقل للسكن في شقة بالإيجار، ليترك الغرفة التي كان يقيم فيها معنا، لشقيقه ليتزوج فيها، وذلك من شفقته، ورأفته، وحنوه عليه. ولا يمكن أن أنسى اللين والطيب الذي كان نبراسه في تعامله معنا أنا وأمه، حيث لم يجنح يوماً لإغضابنا، ولم يرفض لنا مطلباً، واليوم لا أتوانى عن تكرار ذكر صفاته وطيبه لابنه سلطان الذي أقوم على تربيته، والذي أتمنى أن يعوضني خيراً في أبيه الشهيد. محسناً في الخفاء وقال هيثم خميس النقبي شقيق الشهيد: يوم وفاة شقيقي الشهيد كنت أتناقش معه هاتفياً في موضوع خاص، وكان صوته خافتاً، فسألته مراراً هل تشكو من شيء ما، فنفى، ومن ثم وعقب نصف ساعة أبلغونا بغرقه، فأصبت بصدمة، إذ لم أتوقع أن تكون مكالمته هي الأخيرة معي، والحقيقة فقد كان رحمه الله، يخاف الله سبحانه وتعالى إلى حد كبير، وكان باراً بالوالدين، وخلوقاً، ومؤدباً، ويحب عمل الخير، ودائم الابتسام، واجتماعياً إلى حد كبير، إذ كان يحب الاختلاط بالناس، وكان مرحاً، ومتعاوناً، ومخلصاً، وطموحاً، ويحب التعليم، حيث حصل على بكالوريوس قانون جامعة الشارقة، وكان يستعد للتقدم للماجستير، لأن أمنيته كانت الحصول على درجة علمية عليا. ويوم ذاع خبر وفاته في منطقتنا، جاءني أشخاص من جنسيات مختلفة، وقالوا لي إنه رحمه الله كان قد وعدهم برحلة عمرة على نفقته، ففوجئت بإحسانه، وبره، وبرحمته، ولم يكن ذاكراً ذلك لأحد، كما أنه وقبل الحادث الذي استشهد فيه، ذهب إلى جدتي، وقام بتبديل أثاث قديم لديها بآخر جديد، وكان مسارعاً في تقديم المشورة والرأي الطيب لنا جميعاً. مازلنا نعاني فقده وقالت شيماء النقبي شقيقة الشهيد: قبل 48 ساعة من اليوم الحزين، فاح عطر وجوده في أركان المكان، ربما لم تكن المرة الأولى، لكن كانت المرة الأعمق التي ترك في جميع الزوايا صوت ضحكة، ابتسامة خاطفة، وحديث عابر سكن باحة المنزل. كان آخر حديثه معي؛ مزحه جميلة، مازالت مرسومة على وجنتي، ومازلت أدعو الله أن يجعله في نعيم الفردوس، فيما هناك لحظات لا يستطيع قلبي نسيانها، منها آخر مكالمة لي معه في نفس يوم الحادث، كي أخبره بانتظارنا له لوقت الغداء، وقد أخبرني بعدم حضوره لأسباب انشغاله بعمله، وعندما وصلنا الخبر بأنه خرج في مهمة إنقاذ، وسقط في البحر، ولم يعثر عليه في لحظتها، صدمنا وتألمنا من وقع المصيبة، لكن لم نفقد الأمل في العثور عليه، وظل والدي وإخواني، وباقي أهلي، يداومون في البحث عنه إلى جانب عمليات الإنقاذ التابعة للدولة، من خفر سواحل المنطقة الشرقية، لكن ولله الحمد رضينا وصبرنا، فقد كتبه الله شهيداً عنده والغريق شهيد. وفي الوقت نفسه، شقيقي خرج في مهمة رسمية ملبياً نداء الواجب والوطن، ونحن فخورون به وفدائه لأبناء للوطن، فقد كان شخصاً طيب القلب، محباً لوالديه، وأبنائه، مجداً ومثابراً في عمله، ومحباً لطلب العلم، وكان شخصاً يعتمد عليه، وكان يعمل على تطوير نفسه، والحقيقة فلقد فقدت أخاً صالحاً يحبه الجميع، ويذكره بالخير، لأخلاقه الحسنة، وكان حريصاً دائماً على تعليم ابنه القرآن، والاجتهاد في الدراسة. أسأل الله أن يلهمنا الصبر على فراقه، فمازلنا نعاني ألم فقده بعد كل تلك السنين، وأسأل الله له براد الجنة، وراحتها، ودائماً يردد قلبي هذا الدعاء لأخي، والحقيقة لا أستطيع ترتيب الحروف لأتذكر أجمل اللحظات مع أخي الشهيد، ولا يقوى قلبي على تذكر آخر الأيام، إنه فلذة قلب أمي وروح أبي، ودائماً كان يصبح على تقبيل رأس أمي، وكان موعده معها في الصباح، وكان طيب القلب، هادئ الطبع، ليناً في تفكيره، وحكيماً في مواقفه. سيرته العطرة باقية إلى اليوم هيثم خميس النقبي شقيق الشهيد أكد أن أصدقاءنا، وأقاربنا، وأهلنا يذكرونه بالخير حتى اليوم، ويدعو الجميع له بالرحمة والمغفرة، وأن يحشره المولى عز وجل مع الأنبياء والصديقين، والشهداء، ولا اعتراض على أمر الله وقدره، فلكل أجل كتاب، وقد جاءه أجله في موعده، ونحن مسلمون، وموحدون، وراضون بقضاء الله وقدره. وقال: أتمنى أن أرى أبناء أخي في أفضل حال، وأنا نفسي جندي من جنود الدولة، أعمل مع زملائي تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتحت راية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وإخوانه أصحاب السمو الشيوخ حكام الإمارات، وأدعو الله أن يحفظهم جميعاً، ويطيل في أعمارهم، وييسرهم لكل بر وتقوى، وأتمنى أن أذهب مع زملائي الأبطال إلى اليمن لأشاركهم في حربهم ضد قوى الظلام، لنعود منتصرين، أو نموت شهداء. وأقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للدولة، ولرئيسها، حامياً لأراضيها، معادياً لكل من يمس أمنها، ومصالحها، وشعبها، حتى أذوق النصر أو الشهادة، والله على ما أقول شهيد.

مشاركة :