أنهيت مقالي الاثنين الماضي بوعد تكملة اليوم الخميس عن الشاعر العراقي عبدالرزاق عبدالواحد، الذي ارتحل لدار الآخرة. الشاعر عبدالرزاق معجون في الشعر وبرع كما نعرف بالشعر العمودي، يقول: (نحن مسكونون بالشعر، أنا بيتي كله بيت شعر لميعة عباس عمارة بنت خالي شاعرة، وعمتي التي ماتت منذ شهور شاعرة معروفة، وجدي كان شاعراً، وخالي «أبو لميعة» كان شاعراً، وأمي شاعرة، ولهذا نحن مسكونون بالشعر). كما قلت أصدر 56 كتابا وديوانا بينها عشرة دوواين للعراق. قصيدته صبر أيوب طويلة ومؤلمة، يبدأها بمأثورة شعبية، أن مخرزاً نسي تحت الحمولة على ظهر جمل.. هذا المخرز كلما سار الجمل دخل في لحمه اكثر وهنا يسير الشاعر بالجمل الذي هو العراق وأظنه يحكي عن السنوات العجاف من عمر العراق حيث الحصار الشديد ومنع حتى اقلام الرصاص عن أطفال العراق، خوفا من تحويلها لصناعة حربية! المهم القصيدة ذكرتني بقصيدة بدر شاكر السياب (سفر أيوب)، لكن بدراً كان يحكي آلامه ووجعه بعيدا عن العراق في لندن، بينما لؤلؤة يحكي وجع العراق والمخرز في جنبه. في مطلعها: قالوا وظل ولم تشعر به الإبل يمشي وحاديه يحدو.. وهو يحتمل ومخرزُ الموتِ في جنبيه ينشتلُ حتى أناخَ ببابِ الدار إذ وصلوا وعندما أبصروا فيضَ الدما جَفلوا صَبرَ العراق صبورٌ أنت يا جمل تستمر القصيدة ترتفع وهي تحكي ألم العراق، وللعراقيين حس قوي في الحزن فقد روعهم هولاكو وكم هولاكو مر عليهم، وعندهم حدثت نكبة الحسين رضي الله عنه، ولشاعرنا أيضا قصيدة طويلة في الحسين، وهو ابن العمارة حيث نهر الغراف الذي يتطهر الصابئة به، فالقصيدة الحسينية جاءت معبرة بقوة عن واقعة كربلاء وعن العاشر منه تحديدا حيث استشهاد سبط رسول الله في تلك المعركة. نعود لقصيدة (صبر أيوب) التي ترتفع الى قمة الألم ألم مخرز في الخاصرة. حيث الجوع والمرض والطائرات التي تقصف هنا وهناك مع منع الطيران العراقي من التحليق كل ذلك عصره ابن العمارة وقدمه في قصيدته هذه: شكراً لكل الذين استبدلوا دمنا بلقمة الخبز.. شكراً للذي بذلوا شكراً لإحسانهم.. شكرا لنخوتهم شكراً لما تعبوا شكراً لما انشغلوا شكراً لأنهمُ بالزاد ما بخلوا لو كان للزاد أكّالون يا جمل لكن أهلي العراقيين مغلقةٌ أفواههم بدمائهم فرط ما خذلوا ينجن الشعر في قلب الشاعر ثم يظهر بقوة إعصار، ولعله في العراق كما البترول يبقى آلآف السنين مغمورا ومن ثم يندفع بقوة. ذات الشاعر متكونة منذ الاف السنين حيث التراكمات الإنسانية والعلمية والعملية، هو خليط من كل ذلك، شاعرنا يقول ويشعر بقرب موته: أقول هذا شيب رأسي.. هل تكرمني فأنتهي وهو في شطيك منسدل؟! ويغتذي كل شعري فيك أجنحة مرفرفات على الأنهار تغتسل القصيدة تتنامى وتكبر بحيث تشمل الكثير وتحكي تاريخ العراق وحضارته. عن مسلة حمواربي وهو يستلم القوانين من إله الشمس، وعن اختراعهم العجلة الدائرة وعن الكتابة. كل ذلك واكثر حوته القصيدة في آخرها يحكي حلمه في موت: حين أغفو.. وهذه الأرض تغمرني بطينها.. وعظامي كلها بلل ستورق الأرض من فوقي وأسمعها لها غناء على أشجارها ثمل يصيح بي أيها الغافي هنا أبداً إن العراق معافى أيها الجمل. 457
مشاركة :