ضاعف نائب في البرلمان المصري غضب الشارع من أداء مجلس النواب بعدما تقدم أخيرا بمقترح يعاقب الشخص الذي حاول الانتحار لأول مرة وفشل بإيداعه مصحة نفسية لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وإذا حاول الانتحار مرة ثانية وفشل يتم توقيع غرامة مالية عليه تصل إلى 3200 دولار، بغض النظر عن قدراته المادية. وأثار مقترح النائب أحمد مهنى موجة من السخرية والاستنكار على شبكات التواصل الاجتماعي، لأنه غريب ويفتقد للحد الأدنى من اللياقة الأخلاقية والحنكة السياسية، وما زاد استهجان كثيرين أن مجلس النواب لم يتبرأ من الفكرة أو يرفض مناقشتها، بل التزم الصمت حيالها، على الرغم من ردود الفعل الغاضبة التي وضعت البرلمان في مرمى النيران. ويعكس المقترح سطحية الحلول التي يمتلكها بعض نواب البرلمان لمعالجة الأزمات المرتبطة بصميم حياة الناس واستسهالهم فرض عقوبات على من ضاقت بهم السبل وأصيبوا باليأس والإحباط من ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية فيتم فرض غرامات مالية عليهم، وبدلا من علاجهم يتم تصنيفهم كمجرمين. واستبعدت مصادر برلمانية في تصريحات لـ”العرب” مناقشة المقترح الذي يعاقب الشخص إذا فشل في الانتحار بعد الغضب الذي أثاره. وقالت المصادر ذاتها إن فكرة فرض عقوبة مالية “متهورة” على كل موقف لها انعكاسات سلبية على صورة الدولة وتظهرها بالحرص على الجباية قبل راحتهم. ويعتقد متابعون أن البرلمان يُدرك خطورة الممارسات المتطرفة في استخدام القوانين على الوضع السياسي في البلاد، لأن ذلك يوحي بأن الحكومة عاجزة عن إيجاد حلول واقعية للمشكلات فتستعين بقوانين “باطشة”، وبدلا من معالجة ظاهرة الانتحار بطرق علمية تلجأ لمواجهتها بالعقوبات القاسية. وأكد سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة أن مقترح القانون يشير إلى عدم القدرة على تقديم حلول خلاقة وإيجابية، ويبرهن أن بعض نواب البرلمان في طريق والشارع في طريق آخر، ما يولد حالة من النفور. سعيد صادق: بعض النواب المصريين في طريق والشارع في طريق آخر وأضاف لـ”العرب” أن هذه المقترحات لها عواقب اجتماعية قاتمة وترسخ مفاهيم مغلوطة عن الشخص اليائس والمحبط، وتوحي بأن المقدمين على سلوك الانتحار مضطهدون دائما، ما يضعهم في عداء مع الدولة والمجتمع. وحسب المقترح، فإن إيداع الشخص الذي يحاول الانتحار مصحة نفسية إجباريا، يستهدف علاجه قبل أن تقرر اللجان الطبية أنه أصبح شخصا سويا، أما شق العقوبة المادية عند الفشل في المحاولة الثانية فهذا لأن نفس الشخص يكون محرضا لغيره على الانتحار ويستوجب معاقبته لأنه يتعمد نشر الفكرة بين أفراد المجتمع. وبغض النظر عن نوايا مقدم المقترح فالمصحات النفسية في مصر ليست جاهزة لتقديم خدمة علاجية تمهد للشخص اليائس من حياته أن يعود إلى طبيعته، بل إن بعضها أقرب إلى سجن صحي والإنسان المحبط من ظروفه عندما يتم ترهيبه بهذا الشكل إذا حاول الانتحار قد ينتحر فعلا هربا من ظلم المجتمع الذي لم يرحمه حتى عندما حاول الهروب منه بقتل نفسه ليستريح قبل أن يعاقب بالحبس والغرامة. وقال معارضون للفكرة برمتها إن مجلس النواب إذا كان يريد إيجاد حلول لمحاولات الانتحار عليه أن يقوم بدوره التشريعي والرقابي قبل التفكير في فرض أعباء مالية على الناس، حتى صارت الظروف المعيشية بالغة القسوة، ما يدفع البعض للأذى النفسي لعدم القدرة على توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة التي تطالب بها الدولة. واستثمر البعض من المعارضين مقترح معاقبة المنتحر لتوجيه طاقة غضب جديدة ضد حكومة تسعى حاليا لإقناع البرلمان بفرض المزيد من الضرائب على المواطنين.
مشاركة :