حتى لو كنا متفائلين بنجاح حوار عربي إيراني فإن ذلك التفاؤل لن يصل بنا إلى قناعة ساذجة مفادها أن إيران ستوقف حروبها داخل العالم العربي. من غير تلك الحروب ستكون هناك إيران أخرى. وهو أمر لا يتوقع حدوثه أحد في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن ممارسة الضغط على نظام الملالي العائم على بحيرة من الحقد. لا تجد إيران مصلحة لها في أن تقيم علاقات سوية مع العالم العربي على أساس تبادل المنافع الاقتصادية والثقافية في إطار تطوير الامكانات المشتركة. لا لشيء إلا لأنها لا تملك ما تقدمه في ذلك المجال الحيوي الذي يتطلب التضحية بالمشاريع السياسية الضيقة والملغومة. عبر أكثر من أربعين سنة لم يقدم نظام الملالي شيئا ملموسا للداخل الإيراني سوى مشاريعه في تطوير آلته الحربية. تلك مشاريع موجهة إلى الخارج ولا تعني في شيء الشعب الإيراني الذي يخسر مرتين. مرة قبل استعمال أسلحة الدمار الشامل ومرة بعدها. وإذا ما كانت إيران قد رفعت شعار الحرب العقائدية فإن تلك الحرب مجرد غطاء لعجز النظام عن واجبه اتجاه المواطنين الإيرانيين الذين فقدوا الكثير من حقوقهم المدنية اضافة إلى تدني مستواهم المعيشي بتأثير مباشر من العقوبات الاقتصادية التي ما كان لها أن تُفرض لولا اصرار النظام على الاستمرار في مشاريع التسليح العبثية التي يرجو من خلالها تطوير حروبه لتتسع دائرتها، بالرغم من أن تركيزه سيظل مسلطا بشكل مباشر على العالم العربي. لا أرى نفعا في الاستفاضة في الحديث عن العداء الإيراني للعرب الذي وصل إلى ذروته مع ظهور نظام الخميني عام 1979 الذي مزج بين القومية والطائفية ليعلن صراحة عن أن وجوده كله قائم على أساس الإخلاص لمبدأ تصدير الثورة الإسلامية. ذلك المشروع التوسعي الذي لا يعترف أتباعه ومنفذوه بالقانون الدولي الذي يفرض احترام سيادة واستقلال الدول وحرية الشعوب في اختيار النظام الذي تراه مناسبا لها وتستطيع من خلاله أن تخاطب العالم. ما نحن فيه اليوم من أوضاع مأساوية يعيشها جزء من العالم العربي هو صناعة إيرانية لم تعد غير مباشرة. فالحروب الظاهرة والخفية التي لا تزال نيرانها مشتعلة وهي مرشحة للانتشار أكثر هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحصل عليه العالم العربي من جارته التي يُقال أن هناك علاقات تاريخية تربطه بها. إيران البلد في واقع جغرافيته الطبيعية هي غير إيران في حقيقة وجودها التاريخي القائم على سياسة، كان العداء ولا يزال جوهرها. في كل العصور التاريخية بكل تحولاتها لم تكن إيران نافعة، بل أنها كانت مضرة دائما. وليس مما ينقض ذلك القول أن هناك أفرادا فرسا انخرطوا في الثقافة العملية والأدبية العربية وقدموا من خلالها خدمات وانجازات مدهشة. فما كان لأولئك الأفراد أن يرتفعوا بمستوى مواهبهم لولا أن الثقافة العربية سمحت لهم بالقيام بذلك. تاريخيا كانت نظرة إيران الى العرب قائمة على العداء. لا تزال كذلك في عصرنا. ولو كان البرامكة في العصر العباسي يملكون ميليشيات مثلما يملك نظام الملالي اليوم لوجد هارون الرشيد صعوبة في التخلص من فسادهم وإعادة دولته إلى المسار الصحيح. يشعر الإيرانيون بالأسى للمصير الذي آلت إليه دولة البرامكة في بغداد. ذلك درس تعلموا منه كثيرا وهم يؤسسون دولة حزب الله في لبنان ودولة الحشد الشعبي في العراق ودولة الحوثيين في اليمن. لقد تعلموا أن الحروب الداخلية وهي حروبهم الخفية هي أفضل وسيلة لإبقاء الدول تحت السيطرة. فلبنان والعراق واليمن الخاضعة بطريقة نسبية لهيمنتهم لم تعد دولا ذات هوية سياسية واضحة وتعيش تمزقا جليا لنسيجها الاجتماعي وهي في حالة انهيار اقتصادي لا علاقة له بثرواتها المادية والبشرية. دول مفلسة إنسانيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا بالرغم من أن مواطنيها يسعون إلى مقاومة الوباء الإيراني من غير جدوى. فالحروب الإيرانية في ظل عدم اكتراث عالمي لا يمكن مقاومتها بالطرق السلمية. لقد أُغرقت السوق بالبضاعة الإيرانية وهي السلاح. إيران لا تهب أتباعها شيئا سوى المال والسلاح. جرب العراقيون استيراد البضائع الإيرانية منذ تسعينات القرن الماضي وكانت النتيجة فشلا صارخا. إيران لا تصنع سوى أدوات القتل. من يفكر في الانتصار على إيران بالكلمات سيلاقي مصير لقمان سليم. كل اتباع إيران في حالة حرب. وهو ما يعني أن التفكير في انهاء الحروب الإيرانية بطريقة سلمية هو نوع من العبث.
مشاركة :