الجميع يعلم أن واشنطن تتعامل مع أكراد سوريا بنوع من الحميمية المنبثقة من المصلحة المشتركة فيما يتعلق بمكافحة داعش. ولكن هنالك أيضا رابطين آخرين يربطان أمريكا بالأكراد ولا يقلان أهمية وهم أن أكراد سوريا يتميزون بأنهم غير أصوليين بل قوميين بنكهة وغطاء وطني ، وهذه خاصية محببة لدى الأوساط السياسية الواشنطنية لأنهم يتحسسون بشكل كبير من الجماعات التي تبدو معتدلة دينيا في فترة ومتشددة في فترات. الرابط الآخر هو بالرغم من رمزيته ولكنه يهم الأمريكيين بشكل كبير، وهو أن أكراد سوريا لديهم قيم ليبرالية كثيرة وعلى رأسها دور وحق المرأة في العمل جنباً بجنب مع الرجال حتى في الأعمال العسكرية. بطبيعة الحال، أمريكا عملت على إنشاء مجموعة تسمى القوات السورية الديمقراطية وهي ذات أغلبية كردية. تم إنشاء وتسمية هذه القوات بعد عدة أيام من التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا. هذا يدل وبشكل كبير على أن واشنطن تعتمد سياساتها في الشرق الأوسط على أسلوب ردات الفعل Reactive Stance ثم تهدأ إذا استمر التعقيد وتغير أسلوبها إلى أسلوب "lets wait and see" أي دعونا ننتظر ونرى. على كل حال، لا أستبعد وجود تنسيق عالي المستوى ووعود واشنطنية ضمنية لأكراد سوريا، من الصعب التكهن بطبيعة هذه الوعود خصوصا أن أكراد سوريا ليست لديهم قيادة سياسية موحدة كأكراد العراق. بطبيعة الحال، واشنطن تعلم حساسية موضوع إعطاء إشارات بعمل سياسي أو دبلوماسي مع أكراد سوريا. فهذا سيغضب تركيا في المقام الأول وسيغضب الدول العربية الرافضة لفكرة التقسيم العرقي للأراضي العربية. رغم إيماني أن الموقف العربي متباين في ذلك لعدم وجود حساسية سياسية وجغرافية مع الأكراد إلى حد ما كما هو الأمر مع تركيا. فتركيا عليها أن تعلم أن تباطؤها السياسي والعسكري فيما يتعلق بالإطاحة ببشار ومكافحة داعش سيكون له آثار وخيمة ويجعلها دولة ذات وجود صوري في المنطقة. فالسعودية والدول العربية لن تتردد في إعطاء الأكراد فرصتهم التاريخية وبدعم قوى الأرض قاطبة إن كانوا هم من سيخلصوا الشعب السوري من مصيبتيه؛ بشار وداعش. كلنا نعلم أن تقوية أكراد سوريا وتوحيد موقفهم ككيان سياسي مستقل وذا سيادة سيتسبب بضرر جيوسياسي كبير لأنقرة. فهذا سيتسبب بوجود ما يشبه الدولة الكردية التي تشترك في حدودها مع الحدود التركية المتخمة بالأكراد الذين سيطالبون بإستقلالهم أيضا لينضموا مع أصدقائهم. بشكل عام، واشنطن حتما لن تجازف بعلاقتها مع أنقرة رغم وجود مايشبه البرود السياسي فيما بينهما. ولكن السؤال الأهم من كل هذا وذاك كالآتي ! ماهو رأي موسكو فيما يتعلق بالأكراد ؟ تركيا و روسيا لديهما تاريخ نزاعات إمبراطورية كبيرة ! فهل ستعمل موسكو على دعم إستقلال الأكراد قريبا لكي يكونوا في خاصرة تركيا؟ خصوصا بعدما رأينا مغازلة روسية خجولة للأكراد! ولاتسألوني عن رأي واشنطن! لأنها ستحقق هدفها بيد غيرها وستكون بذلك (طايرة من الفرحة!).
مشاركة :