لو كنت من هواة قراءة كتب التنمية الذاتية أو حضور دوراتها، فبالتأكيد تعرف جيداً تدريبات التخيّل.. أن تغمض عينيك وتتخيل شيئاً معيناً يحدده المدرب لهدف ما.. لكن هل سألت نفسك يوماً، هل هذه التدريبات مفيدة حقاً؟ هل يمكن للتخيل أن يحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع؟ أم أنه بلا فائدة والأجدى التركيز في الواقع الملموس فقط؟ كي نعرف الإجابة، تعال نتأمل هذا التمرين.. أنت المثالي يسمي علماء النفس الإيجابي هذا التدريب «أنت في أفضل حالاتك».. ويمكنك ممارسته كالتالي: أحضر ورقة وقلماً وتخيّل حياتك في المستقبل. ما هي أفضل حياة يمكن أن تتصورها؟ ضع في اعتبارك جميع المجالات ذات الصلة بحياتك، مثل حياتك المهنية، والدراسة، والعلاقات، والهوايات، والصحة. ماذا سيحدث في هذه المجالات من حياتك في أفضل مستقبل ممكن لك؟ تخيّل مستقبلاً أكثر إشراقاً تكون فيه أفضل ما لديك وتتغير ظروفك بما يكفي لتحقيق أفضل حياة ممكنة. ليس ضرورياً أن تكون واقعياً. حلّق بخيالك، وتصوّر هذه المشاهد وصفها بزمن المضارع وكأنك تعيشها فعلاً. خذ وقتك في هذا التدريب.. ليكن 15 دقيقة مثلاً.. هل فعلت؟ نتائج إيجابية قام علماء النفس بدراسة مدى الفائدة التي قد تعود من ممارسة هذا التدريب. في تجربة لشيلدون ولوبوميرسكي نشرت في دورية علم النفس الإيجابي، وجدوا أن الأشخاص الذين أكملوا هذا التدريب يومياً لمدة أسبوعين، شهدوا زيادة في المشاعر الإيجابية استمرت لمدة أسبوعين بعد انتهاء التدريب. وأولئك الذين واصلوا التمرين لمدة أطول استمر تحسّن مزاجهم لمدة شهر. ما معنى هذا؟ التفاؤل المكتسب للأمل دور كبير في تحسين الصحة النفسية. ولو نظرنا لتعريف التفاؤل في مراجع علم النفس الإيجابي، سنجد أنه يعني توقع شيء إيجابي في المستقبل، سواء كانت هناك أدلة موضوعية تدعم هذا التوقع أم لا. مثل توقع الشخص أن الأزمة التي يعاني منها سوف تنتهي يوماً، أو أن الظروف الصعبة ستتغير.. أو أن الإخلاص والتفاني يعني الوصول حتماً.. رغم أن هذا لا يحدث في كثير من الأحيان لظروف خارجة عن إرادتنا. ألا يعد هذا نوعاً من الخيال؟ الخيال، آلية ذهنية موجودة في عقولنا لأهداف عديدة.. منها تحسين صحتنا النفسية وتصور أهدافنا التي نريد تحقيقها في المستقبل، لترتيب أفكارنا ووضع خطة مناسبة لذلك.. أو - على الأقل - معرفة ما هو مهم في حياتنا وإعطائنا معنى وتوجهاً لحياتنا نسير إليه. في دراساته يخلص البروفيسور مارتن سليجمان إلى أن التفاؤل يشكل حائط الصد ضد الوقوع في براثن الاكتئاب. وهو ما أسماه «التفاؤل المكتسب»، الذي يمكن تعلمه والتدرب عليه بالممارسة وتبني نمط تفكير أكثر إيجابية. يستخدم الباحثون تنويعات عديدة لتدريب «تخيّل نفسك في أفضل حالاتك».. مثل تخيّل هدفاً محدداً بعينه وأنت تحققه، أو تخيّل العقبات المتوقعة في الطريق إليه والتفكير في كيفية تجاوزها.. أو تخيّل المحنة التي تعاني منها وقد اختفت في المستقبل.. لو كان الأمل نوعاً من الخيال الذي يحفزنا كي لا نتوقف عن المحاولة.. فكيف نعيش من دونه؟ المهم أن للخيال دوراً كبيراً في تطلعنا للمستقبل والتخطيط لأهدافنا وتدبر كيفية تحقيقها. هو أداة ذهنية موجودة لدينا لأهداف وجيهة، فهل نستخدمها كما ينبغي؟
مشاركة :