الحقائب المخروقة.. تعبير أطلقة أحد الاخوة المبتعثين يوم كنت في بريطانيا.. وهو يصف باختصار أولئك الذين يذهبون للدراسة في الخارج ويعودون الى الوطن ولا يكون لهم تأثير ملموس في التطوير والنهوض بمرافق الحياة المختلفة.. يعودون بخفي حنين.. كما يقول العربان، ولست أعرف القصة ، ولكنني سمعت الناس يعبرون عن الفشل بهذا المثل.. دعوني (أشطح) وأتخيل كل من عادوا الى الوطن بعد انهاء الدراسة في الخارج وهم يحملون في أيديهم أخفافاً بدلاً من الشهادات.. صاحبي الذي يتأجج حماساً لا يفتر يسألني: كم هم أولئك الذين ذهبوا ؟.. كم يبلغ عدد الذين عادوا وهم يحملون الماجستير والدكتوراه من هذه الدول التي سبقتنا في مجالات حيوية عديدة؟ وأخذت تمر في مخيلتي مظاهر عديدة لمشاكل حقيقية وليست من نسج هذه المخيلة بقينا نعاني منها سنين.. ولم يأت الفرج لحلها. ولأن المقام لا يسمح لعرضها كلها أعرض هنا إحداها على أن تقيسوا عليها وما أكثر ما ستقيسون. انظروا الى قرار قيادة السيارة عندنا.. انه لا يختلف كثيراً عن قرار قيادة سيارة (السكوتر) التي يكثر فيها التصادم في أماكن الألعاب الترفيهية. هذا العدد المفزع من حوادث السيارات يشهد بذلك.. ما المشكلة.. لماذا لا زلنا نعاني في هذا الشأن؟.. كل من جرب قيادة السيارة في الخارج لا بد أن يلمس الفارق الواضح بيننا وبينهم في هذا الجانب الحيوي الهام ، والذي لا شك يعطي مؤشراً على أوضاعنا الأخرى.. مسألة وعي الفرد التي دائماً ما نعلق اخفاقاتنا عليها تبدو فكرة سخيفة عندما يستطيع (كل من هب ودب) أن يقود السيارة ويتعلمها على حساب سلامتنا التي لا نفتر ننظر لاظهار أهميتها، في الوقت الذي لا زالت مؤسساتنا المعنية بتحقيقها لا توفر متطلباتها التي هي واضحة في نماذج كثير من الدول الغربية بل والشرقية القريبة منا.. حين نتساهل في منح رخصة القيادة لمن لا يجيدها ويدرك الأنظمة المرورية الخاصة بها، وحين تخلو كثير من شوارعنا من علامات واضحة ومفهومة تضبط السير وتوفر السلامة لراكبي المركبات والراجلين، فان ذلك يشير بكل صراحة الى تقاعس واضح لدى تلك المؤسسات في أداء أعمالها.. إنني أتساءل: ألم يستطع نفر ممن عادوا الى الوطن بعد الدراسة في الخارج من أن يحملوا إلينا نموذجاً لما تطبقه هذه البلدان الغربية المتطورة في أنظمة السلامة المرورية ويسلموه الى أحد المسؤولين ليطبق عندنا، ويجنبنا هذه الخسائر المهولة في الأرواح والأموال؟.. أم أن حقائب هؤلاء المبتعثين عادت خالية من ذلك المفيد الذي ينتظره مجتمعهم؛ فكان الحل مختزلاً بـ (ساهر) وهذا الرقم المخيف من الكاميرات التي تفاجئك بضوئها القوي عند الإشارات دون أن تعرف الأسباب.. يبدو أن الأمر له أبعاد أخرى يصعب فهمها، وسيظل حنين غائباً وخفاه في المكان...
مشاركة :