الغلو دخيل على ثقافة المسلمين الشرعية

  • 11/20/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كل دارس للإسلام،‮ ‬بصير بطبيعته،‮ ‬عالم بأحكامه،‮ ‬مدرك لرسالته ومقاصد شريعته،‮ ‬يدرك جيدا أنه دين وسطى‮ ‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس‮‬،‮ ‬دين كل أحكامه وتعاليمه تشع بقيم الرحمة والتسامح والعفو،‮ ‬ولا مكان فيه لكل صاحب فكر متطرف أو متشدد،‮ ‬وشريعة الإسلام السمحة لا تعترف بالفتاوى المتشددة التي‮ ‬يحاول دعاة التطرف والإرهاب فرضها على المسلمين تحت مزاعم كاذبة ودعاوى باطلة‮.‬ هذه حقائق إسلامية وليست شعارات‮ ‬يرددها علماء الإسلام هنا أو هناك،‮ ‬وهي‮ ‬لسان حال علماء الأمة في‮ ‬كل بقاع الأرض،‮ ‬ولذلك لا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نعطي‮ ‬الفرصة لمتطرف أو متشدد لكي‮ ‬يلوث ثقافتنا الإسلامية بخرافات أو مزاعم كاذبة،‮ ‬بل‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يتصدى علماء الإسلام في‮ ‬كل مكان لجماعات التطرف والغلو والتشدد الديني‮ ‬وكشف ثقافتهم المغشوشة للمسلمين وغير المسلمين حتى‮ ‬يأمن الجميع جهلهم ويتقوا‮ ‬شرورهم‮.‬ ‬يؤكد العالم الكبير د‮. ‬أحمد الطيب شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين أن الفكر المتطرف ليس‮ ‬غريباً على الأمة،‮ ‬فهو فكر متوارث اقتحم حياتها الفكرية والثقافية والدينية من العصر الأول للإسلام،‮ ‬واستطاع تضليل بعض أبناء هذه الأمة؛ مشيرا إلى أن الفكر المتطرف الذي‮ ‬يتصاعد الآن والذي‮ ‬يغذي‮ ‬جماعات العنف والقتل والإرهاب باسم الدين هو نتيجة تراكمات تاريخية لنزعات الغلو والتشدد في‮ ‬تراثنا،‮ ‬والتي‮ ‬نشأت من تأويلات فاسدة لبعض نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الأئمة،‮ ‬موضحاً أن هذه التراكمات منزلقات تؤدي‮ ‬إلى التطرف والتشدد الديني‮ ‬والتكفير لأدنى ملابسة أو سبب،‮ ‬وفيها نزعات انغلقت على آراء فقهية وعقدية،‮ ‬تراها الحق الذي‮ ‬لا حق‮ ‬غيره،‮ ‬وتحكم على من‮ ‬يخالفها بالكفر وبالخروج من الملة،‮ ‬وهذا ما حفظه لنا التاريخ عن الخوارج‮ قديما‮ً واجترائهم على قتل الصحابة بعد تكفيرهم،‮ ‬وقتل على كرم الله وجهه،‮ ‬وبقر بطون الحوامل‮.. ‬وهو‮ أيضا‮ً ‬ما‮ ‬يعود اليوم إلى الساحة من جديد على أيدى هؤلاء المتطرفين‮.. ‬ومن قبلهم على أيدى كثيرين سلكوا مسلك التكفير المتبادل بين أتباع المذاهب المختلفة،‮ ‬التي‮ ‬يتسع لها الإسلام ويطويها تحت جناحه الرحب؛ وراحوا‮ ‬يعلنون الجهاد على المسلمين الآمنين،‮ ف‬يقطعون الرؤوس ويحرقون الأسرى وهم أحياء‮.. مصدر فتنة وفرقة ويوضح د‮. ‬الطيب أن هؤلاء المتطرفين والتكفيريين ما كانوا ليقدموا على تجاوز الحدود الشرعية لولا أنهم‮ ‬يعتقدون اعتقاداً خاطئاً زائفاً بأنهم قادة جيوش مسلمة ضد شعوب كافرة،‮ ‬وفي‮ ‬ديار كافرة،‮ ‬وهم ‬يعثرون على ما‮ ‬يبرر انحرافهم الديني‮ ‬والعقدي‮ في تراث الخوارج وغير الخوارج ممن اعتنقوا عقيدة التكفير وتمذهبوا به قديماً وحديثاً،‮ ‬وصاروا مبعث فتنة ومصدر فرقة واختلاف وتمزق لوحدة المسلمين في‮ ‬القديم والحديث أيضا‮.‬ ويحذر شيخ الأزهر من الأثر المدمر لتصاعد موجات التطرف والتكفير في‮ ‬تمزيق وحدة الأمة،‮ ‬وما تثمره هذه النزعة المقيتة من أشواك الكراهية والأحقاد بين المسلمين،‮ ‬وما‮ ‬يترتب على ذلك من التشرذم والانقسامات،‮ ‬حيث‮ ‬يزعم كل فريق أنه المسلم الحقيقي‮ ‬وأن‮ ‬غيره إما خارج عن الملة حلال الدم والعرض والمال،‮ ‬أو فاسق‮ ‬يجب اجتنابه،‮ ‬وتجب كراهيته، وغير ذلك من الفتاوى العابثة بدين الله ورسوله والتي‮ ‬دفعت بعض شبابنا إلى ممارسة العنف وإزهاق الأرواح وإراقة الدماء والإفساد في‮ ‬الأرض باسم الإسلام،‮ ‬وهو بسماحته وعدله وعفوه ووسطيته بريء من أفكارهم الشاذة،‮ ‬وأفعالهم القبيحة،‮ ‬وجرائمهم المنكرة‮.‬ جهل وقلوب متحجرة العالم الأزهري‮ ‬د‮. ‬علي‮ ‬جمعة مفتي‮ ‬مصر السابق وعضو هيئة كبار العلماء‮ ‬يؤكد خطورة ترك الفكر المتطرف من دون مواجهة جادة وحاسمة،‮ ‬حيث‮ ‬يمثل متطرفو العصر خطراً بالغاً على المجتمعات المعاصرة‮ - ‬إسلامية كانت أو‮ ‬غير إسلامية‮ - ‬ويقول‮: ‬الفكر المتشدد لم‮ ‬يعد أسير عقول أصحابه،‮ ‬بل‮ ‬يقود ضحاياه من الجهلاء والحمقى وأصحاب العقول المغلقة إلى انتهاج العنف وارتكاب الجرائم،‮ ‬كما شاهدنا خلال الشهور الماضية في‮ ‬عدد من الدول العربية والإسلامية،‮ ‬ففكر هؤلاء الجهلاء البعيد كل البعد عن تعاليم وأحكام الإسلام هو الذي‮ ‬قادهم إلى قتل إخواننا المسيحيين في‮ ‬ليبيا،‮ ‬وهو الذي‮ ‬قادهم إلى حرق الطيار الأردني‮ ‬معاذ الكساسبة حياً،‮ ‬وهو الذي‮ ‬جعلهم‮ ‬يستبيحون دماء‮ ‬غير المسلمين في‮ ‬العراق وسوريا فخطفوا بعض رعايا الدول الغربية وذبحوهم في‮ ‬مشاهد‮ ‬غير مسبوقة تجسد مدى تحجر قلوبهم وانعدام مشاعرهم الإنسانية‮.‬ ويؤكد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن الفكر المتشدد‮ ‬غريب على الإسلام،‮ ‬ودخيل على ثقافة المسلمين الشرعية،‮ ‬ولذلك‮ ‬ينبغي‮ ‬على دعاة الإسلام في‮ ‬كل مكان مواجهته بصحيح الدين من خلال رصد مزاعم هؤلاء المتطرفين والرد عليها،‮ ‬وتفنيدها وكشف كذب أصحابها وتحذير الناس منهم‮.‬ وبنظرة تفاؤل وأمل‮ ‬يؤكد د‮. ‬جمعة أنه لن‮ ‬يصح إلا الصحيح،‮ ‬وأن الهزيمة تنتظر المتطرفين،‮ ‬فالشعوب العربية والإسلامية شعوب معتدلة في‮ ‬مزاجها الديني‮ ‬وهي‮ ‬تنحاز دائما إلى التوسط والاعتدال،‮ ‬فضلا عن أن شريعتنا الإسلامية بطبيعتها طاردة لكل فكر متشدد،‮ ‬لأنها تقوم على اليسر والعفو والتسامح،‮ ‬وتتميز بالمرونة والسعة،‮ ‬وتواكب كل أحداث الحياة المتجددة،‮ ‬وتلبي‮ ‬حاجة المسلمين في‮ ‬كل مكان وفي‮ ‬كل عصر،‮ ‬ولذلك هي‮ ‬لا تعطي‮ ‬الفرصة لأحد لكي‮ ‬يزايد عليها‮.‬ فتاوى مسمومة ويحذر عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر جماهير المسلمين في‮ ‬كل أرجاء المعمورة من الانخداع بفتاوى التكفيريين الذين‮ ‬يتخذون من الدين ستاراً للتغطية على جرائمهم ضد الدين والوطن والمواطن،‮ ‬ويرددون مقولات كاذبة لا‮ ‬يقرها دين ولا عقل ولا منطق،‮ ‬مشيراً إلى خطورة الاستماع إلى هؤلاء المتطرفين والسير خلفهم والانخداع بضلالهم حيث‮ ‬يفتون في‮ ‬أمور الدين وهم أجهل خلق الله به؛ ويستحلون دماء بريئة ويجيزون الحرق والقتل والتخريب باسم الإسلام، ‬كما أنهم‮ ‬يرتكبون جرائم منكرة لا‮ ‬يقبل مشاهدتها والوقوف على تفاصيلها إلا‮ ‬غلاظ القلوب ومعدومو الإحساس،‮ ‬والغريب والشاذ أنهم‮ ‬يعتبرون ذلك كله من الجهاد المشروع،‮ ‬وخدمة دين الله. وينبه مفتي‮ ‬مصر السابق جماهير المسلمين في‮ ‬كل مكان إلى خطورة الاستماع إلى فتاوى هؤلاء المخربين،‮ ‬مشيرا إلى أن بعض فتاواهم المسمومة التي‮ ‬لا‮ ‬يؤيدها شرع،‮ ‬ولا عقل ولا منطق،‮ ‬ألقت ببعض الشباب إلى التهلكة ففجر البعض نفسه طمعا في‮ ‬وهم‮ ‬غرسه المتطرفون في‮ ‬عقولهم،‮ ‬كما تسبب بعض هذه الفتاوى في‮ ‬فقد بعض أوطاننا العربية لشباب‮ ‬يصعب حصرهم سقطوا ضحايا التحريض على العنف والفتاوى المسمومة للمتطرفين‮.‬ وهنا‮ ‬ينتهي‮ ‬د‮. ‬جمعة إلى ضرورة أن‮ ‬يرجع الشباب في‮ ‬أمور الدين إلى العلماء المتخصصين،‮ ‬وأن‮ ‬يتجنبوا ضلال المتطرفين الذين‮ ‬يستهدفون بضلالهم خلق حالة من العداء‮ ‬غير المبرر بين الشباب والسلطات القائمة في‮ ‬بلادهم‮.‬ خلل نفسي أستاذ الطب النفسي‮ ‬بجامعة الأزهر د‮. ‬محمد المهدي‮ ‬يصف المتطرفين بأنهم‮ ‬مرضى النفس والعقل‮‬،‮ ‬ويؤكد أن الدراسة العلمية لسلوكياتهم الإجرامية تؤكد أنهم ليسوا أسوياء من الناحية النفسية،‮ ‬ذلك أن المفاهيم الدينية الخاطئة العالقة بعقولهم‮ ‬ت ؤكد معاناتهم من مشكلات نفسية،‮ ‬وهذه المشكلات النفسية هي‮ ‬التي‮ ‬تقودهم إلى الانطواء والعزلة عن المجتمع أولا،‮ ‬ثم الانتقام من المجتمع بعد ذلك‮.‬ ويضيف‮: إن معظم المتطرفين من الفقراء والمهمشين اجتماعياً،‮ ‬حيث‮ ‬يجد هؤلاء في‮ ‬التشدد الديني‮ ‬ضالتهم في‮ ‬الانتقام من المجتمع،‮ ‬ولذلك فإن الخطوة الأولى لمواجهة التطرف الديني‮ ‬هي‮ ‬مواجهة مشكلات الفقر والبطالة المنتشرة في‮ ‬البلاد العربية،‮ ‬فالعاطل قنبلة موقوتة ضد نفسه وضد المجتمع الذي‮ ‬يعيش فيه‮.‬ ويطالب أستاذ الطب النفسي‮ ‬بتحصين عقول الأطفال والشباب منذ الصغر بالثقافة الإسلامية الصحيحة وحسن عرض تعاليم وأحكام الإسلام لقطع الطريق على المتطرفين الذين‮ ‬يستغلون الخواء الفكري‮ ‬للشباب ويحشون عقولهم بأفكار متطرفة‮.. ‬مؤكداً أن الصورة الحقيقية للإسلام لا تزال بعيدة عن عقول أطفالنا وشبابنا،‮ ‬كما أن تعاليم ومبادئ وأخلاقيات الإسلام التي‮ ‬تؤكد أنه دين منفتح‮ ‬يرفض التشدد والغلو في‮ ‬كل شيء لا تزال‮ ‬غائبة عن أذهان كثير من الصغار والبالغين‮.‬ ويحذر أستاذ الطب النفسي‮ ‬من محاولات عزل الأجيال الجديدة عن الثقافة الإسلامية بزعم حمايتهم من التطرف والغلو الديني؛ مشيراً إلى أن الإسلام في‮ ‬صورته الحقيقية دين وسطية واعتدال وكل تعاليمه وأحكامه تستهدف مصلحة الإنسان،‮ ‬فلا‮ ‬يأمر الدين بشيء إلا إذا كانت فيه مصلحة،‮ ‬ولا‮ ‬ينهى أو‮ ‬يحذر من شيء إلا إذا كان فيه ضرر،‮ ‬ولذلك لا خوف على الإنسان من تعاليم الدين وتوجيهاته،‮ ‬والذين‮ ‬يحاربون التدين تحت شعار مواجهة التطرف مخطئون،‮ ‬لأن التدين الحقيقي‮ ‬شيء والتطرف شيء آخر،‮ ‬فالتدين‮ ‬يقود الإنسان إلى حياة معاً،‮ ‬ويدفعه إلى الالتزام الأخلاقي،‮ ‬أما التطرف فينحرف به عن طريق الحق ويقوده إلى سلوكيات خاطئة لا تحقق له فائدة‮.‬ ويطالب د‮. ‬المهدي‮ ‬بتقديم حقائق الدين للشباب بصور سهلة ومبسطة وتشجيع التدين الصافي‮ ‬الذي‮ ‬يعرف الإنسان حقوقه ويلزمه بواجباته،‮ ‬ويقول‮: ‬أولادنا في‮ ‬أمس الحاجة إلى تدين نقى‮ ‬يفرض على الإنسان أن‮ ‬يقوم بواجباته ويحترم عمله ويتعامل مع المحيطين به برقي‮ ‬وتحضر،‮ ‬وأن‮ ‬يؤدي‮ ‬عمله بإخلاص وكفاءة،‮ ‬وأن‮ ‬يحافظ على المال العام،‮ ‬ولا‮ ‬يقبل رشوة أو هدية تؤثر على ميزان العدالة،‮ ف‬هذه القيم والأخلاقيات الدينية أولادنا في‮ ‬أمس الحاجة إليها،‮ ‬وعلينا أن ندرك أن التدين المعتدل قادر على مواجهة كل الصور السلبية في‮ ‬حياتنا،‮ ‬وهو الذي‮ ‬يواجه مشكلة التشدد الديني‮ ‬التي‮ ‬نعانيها في‮ ‬معظم أقطارنا العربية والإسلامية‮. دعاة منفرون الداعية والأستاذة الأزهرية د‮. ‬آمنة نصير العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية تؤكد أن التطرف الديني‮ ‬لم‮ ‬يخترق عقول بعض الشباب الذي‮ ‬فقد هويته الدينية الصحيحة فحسب،‮ ‬بل تسربت لوثة الفكر المتشدد للأسف‮ ‬إلى عقول بعض الدعاة الذين‮ ‬يعتلون المنابر وينفرون الناس من الإسلام،‮ و‬لذلك ‬تطالب المؤسسات المسؤولة عن الدعوة والدعاة في‮ ‬عالمنا العربي‮ ‬بمواجهة هؤلاء وإخلاء الساحة الإسلامية منهم حتى لا‮ ‬يتخذ سلوكهم الفردي‮ ‬حجة على الإسلام والمسلمين‮.‬ وتضيف‮: ‬المتطرفون ليسوا حجة على الإسلام ولا على الغالبية العظمى من دعاة الإسلام الذين‮ ‬يتبنون منهج التيسير،‮ ‬وهو منهج الإسلام الحق،‮ ‬ورغم أن المتشددين موجودون في‮ ‬كل زمان ومكان وهم منبوذون لأنهم‮ ‬يصدرون في‮ ‬تشددهم عن تصور خاطئ لمهمتهم،‮ ‬حيث‮ ‬يتصورون أنفسهم أوصياء على الدين وعلى الناس،‮ ‬إلا أن مواجهتهم واجبة وحماية المسلمين من ضلالهم وشرورهم‮ ‬ مسؤولية كل مؤسسات المجتمع الدينية والفكرية والثقافية والإعلامية فهم‮ ‬يحملون كل الشر لمجتمعاتنا العربية والإسلامية‮.‬

مشاركة :