كل دارس للإسلام، بصير بطبيعته، عالم بأحكامه، مدرك لرسالته ومقاصد شريعته، يدرك جيدا أنه دين وسطى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، دين كل أحكامه وتعاليمه تشع بقيم الرحمة والتسامح والعفو، ولا مكان فيه لكل صاحب فكر متطرف أو متشدد، وشريعة الإسلام السمحة لا تعترف بالفتاوى المتشددة التي يحاول دعاة التطرف والإرهاب فرضها على المسلمين تحت مزاعم كاذبة ودعاوى باطلة. هذه حقائق إسلامية وليست شعارات يرددها علماء الإسلام هنا أو هناك، وهي لسان حال علماء الأمة في كل بقاع الأرض، ولذلك لا ينبغي أن نعطي الفرصة لمتطرف أو متشدد لكي يلوث ثقافتنا الإسلامية بخرافات أو مزاعم كاذبة، بل ينبغي أن يتصدى علماء الإسلام في كل مكان لجماعات التطرف والغلو والتشدد الديني وكشف ثقافتهم المغشوشة للمسلمين وغير المسلمين حتى يأمن الجميع جهلهم ويتقوا شرورهم. يؤكد العالم الكبير د. أحمد الطيب شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين أن الفكر المتطرف ليس غريباً على الأمة، فهو فكر متوارث اقتحم حياتها الفكرية والثقافية والدينية من العصر الأول للإسلام، واستطاع تضليل بعض أبناء هذه الأمة؛ مشيرا إلى أن الفكر المتطرف الذي يتصاعد الآن والذي يغذي جماعات العنف والقتل والإرهاب باسم الدين هو نتيجة تراكمات تاريخية لنزعات الغلو والتشدد في تراثنا، والتي نشأت من تأويلات فاسدة لبعض نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الأئمة، موضحاً أن هذه التراكمات منزلقات تؤدي إلى التطرف والتشدد الديني والتكفير لأدنى ملابسة أو سبب، وفيها نزعات انغلقت على آراء فقهية وعقدية، تراها الحق الذي لا حق غيره، وتحكم على من يخالفها بالكفر وبالخروج من الملة، وهذا ما حفظه لنا التاريخ عن الخوارج قديماً واجترائهم على قتل الصحابة بعد تكفيرهم، وقتل على كرم الله وجهه، وبقر بطون الحوامل.. وهو أيضاً ما يعود اليوم إلى الساحة من جديد على أيدى هؤلاء المتطرفين.. ومن قبلهم على أيدى كثيرين سلكوا مسلك التكفير المتبادل بين أتباع المذاهب المختلفة، التي يتسع لها الإسلام ويطويها تحت جناحه الرحب؛ وراحوا يعلنون الجهاد على المسلمين الآمنين، فيقطعون الرؤوس ويحرقون الأسرى وهم أحياء.. مصدر فتنة وفرقة ويوضح د. الطيب أن هؤلاء المتطرفين والتكفيريين ما كانوا ليقدموا على تجاوز الحدود الشرعية لولا أنهم يعتقدون اعتقاداً خاطئاً زائفاً بأنهم قادة جيوش مسلمة ضد شعوب كافرة، وفي ديار كافرة، وهم يعثرون على ما يبرر انحرافهم الديني والعقدي في تراث الخوارج وغير الخوارج ممن اعتنقوا عقيدة التكفير وتمذهبوا به قديماً وحديثاً، وصاروا مبعث فتنة ومصدر فرقة واختلاف وتمزق لوحدة المسلمين في القديم والحديث أيضا. ويحذر شيخ الأزهر من الأثر المدمر لتصاعد موجات التطرف والتكفير في تمزيق وحدة الأمة، وما تثمره هذه النزعة المقيتة من أشواك الكراهية والأحقاد بين المسلمين، وما يترتب على ذلك من التشرذم والانقسامات، حيث يزعم كل فريق أنه المسلم الحقيقي وأن غيره إما خارج عن الملة حلال الدم والعرض والمال، أو فاسق يجب اجتنابه، وتجب كراهيته، وغير ذلك من الفتاوى العابثة بدين الله ورسوله والتي دفعت بعض شبابنا إلى ممارسة العنف وإزهاق الأرواح وإراقة الدماء والإفساد في الأرض باسم الإسلام، وهو بسماحته وعدله وعفوه ووسطيته بريء من أفكارهم الشاذة، وأفعالهم القبيحة، وجرائمهم المنكرة. جهل وقلوب متحجرة العالم الأزهري د. علي جمعة مفتي مصر السابق وعضو هيئة كبار العلماء يؤكد خطورة ترك الفكر المتطرف من دون مواجهة جادة وحاسمة، حيث يمثل متطرفو العصر خطراً بالغاً على المجتمعات المعاصرة - إسلامية كانت أو غير إسلامية - ويقول: الفكر المتشدد لم يعد أسير عقول أصحابه، بل يقود ضحاياه من الجهلاء والحمقى وأصحاب العقول المغلقة إلى انتهاج العنف وارتكاب الجرائم، كما شاهدنا خلال الشهور الماضية في عدد من الدول العربية والإسلامية، ففكر هؤلاء الجهلاء البعيد كل البعد عن تعاليم وأحكام الإسلام هو الذي قادهم إلى قتل إخواننا المسيحيين في ليبيا، وهو الذي قادهم إلى حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً، وهو الذي جعلهم يستبيحون دماء غير المسلمين في العراق وسوريا فخطفوا بعض رعايا الدول الغربية وذبحوهم في مشاهد غير مسبوقة تجسد مدى تحجر قلوبهم وانعدام مشاعرهم الإنسانية. ويؤكد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن الفكر المتشدد غريب على الإسلام، ودخيل على ثقافة المسلمين الشرعية، ولذلك ينبغي على دعاة الإسلام في كل مكان مواجهته بصحيح الدين من خلال رصد مزاعم هؤلاء المتطرفين والرد عليها، وتفنيدها وكشف كذب أصحابها وتحذير الناس منهم. وبنظرة تفاؤل وأمل يؤكد د. جمعة أنه لن يصح إلا الصحيح، وأن الهزيمة تنتظر المتطرفين، فالشعوب العربية والإسلامية شعوب معتدلة في مزاجها الديني وهي تنحاز دائما إلى التوسط والاعتدال، فضلا عن أن شريعتنا الإسلامية بطبيعتها طاردة لكل فكر متشدد، لأنها تقوم على اليسر والعفو والتسامح، وتتميز بالمرونة والسعة، وتواكب كل أحداث الحياة المتجددة، وتلبي حاجة المسلمين في كل مكان وفي كل عصر، ولذلك هي لا تعطي الفرصة لأحد لكي يزايد عليها. فتاوى مسمومة ويحذر عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر جماهير المسلمين في كل أرجاء المعمورة من الانخداع بفتاوى التكفيريين الذين يتخذون من الدين ستاراً للتغطية على جرائمهم ضد الدين والوطن والمواطن، ويرددون مقولات كاذبة لا يقرها دين ولا عقل ولا منطق، مشيراً إلى خطورة الاستماع إلى هؤلاء المتطرفين والسير خلفهم والانخداع بضلالهم حيث يفتون في أمور الدين وهم أجهل خلق الله به؛ ويستحلون دماء بريئة ويجيزون الحرق والقتل والتخريب باسم الإسلام، كما أنهم يرتكبون جرائم منكرة لا يقبل مشاهدتها والوقوف على تفاصيلها إلا غلاظ القلوب ومعدومو الإحساس، والغريب والشاذ أنهم يعتبرون ذلك كله من الجهاد المشروع، وخدمة دين الله. وينبه مفتي مصر السابق جماهير المسلمين في كل مكان إلى خطورة الاستماع إلى فتاوى هؤلاء المخربين، مشيرا إلى أن بعض فتاواهم المسمومة التي لا يؤيدها شرع، ولا عقل ولا منطق، ألقت ببعض الشباب إلى التهلكة ففجر البعض نفسه طمعا في وهم غرسه المتطرفون في عقولهم، كما تسبب بعض هذه الفتاوى في فقد بعض أوطاننا العربية لشباب يصعب حصرهم سقطوا ضحايا التحريض على العنف والفتاوى المسمومة للمتطرفين. وهنا ينتهي د. جمعة إلى ضرورة أن يرجع الشباب في أمور الدين إلى العلماء المتخصصين، وأن يتجنبوا ضلال المتطرفين الذين يستهدفون بضلالهم خلق حالة من العداء غير المبرر بين الشباب والسلطات القائمة في بلادهم. خلل نفسي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر د. محمد المهدي يصف المتطرفين بأنهم مرضى النفس والعقل، ويؤكد أن الدراسة العلمية لسلوكياتهم الإجرامية تؤكد أنهم ليسوا أسوياء من الناحية النفسية، ذلك أن المفاهيم الدينية الخاطئة العالقة بعقولهم ت ؤكد معاناتهم من مشكلات نفسية، وهذه المشكلات النفسية هي التي تقودهم إلى الانطواء والعزلة عن المجتمع أولا، ثم الانتقام من المجتمع بعد ذلك. ويضيف: إن معظم المتطرفين من الفقراء والمهمشين اجتماعياً، حيث يجد هؤلاء في التشدد الديني ضالتهم في الانتقام من المجتمع، ولذلك فإن الخطوة الأولى لمواجهة التطرف الديني هي مواجهة مشكلات الفقر والبطالة المنتشرة في البلاد العربية، فالعاطل قنبلة موقوتة ضد نفسه وضد المجتمع الذي يعيش فيه. ويطالب أستاذ الطب النفسي بتحصين عقول الأطفال والشباب منذ الصغر بالثقافة الإسلامية الصحيحة وحسن عرض تعاليم وأحكام الإسلام لقطع الطريق على المتطرفين الذين يستغلون الخواء الفكري للشباب ويحشون عقولهم بأفكار متطرفة.. مؤكداً أن الصورة الحقيقية للإسلام لا تزال بعيدة عن عقول أطفالنا وشبابنا، كما أن تعاليم ومبادئ وأخلاقيات الإسلام التي تؤكد أنه دين منفتح يرفض التشدد والغلو في كل شيء لا تزال غائبة عن أذهان كثير من الصغار والبالغين. ويحذر أستاذ الطب النفسي من محاولات عزل الأجيال الجديدة عن الثقافة الإسلامية بزعم حمايتهم من التطرف والغلو الديني؛ مشيراً إلى أن الإسلام في صورته الحقيقية دين وسطية واعتدال وكل تعاليمه وأحكامه تستهدف مصلحة الإنسان، فلا يأمر الدين بشيء إلا إذا كانت فيه مصلحة، ولا ينهى أو يحذر من شيء إلا إذا كان فيه ضرر، ولذلك لا خوف على الإنسان من تعاليم الدين وتوجيهاته، والذين يحاربون التدين تحت شعار مواجهة التطرف مخطئون، لأن التدين الحقيقي شيء والتطرف شيء آخر، فالتدين يقود الإنسان إلى حياة معاً، ويدفعه إلى الالتزام الأخلاقي، أما التطرف فينحرف به عن طريق الحق ويقوده إلى سلوكيات خاطئة لا تحقق له فائدة. ويطالب د. المهدي بتقديم حقائق الدين للشباب بصور سهلة ومبسطة وتشجيع التدين الصافي الذي يعرف الإنسان حقوقه ويلزمه بواجباته، ويقول: أولادنا في أمس الحاجة إلى تدين نقى يفرض على الإنسان أن يقوم بواجباته ويحترم عمله ويتعامل مع المحيطين به برقي وتحضر، وأن يؤدي عمله بإخلاص وكفاءة، وأن يحافظ على المال العام، ولا يقبل رشوة أو هدية تؤثر على ميزان العدالة، فهذه القيم والأخلاقيات الدينية أولادنا في أمس الحاجة إليها، وعلينا أن ندرك أن التدين المعتدل قادر على مواجهة كل الصور السلبية في حياتنا، وهو الذي يواجه مشكلة التشدد الديني التي نعانيها في معظم أقطارنا العربية والإسلامية. دعاة منفرون الداعية والأستاذة الأزهرية د. آمنة نصير العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية تؤكد أن التطرف الديني لم يخترق عقول بعض الشباب الذي فقد هويته الدينية الصحيحة فحسب، بل تسربت لوثة الفكر المتشدد للأسف إلى عقول بعض الدعاة الذين يعتلون المنابر وينفرون الناس من الإسلام، ولذلك تطالب المؤسسات المسؤولة عن الدعوة والدعاة في عالمنا العربي بمواجهة هؤلاء وإخلاء الساحة الإسلامية منهم حتى لا يتخذ سلوكهم الفردي حجة على الإسلام والمسلمين. وتضيف: المتطرفون ليسوا حجة على الإسلام ولا على الغالبية العظمى من دعاة الإسلام الذين يتبنون منهج التيسير، وهو منهج الإسلام الحق، ورغم أن المتشددين موجودون في كل زمان ومكان وهم منبوذون لأنهم يصدرون في تشددهم عن تصور خاطئ لمهمتهم، حيث يتصورون أنفسهم أوصياء على الدين وعلى الناس، إلا أن مواجهتهم واجبة وحماية المسلمين من ضلالهم وشرورهم مسؤولية كل مؤسسات المجتمع الدينية والفكرية والثقافية والإعلامية فهم يحملون كل الشر لمجتمعاتنا العربية والإسلامية.
مشاركة :