البهائيون في مصر يخوضون رحلة البحث عن هوية وعقد زواج ومقبرة | هبة ياسين

  • 1/24/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أكثر من 900 كيلومتر هي المسافة الطويلة الممتدة من أسوان إلى القاهرة التي اضطر حازم أن يقطعها بصحبة أسرته ليتمكن من دفن جثمان والد زوجته أخيرا لعدم وجود مقابر في أي من محافظات جنوب مصر لدفن البهائيين الذين ينتمي إليهم الراحل في ظل تحريم دفن أبناء هذه الطائفة في مقابر المسلمين أو المسيحيين. واضطرت الأسرة إلى أن تقطع مسافة طويلة بالسيارة لتواري جثمان فقيدها في مقابر تابعة للبهائيين بمنطقة البساتين في القاهرة، وتحمّل الكثير من المنغصات والمتاعب الشاقة، حيث كشفت الرحلة عن دروس عديدة يعيشها أبناء هذه الطائفة في مصر. وقال حازم لـ”العرب” إن هذه الرحلة لم تكن معاناة لأسرته فقط، لكنها مشكلة نفسية تواجه كل العائلات المنتسبة إلى البهائية في مصر، حيث ينص التشريع الخاص بها على عدم جواز نقل الجثمان لفترة تزيد عن ساعة احتراما للفقيد، بينما استغرقت الرحلة من أسوان في جنوب مصر إلى القاهرة نحو عشر ساعات. وقضت محكمة القضاء الإداري في مدينة الإسكندرية المطلة على البحر المتوسط قبل أيام قليلة من نهاية ديسمبر الماضي برفض إلزام محافظها بتخصيص أراض لاستخدامها كمقابر لغير أتباع الأديان الثلاثة، لينتفع بها المواطنون المسجل بخانة الديانة في أوراقهم الرسمية علامة (-) وهم البهائيون باعتبارهم فئة رابعة من فئات التنوع الديني المسجلة في الأوراق الرسمية، ولا يمكنهم دفن موتاهم في مقابر المسلمين أو المسيحيين أو اليهود، فأماكن الدفن مقسمة حسب الديانات السماوية. وأشار بيان للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إلى قيام مجموعة من المواطنين البهائيين المقيمين في الإسكندرية المسجل في أوراقهم علامة (-) بالتقدم بدعوى ضد رئيس الوزراء ووزير الإدارة المحلية ومحافظ الإسكندرية ومدير إدارة الجبّانات (المقابر) بالإسكندرية طالبوا فيها بإلغاء قرار الامتناع عن تخصيص أراض لمقابر هذه المجموعة من المواطنين، وتولت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية رفع القضية والدفاع عنهم. وينص القانون المصري على أن أراضي المدافن يتم تخصيصها من قبل المحافظة (السلطة المحلية)، وأي مواطن يريد دفن ذويه عليه الذهاب إلى المحافظة لتشير إليه بالأماكن التي يمكن شراء أراض بها حسب تنظيم كل محافظة. رحلة من المعاناة حاتم الهادي: البهائيون في مأزق لذلك لجأوا إلى القضاء للحصول على أرض لدفن موتاهم صدرت فتوى من الأزهر بالقاهرة في ثلاثينات القرن الماضي نصت على عدم جواز دفن البهائيين أو أي ممن يسمّون بـ”أحرار العقيدة” في مدافن المسلمين. ووفقا لهذه الفتوى خصصت الحكومة المصرية أراضي لدفن موتى البهائيين في كل من القاهرة ثم بورسعيد والإسماعيلية في منطقة قناة السويس بشرق القاهرة، وقررت تخصيص أراض لدفن غير المنتمين إلى الأديان الثلاثة، وبعد صدور قرار بحل المحافل البهائية وحظر أنشطتهم في ستينات القرن الماضي استعادت الدولة أراضي تلك المدافن ولم يتبق للبهائيين سوى مقبرة واحدة مخصصة لدفن موتاهم في حي البساتين بالقاهرة. ولا توجد طقوس أو مراسم مختلفة للبهائيين تدفع إلى منعهم من الدفن، حيث يوضع جثمان الميت في صندوق خشبي ويوارى الثرى، وكل جثمان له حفرة خاصة به، وقبل الدفن تكون هناك صلاة خاصة على الميت. وتكمن الصعوبة في دفن البهائيين لموتاهم في أن القانون المصري ينص على أن كل الأوراق الثبوتية، ومن بينها تصريح دفن الميت، تتطلب وجود خانة الديانة، لذا لا يمكنهم دفن شخص أو حتى شراء مدفن خاص لأنهم من غير أتباع الديانات الثلاث وخانة الديانة في بطاقة الهوية الشخصية توضع بها علامة (-). وقال المنسق الإعلامي للبهائيين في مصر حاتم الهادي لـ”العرب” إن مدفن البساتين ضاق بجثامين البهائيين، وبدأت الأماكن المتاحة للدفن فيه تتقلص، وجاء تفشي وباء كورونا ليفاقم الأوضاع مع زيادة عدد الوفيات لذلك اتجه البهائيون للبحث عن قطعة أرض لتكون مدفنا لموتاهم، وبدأت المساعي بتقديم طلبات رسمية قوبلت بالتجاهل أو الرفض، وتم اللجوء إلى رفع دعوى قضائية تبنتها المبادرة المصرية. ويجد البهائيون في مصر أنفسهم بين مطرقة فتوى الأزهر بعدم جواز دفن موتاهم في مقابر المسلمين وسندان فتوى أزهرية أخرى تُحرم تخصيص أراض لمقابرهم. وكان اللواء محمد الشريف محافظ الإسكندرية قد طلب استشارة مشيخة الأزهر بخصوص الدعوى وجاء الرد بمذكرة أعدها مجمع البحوث الإسلامية التابع له انتهى فيها إلى أنه “لا يجوز تخصيص قطعة أرض لدفن موتى البهائيين”. وردّت مذكرة المبادرة المصرية على رأي مجمع البحوث الإسلامية بأنه جاء مرتبكا ومتناقضا ولا يستند إلى دليل أو رأي شرعي بل إلى تقييم سياسي مردود عليه بأن هذا التخصيص من تقاليد الدولة المصرية كما هو ثابت في قرارات سابقة، ولم يهدد ذلك نسيج المجتمع ولم يفض إلى تفرقة أو انقسام، ومن غير المفهوم أن يؤدي تخصيص مقابر لفئة من المواطنين إلى التمييز. ويعتزم البهائيون استئناف الحكم، لكن المشكلة أن حيثياته تستند إلى الدستور الذي ينص على حرية العقيدة من دون أن يقنن حالة من هم من غير أتباع الديانات الثلاث. وأكد الهادي أنهم الآن في مأزق حاد، فقد تم اللجوء إلى القضاء للحصول على أرض لدفن موتى أبناء هذه الطائفة فقوبلت جميع الطلبات بالرفض. وكشف عن مخاوف وقلق العائلات البهائية لأن مدفن البساتين في القاهرة لن يتسع لكل أعداد الموتى الجدد، مع خشيتها من عدم توافر أماكن للدفن مستقبلا. البهائيون في مصر منذ حلّ المحافل البهائية في مصر عام 1960 لا يوجد إحصاء رسمي لأعداد البهائيين، وعندما حُل المحفل ُقدر عددهم في ذلك الوقت بنحو عشرة آلاف منذ حلّ المحافل البهائية في مصر عام 1960 لا يوجد إحصاء رسمي لأعداد البهائيين، وعندما حُل المحفل ُقدر عددهم في ذلك الوقت بنحو عشرة آلاف لا توجد تقديرات محددة بأعدادهم في مصر، ولا يوجد حصر لهم لدى الطائفة البهائية نفسها، لأن ثمة أشخاصا يمتنعون عن تسجيل بياناتهم بسبب مشكلة الأوراق الثبوتية والهوية وخشية الوقوع في مشكلات وهو ما يجعلهم يحتفظون بالانتساب إلى الديانة الإسلامية أو المسيحية في الأوراق الرسمية. ومنذ حل المحافل البهائية في مصر عام 1960 لا يوجد إحصاء رسمي لأعداد البهائيين، وعندما حُل المحفل ُقدر عددهم في ذلك الوقت بنحو عشرة آلاف. ويقول البعض إن أعداد البهائيين قليلة ولا يحتاجون إلى المزيد من المقابر، لكن حاتم الهادي استنكر هذه الأمر قائلا “هذا ليس منطقا للحكم، وكيف لا يسمح لنا بالدفن في مقابر المسلمين، ولا يجوز أن تخصص أراض للدفن، فهل هذا من مبادئ المواطنة؟ بغض النظر عن العدد، فأنا مواطن مصري وأحمل جنسية هذا البلد، ماذا أفعل أنا وعائلتي ونحن لا نجد مدفنا؟”. ولا تتوقف معاناة البهائيين المصريين عند صعوبة الحصول على مدفن لجثامين ذويهم، فثمة مشكلات أخرى تواجههم مثل الأوراق الثبوتية وتوثيق عقود الزواج. وقال الهادي “لا نريد أن نميز أنفسنا، ونأمل أن تتلاشى التحديات التي يواجهها البهائيون في مصر، مثل الأوراق الثبوتية حيث نجد صعوبة في وضع علامة (-) أحيانا في بطاقة الهوية إذا لم يستطع الشخص إثبات أن والده أو عمه بهائي، ولا يوجد سوى مكان واحد في مصر لاستخراج الأوراق الثبوتية”. كما أن عقود الزواج البهائية غير مسجلة وغير معترف بها رسميا ولا يمكن توثيقها في مصلحة الشهر العقاري، فرغم أن عقد الزواج البهائي صحيح من ناحية الإشهار والقبول، لكن لا يتم إثبات هذا الزواج أو إصدار بطاقات عائلية للبهائيين. وأشار إلى أن ثمة مقترحات يمكن تنفيذها لإزالة هذه التحديات وحل الكثير من المشكلات تتطلب توقيع الوزير والمسؤول المختص بقرار تنفيذي، وتحتاج التشريعات المقترحة إلى كتلة برلمانية كي تتبناها وتسعى لتغييرها. ثلاثة مطالب رئيسية عمرو عزت: مشاكل البهائيين تتمثل في أوراق هوية وعقد زواج ومدافن أوضح الباحث في وحدة الحريات المدنية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عمرو عزت لـ”العرب” أن مشاكل البهائيين تتمثل في أوراق هوية وعقود زواج ومدافن، والمطالب الثلاثة تعكس مشاكل أساسية تواجه البهائيين في مصر، فبعضهم لا يمكنهم الحصول على علامة (ــ) في خانة الديانة وما يزالون مقيدين على ديانة العائلات التي ينتمون إليها من المسلمين أو المسيحيين بسبب التعقيدات الإدارية، وهو ما ينتج عنه أنهم قد يدفنون وفقا لطقوس وفي مقابر ديانة أخرى. كما أن توثيق عقود الزواج يحتاج إلى حل، فأجهزة الدولة في مصر لا تعترف بالديانة البهائية ولا تعترف بالزواج حسب تشريعها، لذلك فمعظم البهائيين مسجلون غير متزوجين، ما يُعقد أوراقهم الثبوتية والشخصية ويخلق مشكلات جمة في الميراث والقيد العائلي فيحاولون إثبات الزواج أمام محاكم الأسرة، حيث تنجح بعض القضايا وتفشل أخرى. ويعتبر البعض تلبية المطالب الأساسية لحقوق البهائيين مدخلا لتوسيع نطاق حرية العقيدة في مصر لتصبح حقوقا لكل مجموعة تعتنق ديانة خلاف الأديان السماوية الثلاث، فهناك دول عربية مثل الإمارات والبحرين والمغرب وسلطنة عمان بدأت في الانتباه إلى أن هناك أديانا غير الأديان المعروفة ووضعت تشريعات خاصة بها. وذكر عمرو عزت لـ”العرب” أن المنظومة الحالية تتعامل على أن الأديان مقتصرة على الإسلام والمسيحية واليهودية، وباتت مصر متأخرة في هذا الصدد مع أنها من أوائل الدول التي امتلكت تقاليد تخص حقوق المنتمين إلى غير الأديان الثلاثة. ورغم أن تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في ما يخص حرية العقيدة ذات سقف مرتفع وأطلقها في أكثر من مناسبة، لكن التشريعات ضيقة ما يعني أن هناك خللا يحتاج إلى إصلاح دون الحديث عن تفاصيل الدين والطائفة البهائية كخطوة أولى لتيسير حياة الناس والحفاظ على حقوقهم في المواطنة. وشدد عمرو عزت في تصريح لـ”العرب” على أن المسؤولية تقع على كاهل الجهات التنفيذية والتشريعية والقضائية، حيث يمكنها تغيير الواقع في ما يخص الحقوق الأساسية، وقد يعترض البعض من الأشخاص من ذوي التفكير الضيق تجاه حرية العقيدة، والرد على المعترضين أن هذه الفئات كانت لها بالفعل مقابر خاصة بها، وتضاءل عددها ولم يتبق سوى مدفن واحد بالقاهرة لا يؤذي أحدا. ماهية البهائية Thumbnail البهائية هي إحدى الديانات التوحيدية، أسسها حسين علي النوري المعروف باسم بهاءالله في إيران في القرن التاسع عشر، ويرجع تاريخها في مصر إلى عام 1868، وتدعو إلى التآخي والسلام والمحبة والأخلاق والخير والرفاهية للجميع. ينتشر البهائيون في الكثير من دول العالم، وهناك موقع رسمي لكل بلد بما فيها مصر، ومعابد البهائيين منتشرة في دول مختلفة ومفتوحة لكل شخص بغض النظر عن ديانته. ولا توجد معابد للبهائيين في مصر، ويستعيض أتباعها بالصلاة في منازلهم، وتقام أنشطتهم على المستوى الفردي، وتعقد جلسات دعاء ويفتح المنزل للأقارب والجيران وقراءة الكلمات الإلهية والتأمل في معناها، وقد تكون من كلمات الحبيب بهاءالله أو القرآن أو الإنجيل أو التوراة أو أيا من الكتب التي تدعو إلى الرقي الروحاني والإنساني وتأمل الكلمة الإلهية وتطبيقها.

مشاركة :