علاج ارتفاع ضغط الدم بلغة النتائج

  • 11/20/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ثمة مساحات ضبابية واسعة في عالم نتائج المعالجات الطبية. وتلك الضبابية لا يُمكن معرفة ما الذي يحصل فيها بالضبط، لأن جزءًا كبيرًا من تلك المعالجات الطبية يجري فعليًا خارج المستشفيات، وجزء صغير جدا يجري داخلها تحت نظر الأطباء والممرضين ويتم تدوين مجريات أحداثها، ولكن يُمكن معرفة أن ما يجري ليس هو المطلوب، بدليل النتائج غير المأمولة. دعونا نأخذ على سبيل المثال معالجة مرض ارتفاع ضغط الدم، وهو من الأمراض الأعلى شيوعًا في العالم، والأسهل معالجة بالأدوية، وهو أيضًا من بين الأمراض الأقل تكلفة مادية في تحقيق نجاح المعالجة، والأعلى في سوء المضاعفات والتداعيات. ووفق إصدارات المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها CDC، التي تم تحديثها في فبراير (شباط) 2015، يُصيب هذا المرض ثُلث عموم البالغين في الولايات المتحدة، أي واحدًا من بين كل ثلاثة أشخاص بالغين، أي أن نحو 70 مليون إنسان مصابون بارتفاع ضغط الدم في الولايات المتحدة وحدها. وتُضيف المراكز أن علاجهم يُكلف سنويًا 46 مليار دولار سنويًا، وهو مبلغ منخفض نسبيًا مقارنة بأمراض القلب التي تُكلف أكثر من 300 مليار دولار سنويًا أو السكري نحو 275 مليار دولار سنويًا. وأن نحو ألف وفاة يوميًا تحصل في الولايات المتحدة يكون فيها مرض ارتفاع ضغط الدم هو السبب الأول، أو ضمن مجموعة أسباب الرئيسية للوفاة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مرض ارتفاع ضغط الدم يُؤدي إلى حدوث نوبة جلطة القلب لدى كل 7 من بين كل 10 حالات، وحدوث سكتة دماغية لدى كل 8 من بين كل 10 حالات، وفشل القلب المزمن لدى كل 7 من بين كل 10 حالات، أي بالمحصلة هو مرض واسع الانتشار بين البالغين وسهل المعالجة بتناول الأدوية التي يصفها الطبيب للمريض، والتي يضبط أنواعها وكمية جرعاتها الطبيب حال مراجعة المريض له في العيادة، ومن ثم تحصل النتائج وفق ملاءمة دخول جسم المريض تلك الأدوية لمعالجة ارتفاع ضغط الدم لديه. القصة إلى هنا مفهومة: حالة ارتفاع في ضغط الدم ودواء ناجح جدًا في خفضه، والمطلوب أمران: وصف الطبيب للدواء أو الأدوية الملائمة، وتناولها من قبل المريض وفق ما تنص عليه إرشادات الطبيب. وعليه تكون النتائج متوقعه، نجاح بنسبة تتجاوز 90 في المائة. ولكن هل هذا هو ما ينتج لدينا. ووفق ما تم نشره في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي من قبل المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها فإن نصف مرضى ارتفاع ضغط الدم في الولايات المتحدة، وتحديدًا 47 في المائة منهم، لا يتم النجاح في ضبط الارتفاع في ضغط الدم لديهم، مما يعني ارتفاع احتمالات الإصابة بنوبة الجلطة القلبية والسكتة الدماغية، على الرغم من ثبات أرقام معدل الإصابات به. وعلى الرغم من اعتراف المراكز أن ثمة تحسنًا كبيرًا مقارنة بما كان الحال عليه في عام 1999، إذ كانت النسبة نحو 70 في المائة، إلا أن الهدف في ذلك الحين هو الوصول إلى رقم 40 في المائة بحلول عام 2020. وهو ما علقت عليه أنه رغم كل التطور في المعالجة لا تزال الاستجابة أدنى من المتوقع. وأفادت المراكز أن جانبًا مهمًا من المشكلة في بدء المرضى تناول الأدوية واستمرارهم في ذلك ومتابعتهم لدى الطبيب ومدى الاستجابة لها. ولذا علق الدكتور ريتشارد ستين، مدير مركز قلب المجتمع في كلية طب جامعة نيويورك بالقول: «المرضى لا يُحبون تناول الأدوية، ومن السهل نسيانهم تناولها، أو لا يرون فيها جدوى واضحة». ويُضيف أن ارتفاع ضغط الدم يُسمى المرض «القاتل الصامت» ولذا لا أعراض له ظاهرة على المريض يُعاني أو يشكو منها مثل الألم أو غيره، ووصف أدوية لمريض لا يشعر بالمرض يجعل من السهل عليه عدم الالتزام بتناول علاجه الدوائي. وعادة في معالجة ارتفاع ضغط الدم يصف الطبيب نوعين من الأدوية، أي كما يقول الدكتور ستين: «فجأة يتحول المريض من لا شيء إلى نوعين دوائيين أو أكثر من المعالجة اليومية، وبالتالي انتقلنا من شخص يرى نفسه سليمًا إلى شخص يتعين عليه الشعور بأنه مريض وأن عليه تناول الأدوية اليومية». وهو ما يرى أن على الأطباء التفكير في كيفية التعامل معه خلال معاينة المريض وتقديم المشورة الطبية له. وهذا ليس وحده المثير للدهشة في تقرير المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها، بل أيضًا أن هناك نحو 22 مليون أميركي يعلمون أن لديهم مرض ارتفاع ضغط الدم ومع ذلك لا يعالجون منه، وأن نحو 14 مليون أميركي مصابون بمرض ارتفاع ضغط الدم، وتم رصد ذلك الارتفاع لديهم عبر عدة قياسات للضغط خلال مراجعاتهم الطبية، ومع ذلك لم يخبرهم أطباؤهم بأنه تم تشخيص إصابتهم بهذا المرض، وبالتالي ليسوا على علم بالأمر الحاصل في أجسامهم. وهذه النتائج تمت ملاحظتها بشكل مشابه في مناطق متعددة في العالم، ولذا هي مشكلة متعلقة بمرض ارتفاع ضغط الدم وتعامل المرضى والأطباء معه في معالجته. والأمر بداية يحتاج إلى تثقيف للمريض بشكل وافٍ لتعريفه بالمرض وتدني شدة مظاهره المرضية كأعراض مزعجة، وأهمية معالجته، وضرورة تناول المريض للأدوية، والأهم مشاركة المريض في متابعة المعالجة عبر شراء جهاز قياس ضغط الدم، وتعويد المريض على استخدامه ومتابعة استجابته للمعالجة. ودون مشاركة المريض وتفهيمه ذلك ستظل نسب النجاح أقل مما هو مأمول.

مشاركة :