أكثر من ثلاثين إنحناءة تنحنيها الموظفة التي تقدِّم لنا الشاي والقهوة أو (الصبابة) على أقل تقدير في مناسباتنا، تتخللها وقفات لا تأبه لتلك الإنحناءات من أجل التقاط الصور، مع تكرار التقاط الصورة لأكثر من مرة في حال لم تتم بالشكل المطلوب، من أجل صناعة محتوى لا يكترث لإنحناء المحتاجين، ولا يهتم لوزن الصينية التي يحملنها. وأكثر من عشرات الحوارات التافهة التي تأبى صاحبتها أن تقطعها خشية أن ينقطع حبل أفكارها وأن يخفت وهج حديثها الممل، مقابل انتظار إنحناء الصبابة كي ترأف بحالها وتلتفت لها وتأخذ الضيافة قبل أن تمر على باقي المدعوات. نحن نجعل مهمتهن أكثر صعوبة بتلك اللا مبالاة، فمتى نتعلَّم أن نسرِّع من عملية الضيافة لتسهيل مهمتهن كي نجعل عملهن يسير بسلاسة دون المزيد من الوقفات والإنحناءات، متى نتعلَّم أن الكثير من الإنحناءات في هذه الحياة أمر ليس اختيارياً، وإنما يضطر البعض لها من أجل لقمة العيش وأن مهمتنا تكمن في تهوين إنحناء الأشخاص الذين اضطرتهم الحاجة لذلك. في سلسلة لا تنتهي من ذلك لفتني منظر لفتاة عشرينية ضمن طاقم الضيافة ترتدي زياً عبارة عن فستان على شكل طاولة تحمل أنواعاً من العصيرات كنوع من الصيحات الجديدة في أسلوب التقديم! ولو افترضنا أن نمرر هذا التصرف لأي سبب ولكن من الصعب أن أتجاوز منظر الفستان عاري الكتفين في درجة حرارة تصل إلى 6 مئوية بينما ترتدي النساء المدعوات الفراء الثقيل للوقاية من هذا البرد القارس يتبادلن الضحكات والتقاط الصور لفتاة تكاد تتجمَّد من البرد، مهمتها أن تكون جزءاً من الحدث ومن الديكور، وكأنها بالفعل طاولة وليست جسداً يحتاج إلى رحمة وشفقة من سيدة تلقي على كتفيها الصغيرين الباردين شالاً يقيها هذا البرد. لست أبالغ حينما أصف ما يحدث في بعض مناسباتنا، وأن هناك أشكالاً مختلفة ما زالت تمارس وموجودة ولكننا ألفنا النظر إليها فأصبحت شيئاً غير مستنكر، ومن واجب ديني وأخلاقي وإنساني يجب أن نوقف زحفها، فنحن المسلمين أحق وأولى بالرحمة من غيرنا، والأجدر أن نتعامل مع الإنسان كإنسان بغض النظر عن مكانته الاجتماعية كي نقمع ما بقي من ذلك، لتعم مباركة المحتاجين لنا وهم يروننا نتقلَّب بالنعم. ندّعي الرقي معتقدين أنه بالثراء والزي وهو ليس كذلك، وإنما الخُلق الذي يرفع أقواماً ويدني بآخرين وإن كانوا أثرياء ومتعلمين، فلا قيمة لبشر لا يشعرون بالناس ولا ينعمون بصفات البشرية.
مشاركة :