المثقف الشيعي يُحطِّم شماعة «الفتنة»

  • 1/26/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

المثقف الشيعي جزء أصيل من المكوِّن الشيعي، والمكون الشيعي جذر راسخ في جسد الوطن الغالي الذي هو مجموعة مُكوِّنات متلاحمة، ولكل مُكوِّن خصائصه وسماته، وفي المجمل تتداخل هذه المكوِّنات لتُشكِّل في مجموعها؛ فسيفساء الوطن الكبير في منظومة متآلفة؛ مشتغلة بغاياتها البعيدة التي يأتي على رأس أولوياتها أمن الوطن واستقراره وسيادته ونهضته. مفهوم المثقف الشيعي يُحيلنا إلى شريحةٍ واسعة من المفكرين والأدباء والفنانين وغيرهم ممن أثروا المشهد الثقافي المحلي والعربي بنتاجاتهم الفريدة وإبداعاتهم المتميزة، وبالمثل فهناك شريحة واسعة بامتداد الوطن يُمثِّلها المُثقَّف السني -إن جازت لنا هذه التصنيفات- وهو الذي له إسهاماته الجلية الظاهرة في نقد الخطاب والجماعات السنية المتطرفة، والتيارات ذات التوجهات المشبوهة التي لها تقاطعات مع منظمات إرهابية خارجية؛ هدفها زعزعة أمن الوطن واستقراره. المفارقة هنا هي في موقف المثقف السني (شبه المقتصر) على نقد الخطاب والجماعات الإرهابية داخل المكون السني فحسب، وكأنه يحيل الخطاب والجماعات الإرهابية في المكون الشيعي إلى المثقف الشيعي، وهذه نظرة قاصرة؛ فأمن الوطن واستقراره لا يستدعي مثل هذه المحاصصة، ولذا ينبغي على المثقف -تحت أي مسمى- أن يتخلى عن المثالية الزائفة، ويقف على الدوام مع المصلحة الوطنية العليا، وليس كما فعل أحدهم حينما دار الحديث عن خطر الفتنة بين مكونات الوطن، وصاحبنا هذا -من المكون السني- كان كاتبًا في صحيفة محلية، وفي تلك الفترة كثَّفت صحيفته الرسومَ الكاريكاتيرية التي تفضح سياسات إيران التخريبية في المنطقة، لذلك أكد بأنه سيخاطب الصحيفة بأن تقلل من هذه الرسومات؛ توهّمًا منه أن في الرسومات ما يثير البلبلة. هذا نموذج لبعض المثقفين الذين لا ينظرون للمصلحة الوطنية العليا نظرة شمولية لا ميزة فيها ولا كرامة لأي مكون على حساب تلك المصلحة، بل ربما ترددتْ كثيرًا على ألسنة بعض المثقفين السنيين عبارة «لا تُثِير الفتنة» حينما تنتقد الجماعات الإرهابية الشيعية ذات العلاقات والصلات بالمنظمات الإرهابية الخارجية، وذات الدعم المادي والمعنوي لها. هذا الموقف (الرمادي) للمثقف السني قابله في الآونة الأخيرة موقف وطني صريح وواضح من المثقف الشيعي؛ ليتولَّى بنفسه نقد الخطاب الشيعي وتفكيكه، وتسليط الأضواء على خلفيات الجماعات الإرهابية الشيعية ذات الصلات بالمنظمات الإرهابية في الخارج، وهو الموقف الذي حظي بالإشادة والتأييد من الجميع بما فيهم المجتمع الشيعي. هذا الموقف تبنَّتهُ شريحة عريضة من المثقفين الشيعة ذات الحس الوطني الصادق المتسامي على الطائفية والهويات الصغرى، لتجعل مصالح الوطن العليا فوق كل اعتبار، وقد تناول الكُتاب والمدونون والمهتمون مواقفهم بالإشادة والثناء، وشكروا لهم حسهم الوطني غير المستغرَب، وأوردوا أسماء عدد منهم، ويمكن أن نضيف لهم الناقد محمد العباس الذي اشتغل على نقد الصحوة الشيعية من الداخل، وهناك أمثاله من الذين لهم مراجعاتهم النقدية للخطاب الديني الشيعي والجماعات الشيعية المتطرفة وذات الصلات الخارجية، وهناك آخرون لهم مواقفهم الوطنية الخالصة كمحمد رضا نصرالله وغيره. لعل المثقف الشيعي بهذه المراجعات والموقف الوطني الصادق قد رفع الحرج الزائف عن المثقف السني حينما كان يتكئ على شماعة «لا تُثير الفتنة»، فحطم تلك الشماعة حينما بدأ -أعني المثقف الشيعي- مراجعاته ونقده للخطاب والجماعات الإرهابية الشيعية بنفسه. بالطبع ليس المقصود هو التحريض على التراشق والصراع بين الهويات ولا تصفية الحسابات بينها، فقد تجاوزناها في ظل رؤية (٢٠٣٠) الفارقة والحازمة، وليس المقصود تقويم كل مكون لمنهج المكون الآخر ومعتقده أو تصويبه وتخطئته، فتلك أمور داخلية تخص كل مكون، وله ما يراه حولها؛ إنما المقصود أن يخرج الجميع في المكونين (السني والشيعي) من (مناطقهم الرمادية) ويتصدوا (دون وَرع كاذب أو تحيز مقيت أو حميَّة طائفية) لكل حركة أو تنظيم (سني أو شيعي) يمس أمن الوطن واستقراره، ويكشفوا كل من له علاقات -أيًّا كان شكلها- مع دول أو منظمات أو أحزاب خارجية، لا أن يركن البعض إلى شماعة «لا تُثير الفتنة»؛ فأمن الوطن واستقراره فوق كل اعتبار.

مشاركة :