وسط أكوام من الخشب، وأدوات تراثية خشبية قديمة، يجلس الفلسطيني السبعيني وليد خضير (أبو خال) في ورشته المتهالكة بمدينة نابلس، التي يرجع تاريخها إلى خمسينيات القرن الماضي، وبجواره آلة قديمة لتقطيع الخشب تجاوز عمرها سبعة عقود، وأخرى لتنعيمه، منهمكاً في عمل نادر يتقنه بشغف. ففي إحدى حارات البلدة القديمة بنابلس، تتربع المنجرة الوحيدة في الضفة الغربية التي ما زالت تتمسك بصناعة «القبقاب» القديم. يبدأ أبو خال عمله صباح كل يوم بتدخين الشيشة وشرب قهوته المفضّلة التي يصنعها على الفحم في منقل لا يفارق الورشة صيفاً شتاء، وهذه عادة دأب عليها منذ بدأ العمل في هذه المهنة منذ أكثر من نصف قرن. يواصل خضير الذي يعد آخر صانع قباقيب في فلسطين صناعة بدأتها عائلته قبل عقود في مدينة اللد، وقد تعلّم مهنة النجارة وصناعة القبقاب في العاشرة من عمره على يد والده وجده، وحفاظاً على المهنة التي تواجه خطر الاندثار علّمها وليد لابنه أحمد الذي بات يتقن المهنة باحتراف. مهنة صناعة القباقيب التي يعود تاريخها إلى أيام الفاطميين والعثمانيين تمر بمراحل عدة وتحتاج إلى مهارة وصبر. وعن مراحل التكوين يقول أبو خال لـ«البيان»: تبدأ صناعته بإحضار خشب البلوط أو الصنوبر، لما له من قدرة على تحمل الرطوبة، نقوم بتقطيعه إلى نصفين بالمنشار حسب المقاس المطلوب، وبعدها نزيل الزوائد على الجانبين، وتسمى هذه المرحلة «التفكيك» ، وبعدها مرحلة اللف، أي إزالة الزوائد الأمامية والخلفية من جهتي الأصابع وكعب القدم، يلي ذلك مرحلة «التقديد»،وهي مرحلة تشكيل كعب القبقاب. بعدها ننتقل مباشرة إلى مرحلة التنعيم، حف القبقاب، ثم طلائه. وأخيراً نركّب قطعة الجلد أعلى القطعة الخشبية ونثبّتها بمسامير قبقابية، ليصبح جاهزاً. وعن انقراض المهنة يؤكد خضير أن الأمر يتعلق بالتطور الحاصل في معظم مجالات الحياة وتغير ظروف السكن والمعيشة، فالبيوت العربية تراجعت على حساب السكن الطابقي، ولأن القبقاب يصدر أصواتاً عالية استعاض الناس عنه بأحذية ذات أرضية لينة لا تصدر أصواتاً تزعج الجيران. ولفت إلى أن الحمامات التركية والمساجد هي الأكثر استخداماً للقباقيب، كونها تحمي من الانزلاق وتقاوم أمراض فطريات أصابع القدم، والبعض، خاصة المغتربين، يطلبونه للاحتفاظ به كرمزٍ تراثيّ من الماضي. تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :