هناك سؤال يُطرح بقوة في الوقت الحالي – في أوروبا على الأقل - حول كرة القدم الأفريقية ولماذا لم تبدأ في العقدين الماضيين من النقطة التي وصلت فيها الكاميرون والسنغال إلى ربع نهائي كأس العالم في غضون 12 عاماً، وبالتحديد بين عامي 1990 و2002، وفازت فيها الكاميرون ونيجيريا بالميدالية الذهبية لدورة الألعاب الأولمبية. ومنذ ذلك الحين، لم تصل أي دولة أفريقية إلى الدور ربع النهائي للمونديال سوى مرة واحدة فقط، وهو الأمر الذي لا يعد تقدما كبيرا كما كان متوقعا. ورغم استمرار تأثير العديد من المشاكل المتعلقة بالبنية التحتية وسوء الإدارة على أعلى مستوى في كرة القدم الأفريقية، فإن التقدم الأبرز والأكثر وضوحا كان في أسفل الهرم الكروي، أي المنتخبات الصغيرة التي تنمو وتتطور بشكل مستمر. ولم يمض وقت طويل على الفترة التي كان يُنظر فيها إلى زيادة عدد المنتخبات المشاركة في نهائيات كأس الأمم الأفريقية من 16 إلى 24 منتخبا على أنها تسببت في انخفاض مستوى البطولة بشكل ملحوظ، لكن الأمر لم يعد كذلك الآن. لقد واصلت غامبيا مفاجآتها وكتابة التاريخ وفازت 1 - صفر على غينيا، لتبلغ دور الثمانية في مشاركتها الأولى بكأس الأمم الأفريقية. وفي دور المجموعات قدمت مستويات رائعة ولعبت بشكل منظم للغاية، وحققت فوزا مستحقا على تونس لتتأهل لدور الـ16، كما تأهلت جزر القمر إلى دور الـ16 أيضا في مشاركتها الأولى في البطولة الأفريقية، التي ودعتها بالخسارة أمام الكاميرون الدولة المضيفة 2 - 1 وهي منقوصة من حراسها وقائدها إثر طرد مبكر. وكانت موريتانيا هي المنتخب الصغير الوحيد الذي قدم مستويات سيئة. وبالنظر إلى الشكل العجيب لوجود ست مجموعات تضم كل منها أربعة منتخبات، وبالنظر إلى المستويات التي قدمتها المنتخبات الصغيرة، ربما يكون من الأفضل زيادة عدد منتخبات البطولة إلى 32 منتخبا. قد يكون هذا الأمر صعبا من الناحية اللوجيستية والبنية التحتية، لكن نظراً لفشل كل من زامبيا وجنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في التأهل، فمن الصعب الاعتراض على هذه الخطوة أو القول إنها ستؤدي إلى تراجع مستوى البطولة. في الحقيقة، يعد النظام الحالي للبطولة سيئا للغاية، في ظل تأهل أفضل أربعة منتخبات صاحبة المركز الثالث في دوري المجموعات إلى دور الستة عشر، لأن هذا النظام يعطي ميزة كبيرة للمنتخبات التي تلعب في المجموعات الأخيرة التي تعرف جيدا ما يتعين عليها القيام به من أجل ضمان التأهل، بالإضافة إلى أن هناك ظلما كبيرا فيما يتعلق بالمقارنة بين مستويات المجموعات المختلفة - من الواضح أن الفرق التي تضمن التأهل بعد أول مباراتين لا تدفع بلاعبيها الأساسيين في المباراة الثالثة. لكن من المؤكد أن النسخة الحالية شهدت إثارة كبيرة ونتائج لم تكن متوقعة على الإطلاق. ربما تكون الجولة الأخيرة من مباريات المجموعات في بطولة كأس الأمم الأوروبية – هدف فيكتور كلايسون القاتل في الوقت المحتسب بدل الضائع ليؤهل السويد على حساب بولندا، وهدف ليون غوريتزكا المتأخر في مرمى المجر الذي أنقذ ألمانيا من الخروج - أكثر إثارة، لكن ما حدث في مباريات كأس الأمم الأفريقية ربما كان أكثر أهمية، بخروج منتخب الجزائر حامل اللقب، ومنتخب غانا الذي سبق له الفوز بلقب البطولة أربع مرات. لقد كانت الجزائر هي المفاجأة الكبرى في البطولة. وكانت غانا تعاني من حالة من الفوضى العارمة قبل البطولة، حيث أقيل المدير الفني تشارلز أكونور من منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) لإفساح المجال لعودة المدير الفني ميلوفان راجيفاتش. وكان المدير الفني الصربي قد قاد غانا للوصول إلى المباراة النهائية في عام 2010، لكن أسلوبه الحذر الذي يعتمد على الاستحواذ على الكرة، والذي حقق نتائج جيدة مع المنتخب الغاني الذي كان يضم عددا من الوجوه الشابة في عام 2010 بقيادة أندريه أيو، لم ينجح في تقديم مستويات جيدة هذه المرة. وعلاوة على ذلك، استقبل المنتخب الغاني أهدافا في الدقائق العشر الأخيرة ليخسر أمام المغرب ويتعادل أمام الغابون، وهي المباراة التي انتهت بمشاجرة عكست الإحباط الكبير الموجود في معسكر الفريق، وطرد اللاعب بينجامين تيتيه. ومع ذلك، كان بمقدور غانا أن تتأهل لدور الستة عشر في حال الفوز على جزر القمر، لكن المهمة أصبحت أكثر صعوبة بعد التأخر بهدف وطرد أندريه أيو بعد تدخله على حارس مرمى جزر القمر. وتبع ذلك هدف ثانٍ لجزر القمر، ورغم الروح القتالية التي أظهرها لاعبو غانا وتمكنهم من إدراك التعادل، إلا أن جزر القمر عادت لتسجل هدفا ثالثا في الدقيقة 85، ليخرج المنتخب الغاني من دور المجموعات للمرة الأولى منذ عام 2006. ودافع رئيس الاتحاد الغاني لكرة القدم، كورت أوكراكو، عن المدرب راجيفاتش، مشيراً إلى أنه لم يحصل على الوقت الكافي مع الفريق - لكن هذا أثار التساؤل عن سبب إقالة الاتحاد الغاني لكرة القدم لأكونور قبل انطلاق البطولة بوقت قصير. وفي صباح اليوم التالي للخروج من البطولة، تأكد خبر إقالة المدير الفني الصربي بتكلفة تبلغ 275 ألف دولار. ومع ذلك، كان الوضع مختلفا تماما بالنسبة لمنتخب الجزائر، الذي دخل تلك البطولة دون أن يتكبد أي خسارة في 34 مباراة على التوالي، وكان هناك اتفاق بين الجميع على أنه أقوى منتخب في القارة. وكان الشك الحقيقي الوحيد بشأن منتخب الجزائر هو فشل منتخبات شمال أفريقيا في الفوز بلقب هذه البطولة في المسابقات التي تقام في بلدان خارج شمال أفريقيا، إذ لا تزال مصر هي الدولة الوحيدة من شمال أفريقيا التي فازت بكأس الأمم الأفريقية المقامة في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وكان ذلك في عامي 2008 و2010. وواجه المنتخب الجزائري سوء حظ في الكاميرون، وهو الشعور الذي تفاقم عندما أصدر الاتحاد الجزائري بيانا ينفي فيه الاستعانة براق شرعي لمساعدة الفريق على التخلص من سوء الحظ. وكان المنتخب الجزائري هو صاحب أكبر عدد من اللمسات في الثلث الأخير من الملعب في دور المجموعات بأكمله، كما جاء في المركز الثالث خلف نيجيريا ومالي من حيث أكبر عدد من التسديدات على المرمى، ولا يوجد أدنى شك في أن سوء أرضية الملعب الذي كان يستضيف مباريات الجزائر قد أثر كثيرا على مستوى الفريق. لقد أثبت المدير الفني لمنتخب الجزائر، جمال بلماضي، قبل عامين في مصر أنه يمتلك قدرات كبيرة كمدير فني بارز، حيث قاد المنتخب الجزائري للعب بطريقة حديثة والاعتماد على الضغط العالي على حامل الكرة، وهي الخطة التي تبدو مثالية لكرة القدم على مستوى المنتخبات. وكان المنتخب الجزائري تحت قيادة بلماضي قد تعرض لخسارة واحدة فقط في 44 مباراة قبل مواجهة سيراليون، لكنه بعد ذلك اليوم خسر مرتين في أسبوع واحد - أمام غينيا الاستوائية وساحل العاج. وفي هاتين المباراتين، ظهر خط وسط المنتخب الجزائري بشكل سيئ وسمح للاعبي الفريق المنافس بشن هجمات مرتدة سريعة في غاية الخطورة. وكانت الدقائق العشر الأخيرة ضد غينيا الاستوائية خير مثال على تفكك الفريق وعجزه عن اللعب بنفس الطريقة التي مكنته من حصد اللقب في 2019، حيث كان أربعة مهاجمين من منتخب الجزائر يقفون على خط المنتصف وينتظرون وصول الكرة لهم، بينما كان لاعبو غينيا الاستوائية يستغلون المساحات الخالية في خط وسط المنتخب الجزائري أفضل استغلال. وحدث نفس الأمر أيضا خلال الدقائق الـ15 من بداية الشوط الثاني أمام ساحل العاج، التي سجلت هدفين وأهدرت ثلاث فرص أخرى محققة. من المؤكد أن أي منتخب جيد قد يواجه صعوبات أو سوء حظ خلال البطولات، لكن من المثير بنفس القدر أن نعلم أن طرفي المباراة النهائية لكأس الأمم الأفريقية في 2019 - الجزائر والسنغال – اللذين كانا يلعبان بشكل منظم للغاية في تلك البطولة، لم يحرزا سوى هدفين فقط فيما بينهما خلال ست مباريات في البطولة الحالية! ربما تأثر المنتخبان بقصر وقت التحضير للبطولة، وهو الأمر الذي ازداد سوءا بسبب تداعيات تفشي فيروس «كورونا» - وقد لوحظ مدى تحسن مستوى المباريات بشكل عام مع تقدم دور المجموعات – لكن الشيء المؤكد هو ظهور عدد من المنتخبات الصغيرة بشكل جيد للغاية، وهو الأمر الذي يتسبب في مشاكل كبيرة لعمالقة القارة.
مشاركة :