تغيرات السوق النفطية.. سيناريوهات متضاربة

  • 1/27/2022
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعد‭ ‬سنوات‭ ‬عجاف‭ ‬استمرت‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬عاد‭ ‬سعر‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬الدولية‭ ‬للصعود‭ ‬متجاوزًا‭ ‬80‭ ‬دولارًا‭ ‬للبرميل،‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬اتخذت‭ ‬الدول‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الكبرى‭ ‬توجهًا‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬يقضي‭ ‬بالتعايش‭ ‬معها،‭ ‬وعدم‭ ‬الإغلاق،‭ ‬الذي‭ ‬عانى‭ ‬منه‭ ‬العالم‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وألحق‭ ‬خسائر‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬باقتصادات‭ ‬كل‭ ‬الدول‭. ‬ وحتى‭ ‬يوليو2021،‭ ‬كانت‭ ‬تقديرات‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬لخسائر‭ ‬الناتج‭ ‬الإجمالي‭ ‬العالمي‭ ‬تبلغ‭ ‬22‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬قطاعات‭ ‬السياحة‭ ‬والطيران‭ ‬والنقل‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬المتضررة،‭ ‬لكن‭ ‬الضرر‭ ‬امتد‭ ‬لمعظم‭ ‬القطاعات،‭ ‬وربما‭ ‬كانت‭ ‬القطاعات‭ ‬التي‭ ‬استفادت‭ ‬هي‭ ‬قطاعات‭ ‬الصحة‭ ‬والاتصالات‭ ‬وخدمات‭ ‬التوصيل‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬الدول‭ ‬والشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬هذه‭ ‬الخسائر‭ ‬الكبيرة،‭ ‬جعلها‭ ‬تفضل‭ ‬سيناريو‭ ‬عودة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬متعايشًا‭ ‬مع‭ ‬كورونا‭.‬ هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬أحدث‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬يقظة‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬النقل‭ ‬والطيران‭ ‬والسياحة‭ ‬والقطاع‭ ‬الصناعي،‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أثر‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬برغم‭ ‬المخزونات‭ ‬الكبيرة،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬كونها‭ ‬كبار‭ ‬المشترين‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭. ‬وفي‭ ‬أكتوبر2021،‭ ‬تعدى‭ ‬خام‭ ‬برنت‭ ‬85‭ ‬دولارا‭ ‬للبرميل،‭ ‬وهو‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬له‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬2014‭. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الارتفاع‭ ‬نتيجة‭ ‬زيادة‭ ‬الطلب‭ ‬بقوة‭ ‬وسط‭ ‬شح‭ ‬الإمدادات‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬التعافي‭ ‬من‭ ‬الجائحة،‭ ‬والزيادة‭ ‬الجنونية‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬الغاز‭ ‬والاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬النفط‭ ‬كبديل‭ ‬لتوفير‭ ‬الوقود،‭ ‬استعدادًا‭ ‬لشتاء‭ ‬قارس‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا،‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الفحم‭ ‬وشح‭ ‬إمداداته‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭ ‬خاصة‭ ‬الصين،‭ ‬وسياسات‭ ‬‮«‬أوبك‭ ‬بلس‮»‬،‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬ارتفاعات‭ ‬ضئيلة‭ ‬لا‭ ‬تواكب‭ ‬السوق،‭ ‬واستمرار‭ ‬تقلص‭ ‬إمداد‭ ‬الخام‭ ‬الأمريكي‭ ‬بمقدار‭ ‬مليوني‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭.‬ ومع‭ ‬إقفال‭ ‬أول‭ ‬أسبوع‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الجديد،‭ ‬بلغ‭ ‬سعر‭ ‬خام‭ ‬‮«‬برنت‮»‬،‭ ‬82.53‭ ‬دولارا‭ ‬للبرميل،‭ ‬و‮«‬غرب‭ ‬تكساس‮»‬،‭ ‬79‭.‬96‭ ‬دولارا‭ ‬للبرميل،‭ ‬وخام‭ ‬‮«‬أوبك‮»‬‭ ‬78‭.‬93‭ ‬دولارا‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬الإمدادات‭ ‬على‭ ‬ملاحقة‭ ‬الزيادة‭ ‬السريعة‭ ‬في‭ ‬الطلب،‭ ‬توقع‭ ‬بنك‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬جولد‭ ‬مان‭ ‬ساكس‮»‬،‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬خام‭ ‬برنت‭ ‬إلى‭ ‬90‭ ‬دولارا،‭ ‬بنهاية‭ ‬العام‭ ‬الحالي،‭ ‬وعزز‭ ‬هذا‭ ‬التوقع‭ ‬إقبال‭ ‬المضاربين‭ ‬على‭ ‬الشراء‭ ‬بكميات‭ ‬كبيرة،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأسعار‭ ‬قد‭ ‬تهاوت‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬الطلب‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬20‭ ‬و27‭ ‬دولارا‭ ‬للبرميل،‭ ‬وأدت‭ ‬محدودية‭ ‬السوق‭ ‬حينئذ‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬توصل‭ ‬أوبك‭ ‬وروسيا‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬حول‭ ‬خفض‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتقليص‭ ‬العرض‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭.‬ ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬اقتصادات‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬قد‭ ‬عانت‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬من‭ ‬انخفاض‭ ‬هذه‭ ‬الأسعار،‭ ‬ووقعت‭ ‬ميزانيتها‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬العجز،‭ ‬واضطرت‭ ‬إلى‭ ‬السحب‭ ‬من‭ ‬صناديقها‭ ‬السيادية،‭ ‬والاقتراض‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬المالية‭ ‬الدولية،‭ ‬وتأجيل‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشروعات‭ ‬استراتيجية،‭ ‬وتنفذ‭ ‬استراتيجيات‭ ‬تنموية‭ ‬لعالم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬النفط،‭ ‬لتنقل‭ ‬اعتمادها‭ ‬الأساسي‭ ‬إلى‭ ‬القطاعات‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭. ‬ومع‭ ‬صدمة‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬وانخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬قد‭ ‬نفذت‭ ‬إجراءات‭ ‬عديدة‭ ‬كبحًا‭ ‬للإنفاق،‭ ‬واستحدثت‭ ‬مصادر‭ ‬إيرادات‭ ‬حكومية‭ ‬بديلة‭ ‬للعائدات‭ ‬النفطية،‭ ‬فزادت‭ ‬السعودية‭ ‬مثلاً‭ ‬ضريبة‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمثالها،‭ ‬وفيما‭ ‬كان‭ ‬إجمالي‭ ‬عجز‭ ‬ميزانيات‭ ‬الدول‭ ‬الست‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬143‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬توقعت‭ ‬وكالة‭ ‬‮«‬استاندرد‭ ‬آند‭ ‬بورز‮»‬‭ ‬للتصنيف‭ ‬الائتماني،‭ ‬أن‭ ‬ينخفض‭ ‬هذا‭ ‬العجز‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬80‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2021،‭ ‬مدعومًا‭ ‬بارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬وتحسن‭ ‬الأوضاع‭ ‬المالية،‭ ‬وانتعاش‭ ‬الإنتاج‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬بفضل‭ ‬تخفيف‭ ‬إجراءات‭ ‬مكافحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذات‭ ‬الوكالة‭ ‬قد‭ ‬توقعت‭ ‬عودة‭ ‬عجز‭ ‬الميزانيات‭ ‬الخليجية‭ ‬إلى‭ ‬الارتفاع‭ ‬في‭ ‬2023‭ ‬و2024،‭ ‬متأثرًا‭ ‬بتوقع‭ ‬أن‭ ‬ينخفض‭ ‬سعر‭ ‬النفط‭ ‬ويقل‭ ‬الإنتاج‭.‬ وما‭ ‬أن‭ ‬ارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الربع‭ ‬الأخير‭ ‬لعام‭ ‬2021،‭ ‬حتى‭ ‬قررت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والصين،‭ ‬واليابان،‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬مخزوناتها‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الارتفاع‭. ‬ومع‭ ‬قرار‭ ‬‮«‬أوبك‭ ‬بلس‮»‬،‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬بمعدل‭ ‬400‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭ ‬لشهر‭ ‬يناير‭ ‬الحالي،‭ ‬والتهديد‭ ‬المحتمل‭ ‬الذي‭ ‬يشكله‭ ‬المتحور‭ ‬الجديد‭ ‬لكورونا‭ ‬‮«‬أوميكرون‮»‬‭ ‬على‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي؛‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬زيادة‭ ‬معروض‭ ‬النفط،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعاره،‭ ‬التي‭ ‬هبطت‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬65‭ ‬دولارا‭ ‬للبرميل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تجاوزت‭ ‬الـ80‭ ‬دولارا‭.‬ ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬تقلبات‭ ‬في‭ ‬الأجل‭ ‬القصير،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التحذير‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬وزير‭ ‬الطاقة‭ ‬السعودي،‭ ‬الأمير‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬عالميًا‭ ‬قد‭ ‬ينخفض‭ ‬بمقدار‭ ‬30‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭ ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬العقد؛‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬ما‭ ‬ينفق‭ ‬على‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬موارد‭ ‬جديدة‭ ‬وتطويرها‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬مجمل‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي‭ ‬سيكون‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا،‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬والطويل‭ ‬سيواجه‭ ‬العالم‭ ‬أزمة‭ ‬طاقة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬عودة‭ ‬الأسعار‭ ‬إلى‭ ‬الارتفاع،‭ ‬وقد‭ ‬تتجاوز‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬100‭ ‬دولار‭ ‬للبرميل‭.‬ يأتي‭ ‬هذا‭ ‬فيما‭ ‬استبعد‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬2022،‭ ‬رغم‭ ‬تعافي‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الخام،‭ ‬وعودته‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬كورونا،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬سترفع‭ ‬إنتاجها‭ ‬النفطي‭ ‬من‭ ‬524‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬في‭ ‬2021‭ ‬إلى‭ ‬550‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬في‭ ‬2022‭. ‬ومن‭ ‬المعلوم،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬إلغاء‭ ‬تخفيضات‭ ‬الإنتاج‭ ‬بمناسبة‭ ‬الجائحة،‭ ‬بمقدار‭ ‬10‭ ‬ملايين‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا،‭ ‬التي‭ ‬أقرتها‭ ‬‮«‬أوبك‭ ‬بلس‮»‬‭ ‬في‭ ‬2020‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬ارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬خام‭ ‬برنت‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬50‭%‬،‭ ‬فقررت‭ ‬المنظمة‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2021،‭ ‬رفع‭ ‬الإنتاج‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬أغسطس‭ ‬بواقع‭ ‬400‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭ ‬لكل‭ ‬شهر،‭ ‬وقللت‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬المحتمل‭ ‬لأوميكرون‭. ‬ومع‭ ‬هذه‭ ‬الزيادة‭ ‬فإن‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬الطلب‭ ‬بمقدار‭ ‬1‭.‬4‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأولى‭ ‬لعام‭ ‬2022،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬ضغطًا‭ ‬على‭ ‬الاتجاه‭ ‬الصعودي‭ ‬للأسعار،‭ ‬يبقيها‭ ‬عند‭ ‬مستواها‭ ‬الحالي،‭ ‬كما‭ ‬توقع‭ ‬المسؤول‭ ‬الروسي‭.‬ غير‭ ‬أن‭ ‬العبرة‭ ‬ليست‭ ‬بهذه‭ ‬التقلبات‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬الأجل‭ ‬القصير،‭ ‬ولكن‭ ‬بأخذ‭ ‬التحذير‭ ‬السعودي‭ ‬مأخذ‭ ‬الجد،‭ ‬والذي‭ ‬استند‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الطلب‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬هذا‭ ‬العقد‭ ‬سيتجاوز‭ ‬بكثير‭ ‬حجم‭ ‬الإنتاج،‭ ‬وأن‭ ‬الفجوة‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬30‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭. ‬يعزز‭ ‬هذا‭ ‬التحذير‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬الاستثمارات‭ ‬العالمية،‭ ‬فخلال‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين‭ ‬قبل‭ ‬الجائحة‭ ‬كان‭ ‬معدل‭ ‬الإنتاج‭ ‬اليومي‭ ‬من‭ ‬الخام‭ ‬الصخري‭ ‬الأمريكي‭ ‬13‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا،‭ ‬وأدى‭ ‬تأثر‭ ‬النشاط‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬وحاجة‭ ‬هذا‭ ‬الخام‭ ‬إلى‭ ‬استثمارات‭ ‬ضخمة‭ -‬لم‭ ‬تتوفر‭- ‬إلى‭ ‬هبوط‭ ‬هذا‭ ‬الإنتاج‭ ‬إلى‭ ‬11‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭.‬ وكانت‭ ‬وكالة‭ ‬‮«‬بلومبرج‮»‬،‭ ‬قد‭ ‬توقعت‭ ‬أن‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬ربما‭ ‬تتجاوز‭ ‬حاجز‭ ‬100‭ ‬دولار‭ ‬للبرميل‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬والبنوك‭ ‬الاستثمارية،‭ ‬نتيجة‭ ‬انخفاض‭ ‬مستويات‭ ‬المخزون‭ ‬وعودة‭ ‬التعافي‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وموجة‭ ‬البرد‭ ‬القارس‭. ‬وتتوقع‭ ‬‮«‬أوبك‮»‬،‭ ‬ارتفاع‭ ‬الطلب‭ ‬العالمي‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬بمعدل‭ ‬4‭.‬2‭ ‬ملايين‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا،‭ ‬ليتجاوز‭ ‬هذا‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭. ‬ومع‭ ‬انخفاض‭ ‬المخزونات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬الإنتاج‭ ‬من‭ ‬تغطية‭ ‬الطلب،‭ ‬كما‭ ‬أدت‭ ‬موجة‭ ‬البرد‭ ‬الشديدة‭ ‬إلى‭ ‬عجز‭ ‬الإمدادات‭ ‬الكندية‭ ‬عن‭ ‬تلبية‭ ‬الطلب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وأدت‭ ‬الخسائر‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬تكبدها‭ ‬المستثمرون‭ ‬في‭ ‬شركات‭ ‬النفط‭ ‬الصخري‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬ضغطهم‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تعاود‭ ‬الضخ‭ ‬بكميات‭ ‬كبيرة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتعرضوا‭ ‬ثانية‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الخسائر‭.‬ وإدراكًا‭ ‬من‭ ‬‮«‬أوبك‭ ‬بلس‮»‬،‭ ‬من‭ ‬مخاوف‭ ‬تكون‭ ‬فائض‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬النفط،‭ ‬ومحدودية‭ ‬تأثير‭ ‬‮«‬أوميكرون‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬قررت‭ ‬في‭ ‬اجتماعها‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬يناير‭ ‬2022،‭ ‬الالتزام‭ ‬بالزيادة‭ ‬المزمعة‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬لشهر‭ ‬فبراير،‭ ‬بمقدار‭ ‬400‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭. ‬ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬حثت‭ ‬هذا‭ ‬المنظمة‭ ‬على‭ ‬ضخ‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬لدعم‭ ‬التعافي‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬وتهدئة‭ ‬الأسعار،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أوبك‭ ‬بلس‮»‬،‭ ‬صرحت‭ ‬أن‭ ‬السوق‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬النفط،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬به‭ ‬فائضا‭ ‬يقدر‭ ‬بـ1‭.‬3‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬فبراير،‭ ‬وهو‭ ‬أقل‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬تقديراتها‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬3‭ ‬ملايين‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬فجوة‭ ‬العرض‭ ‬والطلب‭ ‬تتقلص،‭ ‬وأن‭ ‬تخمة‭ ‬المعروض‭ ‬آخذة‭ ‬في‭ ‬الاختفاء‭.‬ ومن‭ ‬المعلوم،‭ ‬أن‭ ‬توازن‭ ‬العرض‭ ‬والطلب‭ ‬يبقي‭ ‬على‭ ‬الأسعار‭ ‬عند‭ ‬مستواها‭ ‬الحالي،‭ ‬مع‭ ‬تذبذب‭ ‬صعودًا‭ ‬وهبوطًا؛‭ ‬بسبب‭ ‬العوامل‭ ‬المؤثرة‭ ‬على‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬العامل‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثيرًا‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬هو‭ ‬تباطؤ‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الشركات‭ ‬النفطية‭ ‬مترددة‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬الاستثمار‭ ‬الاستكشافية‭ ‬والتنقيب‭ ‬الجديد،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬الارتفاعات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬الأسعار‭ ‬إلى‭ ‬ضخ‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬ضغوط‭ ‬المناخ‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬النفط‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬إلى‭ ‬موارد‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬النفط،‭ ‬بزيادة‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬والرياح‭ ‬والوقود‭ ‬الحيوي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الارتفاع‭ ‬في‭ ‬الأسعار‭ ‬طبقًا‭ ‬للسيرة‭ ‬التاريخية‭ ‬لهذه‭ ‬السلعة‭ ‬ليس‭ ‬مؤكدًا،‭ ‬وهناك‭ ‬مخاوف‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬ثانية‭ ‬للانخفاض،‭ ‬وكان‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬الاستثمارات‭ ‬النفطية‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬2020،‭ ‬حيث‭ ‬اضطرت‭ ‬شركات‭ ‬طاقة‭ ‬حكومية‭ ‬عديدة‭ ‬إلى‭ ‬تقليص‭ ‬نفقاتها‭ ‬وتأجيل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬مشاريعها‭ ‬الاستثمارية‭.‬ من‭ ‬جهته،‭ ‬قال‭ ‬وزير‭ ‬الطاقة‭ ‬السعودي،‭ ‬إن‭ ‬المملكة‭ ‬ستحدث‭ ‬أنماطًا‭ ‬جديدة‭ ‬لاستثمارات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬وتحقيق‭ ‬إحلال‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬محل‭ ‬سوائل‭ ‬البترول‭. ‬وتوقعت‭ ‬الشركة‭ ‬العربية‭ ‬للاستثمارات‭ ‬البترولية‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إجمالي‭ ‬استثمارات‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ (‬2020‭ ‬–‭ ‬2024‭)‬،‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬792‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬توقعها‭ ‬السابق‭ ‬965‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬بانخفاض‭ ‬قدره‭ ‬173‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬صدقت‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات،‭ ‬فإن‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬الخام،‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬الإنتاج‭ ‬المتناقص‭ ‬على‭ ‬ملاحقة‭ ‬الطلب‭ ‬المتزايد‭.‬ على‭ ‬العموم،‭ ‬يتوقع‭ ‬أغلب‭ ‬المراقبين‭ ‬استمرار‭ ‬الارتفاع،‭ ‬ومواجهة‭ ‬العالم‭ ‬لصدمة‭ ‬وشيكة،‭ ‬نتيجة‭ ‬تقلص‭ ‬الإمدادات‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬استثمارات‭ ‬شركات‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬إنتاج‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري،‭ ‬وتزايد‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬فإن‭ ‬الطلب‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬بعد‭ ‬لذروته،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الأرقام‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬استثمارات‭ ‬شركات‭ ‬النفط‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬التنقيب‭ ‬والاستخراج‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬300‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2020،‭ ‬أي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬إنفاقها‭ ‬السنوي‭ ‬قبل‭ ‬كورونا،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬650‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬فيما‭ ‬تواجه‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬ضغوطًا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬المساهمين‭ ‬والحكومات‭ ‬لزيادة‭ ‬استثماراتها‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬أقل‭ ‬اعتمادًا‭ ‬على‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري فإذا‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬90‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬إيجاد‭ ‬الاستثمارات‭ ‬المطلوبة‭ ‬حتى‭ ‬تنتج‭ ‬هذه‭ ‬الكمية،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬صناعة‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬وضعها‭ ‬الحالي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬كفاية‭ ‬الإنفاق‭ ‬الرأسمالي،‭ ‬ومن‭ ‬النقص‭ ‬الهيكلي‭ ‬في‭ ‬الاستثمارات‭ ‬منذ‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬2008،‭ ‬ومن‭ ‬العوامل‭ ‬السلبية‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬اتجاه‭ ‬الاستثمار‭ ‬أن‭ ‬الارتفاع‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬كان‭ ‬للمبيعات‭ ‬الفورية،‭ ‬وليس‭ ‬العقود‭ ‬الآجلة،‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬أسعارها‭ ‬منخفضة‭ ‬غير‭ ‬مشجعة‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬المشروعات‭ ‬طويلة‭ ‬الأجل‭ ‬العملاقة،‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬مبالغ‭ ‬كبيرة‭ ‬لا‭ ‬تؤتي‭ ‬أكلها‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭. ‬

مشاركة :