احتفى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بذكرى الهولوكوست على طريقته الخاصة بعيدا عن الشعارات القديمة المتاجرة بالملف الفلسطيني، فقد وجّه رسالة مفتوحة في اليوم العالمي للهولوكوست دعا فيها إلى عدم تكرار تلك المآسي، وأعلن بالمناسبة عن زيارة قريبة للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى أنقرة. وقال مراقبون إن تعمد الرئيس التركي إحياء هذا اليوم برسالة يستعيد من خلالها ذكرى الهولوكوست الهدف منه لفت نظر إسرائيل ودوائر المال اليهودي في العالم إلى تركيا، مشيرين إلى أن الرسالة هدفها التغطية على التصريحات التي أوحت بأن أردوغان ضد إسرائيل وأنه في صف المنظمات الفلسطينية التي ترفع شعارات طوباوية عن إزالة إسرائيل من الوجود. وتبحث تركيا التي تعيش ظروفا اقتصادية صعبة، وفشلت في حل أزمة تهاوي الليرة من خلال تجريب أفكار لا علاقة لها بالاقتصاد، عن فتح قنوات التواصل مع دوائر النفوذ المالي الدولية، وهو ما يعني أن الرسالة التي صدرت في ذكرى الهولوكوست ليست اعتذارا حقيقيا ولا مراجعة للموقف بقدر ما هي خطوة انتهازية لفك أزمة أردوغان. دعوات أردوغان المنادية بتحسين العلاقات مع تل أبيب تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات سياسية هامة وشدد الرئيس التركي في رسالته على ضرورة تحرك المجتمع الدولي “من أجل عدم تكرار بعض المآسي مثل الهولوكوست، والبوسنة والهرسك، وكمبوديا”. كما أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانا بالمناسبة عبرت فيه عن “قلقها حيال تصاعد معاداة السامية والعنصرية وكراهية الأجانب والإسلاموفوبيا في العالم، رغم ‘الهولوكوست’ الذي وقع نتيجة العنصرية والكراهية”. وأثنى البيان على الدبلوماسيين الأتراك الذين مدوا يد العون إلى الفارين من “الكارثة المروعة” التي استهدفت اليهود. وأوضح أن تركيا فتحت أبوابها للمئات من اليهود المتضررين من النظام النازي (الألماني بزعامة أدولف هتلر) عبر التاريخ، وها هي اليوم تضمن الحماية للملايين من الناس الهاربين من الظلم. كما أشار إلى مشاركة تركيا بصفة مراقب منذ عام 2008 في أنشطة “التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست”. ويوافق السابع والعشرون من يناير من كل عام “اليوم العالمي لذكرى الهولوكوست”، بموجب قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة، وكانت تركيا من بين الدول التي تقدمت بمشروع القرار عام 2005. ويشير المراقبون إلى أن الرسالة التركية من وراء هذا الاحتفاء النادر، والذي عاد إلى النبش في الماضي عن دور افتراضي في مساندة اليهود، تأتي استمرارا لدعوات كان أردوغان وجهها في الأشهر الأخيرة من أجل إقامة علاقات أفضل مع إسرائيل التي نجحت في بناء علاقات أوسع في المنطقة على عكس تركيا التي ما تزال تحاول كسر عزلتها. مرحلة جديدة ستبدأ مع زيارة إسحاق هرتسوغ مرحلة جديدة ستبدأ مع زيارة إسحاق هرتسوغ وكشف أردوغان أن نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ سيزور تركيا في فبراير القادم، مشيرا إلى أن مرحلة جديدة في علاقات تركيا وإسرائيل ستبدأ مع تلك الزيارة التي اعتبرها “تطورًا إيجابيًا”. وأضاف أن إسرائيل اتخذت بعض الخطوات المتعلقة بالتعاون شرقي المتوسط، وأن تركيا بدورها مستعدة لاتخاذ الخطوات اللازمة أيضًا معها. وقال أردوغان أثناء استقباله أعضاء من الجالية اليهودية – التركية وتحالف الحاخامات في الدول الإسلامية في القصر الرئاسي في ديسمبر الماضي إن العلاقات التركية – الإسرائيلية “حاسمة لاستقرار المنطقة وأمنها” وإنه وجد أن إحياء الحوار بين البلدين أمر مهمّ. ويقول مراقبون إن العزلة الإقليمية التي تعيشها أنقرة منذ فترة دفعت أردوغان للسعي وراء إعادة فتح القنوات مع إسرائيل مجددا لتطبيع العلاقات وإيجاد مخرج له من المأزق الذي يمر به. ولم تخلُ تصريحات أردوغان في كل مرة من هجوم حاد على إسرائيل بيد أنه ظل مجرد شعارات، حيث تحافظ كل من أنقرة وتل أبيب على علاقات اقتصادية قوية، كما تحافظان على قدر مهم من التنسيق الأمني والعسكري. وتأتي دعوات أردوغان المنادية بتحسين العلاقات مع تل أبيب في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات سياسية هامة لاسيما في علاقة بتطبيع كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب للعلاقات مع إسرائيل، وإمكانية انضمام دول عربية وإسلامية أخرى إلى ركب السلام. ويدرك النظام التركي أن واقعا جديدا بدأ يتبلور في الشرق الأوسط في جملة هذه المستجدات الهامة، وهو ما يجعله يسارع إلى المبادرة نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل خوفا من أن يفوته قطار السلام الجديد ومنافعه.
مشاركة :