إذا أخذت بنود خريطة الطريق التي حملها وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر الصباح الى بيروت قبل أيام مترجماً موقفاً خليجياً عربياً ودولياً كما أعلن بعد لقائه المسؤولين اللبنانيين ومنتظراً جواباً أخر الأسبوع الجاري في اجتماع وزراء الخارجية العرب في الكويت، فأين ستكون المشكلة؟ 1- التزام لبنان مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي. يظهر لبنان متخبطاً فعلاً في محاولة التركيز على جهود يبذلها في هذا الإطار رغم أنه بند مطروح على جدول أعمال السلطة منذ سنوات من دون جدوى. وهناك ملاحظات كثيرة على خطة التعافي التي يعدها لبنان للتفاوض مع صندوق النقد الدولي وقد بدأه مطلع الأسبوع الذي صادف زيارة الوزير الكويتي، بغض النظر عما اذا كان سينجح بذلك قبل موعد الانتخابات النيابية في أيار (مايو) المقبل او اذا كان المسؤولون جديين في إصلاحات قبل هذه الانتخابات. ولكن إذا كان المطلب العربي هو "التزام لبنان مسار الإصلاح"، فإنه يعلن قولاً أنه ملتزم ذلك لا سيما أن هذا التزام هو مسار ولا ينتهي في أسابيع أو أشهر قليلة. وتالياً لا مشكلة في هذا البند. 2- إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة اللبنانية. وهذا البند أيضاً يزعم المسؤولون أنهم في صدده من خلال إعلان التزام الانتخابات النيابية من أجل تجديد الندوة النيابية والتزام إجراء الانتخابات الرئاسية في الوقت الذي شكلت عودة الثنائي الشيعي الذي يضم حركة "أمل" برئاسة الرئيس نبيه بري و"حزب الله" عن تعطيل جلسات مجلس الوزراء والذي استمر ثلاثة أشهر من دون إطاحة المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت كما كان يطالب شرطاً للعودة، إشارة الى الحفاظ على مؤسسة القضاء. وتزامن ذلك مع انحسار موجة الاتهامات الى حاكم المصرف المركزي والى السعي العلني الى تغييره. إذن، ثمة انضباط بالحد الأدنى تحت سقف عدم إسقاط المؤسسات في الدولة اللبنانية. 3- اعتماد سياسة النأي بالنفس وإعادة إحيائها بعد تعرضها لشوائب وتجاوزات كثيرة. الذريعة التي تتمسك بها السلطة في لبنان أن هذه النقطة واردة في البيان الوزراي الذي التزمه الأفرقاء المشاركون فيها. ولكن المطلوب إعادة إحياء سياسة لا يلتزمها "حزب الله" فيما ينخرط في الحرب اليمنية وفي شؤون الدول الخليجية والعربية. وهي النقطة المحورية الأساسية بين كل البنود الأخرى التي ترافقها أو تغلفها والتي يفترض أن لا يتكرر فيها الخطاب الإنشائي فيما يثار السؤال إذا كان "حزب الله" سيحترم ذلك أو أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يستطيعان تقديم تعهدات في هذا الشأن بالنيابة عن الحزب بحيث يلتزم أدبيات هذا التعهد فعلاً لا قولاً. والمشكلة ليست في ما تسطره أجوبة السلطة عن هذا البند لأن الأمر سهل، بل في مضمون الاتصالات مع الحزب حول هذه النقطة وإذا كان مستعداً لاحترام ما تتعهده السلطة في هذه الظروف في ظل سؤال أساسي إذا كانت إيران ستسمح بذلك في هذا التوقيت ربطاً بتصاعد خسارة الحوثيين في اليمن وما إذا كانت ثمة أثمان لإيران في مكان آخر. اذ ليس سهلاً بالنسبة الى "حزب الله" الذي يسوق إعلامياً إنها ورقة إملاءات خليجية بل سعودية تحديداً إظهار خضوعه لذلك، علماً أنه يكون هذا التسويق للتعمية على وجود قرار في مكان ما لالتزام التهدئة راهناً وإفساح المجال لوقف الانهيار في لبنان. 4- احترام سيادة الدول العربية والخليجية ووقف التدخل السياسي والإعلامي والعسكري في أي من هذه الدول. وهذا البند هو عملياً الترجمة المطلوبة لبند إعادة إحياء النأي بالنفس فيما أنه يسوق في اطار السعي الى الاحتفاظ بهامش عدم التزامه كلياً أن لبنان هو بلد حرية الرأي والإعلام فيما يواصل إعلام الحزب إثارة مواضيع عدائية وتتصل بالتدخل المرفوض وفق ما ورد في الورقة الكويتية. ويمكن للسلطة إعادة تكرار ما أوردته الحكومة في البند الثامن من بيانها الوزاري من "حرص لبنان على تعزيز علاقاته مع الدول العربية الشقيقة والإصرار على التمسّك بها والمحافظة عليها والحرص على تفعيل التعاون التاريخي بين بُلداننا العربية، ودعوة الأشقاء العرب إلى الوقوف إلى جانبه في هذه المحنة التي يرزح تحتها شأنُهم دائماً مشكورين". 5- احترام قرارات الجامعة العربية والتزام الشرعية العربية. وهذا البند يشكل استكمالاً للبند السابق فيما تبرز السلطة أنها دأبت في الآونة الأخيرة على تصحيح موقعها ولا سيما من خلال بيانات التنديد التي تصدرها وزارة الخارجية اللبنانية إزاء الاعتداءات من الحوثيين على الدول الخليجية، باعتبار أن هذه النقطة تشكل الثغرة الأساسية في هذه المرحلة في التزام لبنان الشرعية العربية نتيجة الخلافات الداخلية حول مقاربة الحرب في اليمن. وتستطيع السلطة الالتحاف مجدداً بالبيان الوزاري في هذا الإطار. 6- التزام القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، لا سيما القرارين 1559 و1701. مع ما يعنيه ذلك من ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. المنطق لدى السلطة اللبنانية يقع تحت بند تأكيد التزام القرار 1701 على رغم أن ثلاثة خروقات تعرض لها في خلال أقل من شهر من خلال الاعتداء على القوة الدولية في الجنوب. ولكن السلطة تسقط عمداً التزام القرار 1559 المطالب بحل الميليشيات بما يعنيه ذلك تسليم "حزب الله" سلاحه الى الدولة اللبنانية بذريعة أن سلاح الحزب إقليمي ولا قدرة لها في هذا الإطار، لا سيما أن المجتمع الدولي نفسه أسقط عمداً المطالبة بتنفيذ هذا القرار علماً أنه موضوع مراجعة دورية في مجلس الأمن كل ستة أشهر. فالمجتمع الدولي سلم بالمنطق لدى السلطة اللبنانية ويصعب تالياً تنفيذ هذا البند اذا كان شرطاً ضرورياً وملزماً للسلطة في لبنان من أجل إعادة التطبيع مع الدول الخليجية والعربية. وبالنسبة الى بعض المراقبين، فإن القرار 1559 هو سقف مرتفع وتهديدي للحصول على التزام لبنان فعلاً النأي بالنفس والتزام قرارات الجامعة العربية والشرعية العربية. 7- اتخاذ إجراءات جدية وموثوقة لضبط المعابر الحدودية اللبنانية. وهذا قرار تعجز السلطة عن اتخاذه على رغم دعمه بريطانياً وأميركياً ومن دول عدة بأجهزة وأبراج مراقبة فيما أن القرار السياسي مفقود على مستوى السلطة التي يمكن أن تبرر عجزها عملانياً بما بات عليه الجيش اللبناني والقوى الأمنية تحت أعباء تثقل عليها في ظل الانهيار المالي بحيث أن لبنان يحتاج دعماً عربياً وغربياً لسد هذه الثغرة. ولكن القرار السياسي يحتاج أيضاً الى تعاون مع النظام السوري فيما تظلل ذلك عقبات متعددة لا يملكها لبنان وحده. 8- منع تهريب المخدرات واعتماد سياسة أمنية واضحة وحاسمة توقف استهداف دول الخليج من خلال عمليات تهريب المخدرات. وهذا قرار يحاول لبنان إظهار التزامه جدياً على رغم قدراته المحدودة ورغبته في التعاون مع الدول العربية والخليجية على هذا الصعيد، علماً أن هناك من يثير علامات استفهام اذا كان التعاون يسري على تعاون عربي أمني ميداني قد يتعذر على السلطة تأمينه في ظل امتدادات "حزب الله" في المرافق الجوية والبحرية والبرية لاعتبارات يربطها بشعار المقاومة. 9- الطلب من الحكومة اللبنانية أن تتخذ إجراءات لمنع "حزب الله" من الاستمرار بالتدخل في حرب اليمن. وهذا البند هو التتويج العملي لعجز السلطة ولكنه أيضاً مرتبط ببند التزام النأي بالنفس. 10- اتخاذ لبنان إجراءات حازمة لمنع تنظيم أي لقاءات أو مؤتمرات من شأنها أن تمس بالشأن الداخلي لدول الخليج، كما حصل في الفترة الماضية لجهة تنظيم مؤتمرين للمعارضة البحرينية والمعارضة السعودية. وهذا البند أيضاً يشكل ترجمة للنأي بالنفس فيما أن الحزب تعمد افتعال تنظيم مؤتمرات من خلال تحويل لبنان منصة للهجوم على الدول العربية. والتمعن بالبنود يظهر فعلاً أنها تدور في نقطة جوهرية تدور حولها كل النقاط الأخرى بحيث أن النأي بالنفس والتزام لبنان احترام الشرعية والقرارات العربية هو نقطة الثقل الرئيسة، فيما أن البندين المتبقيين حول تنفيذ اتفاق الطائف وإجراء الانتخابات النيابية هما من المواقف الخشبية للسلطة تحت ذريعة أن البيان الوزراي للحكومة أكد أيضاً التزام أحكام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني واحترام الشرائع والمواثيق الدوليّة التي وقّع لبنان عليها وقرارات الشرعيّة الدوليّة كافة، وتأكيد الالتزام بتطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1701، واستمرار دعم قوات الأمم المُتّحدة العاملة في جنوب لبنان وتأكيد الدعم المُطلق للجيش والقوى الأمنية كافة في ضبط الأمن على الحدود وفي الداخل وحماية اللبنانيين وأرزاقهم وتعزيز سلطة الدولة وحماية المؤسسات. فهل ستقتنع الدول الخليجية بالأجوبة التي ستقدمها السلطة في لبنان وتعطيها شيكاً على بياض لمبرراتها؟
مشاركة :