في الوقت الذي يتفق فيه غالبية الخطاطين والباحثين في علوم الخط العربي، على أن أهم مصادر الأخطار المحيقة به، تأتي من (الحاسوب) الذي أُخضعت طرزه لخصائص الخط اللاتيني، دون أي اعتبار لموازينه وقواعده الأصيلة والرفيعة التي بُني عليها. ولأن الطرز المعاصرة تم نشرها وتعميمها في شتى وسائل الإعلام، ووسائط الإعلان والاتصالات البصريّة المختلفة، بات من الصعب لمها وتصحيحها، أما سبب هذا الخلل فمرده، كما يقول الخطاط محمد سعيد الصكار، أن أغلبية مَن قام بتصميم هذه الطرز من غير أهل الخط العربي، ومن غير العارفين بقواعده ونظمه وموازينه الصحيحة. مستقبل غامض هذا الواقع الذي يعاني منه الخط العربي الحاسوبي، دفع بالخطاطين للإعلان بصراحة، ودون مواربة، عن خوفهم الشديد على مستقبل هذا الفن العربي الرفيع، منهم الخطاط دياب بنوت، الذي يؤكد أنه قبل ظهور الحاسوب، كان الخطاطون يركضون مع عجلة الطباعة، لكن بوجود الحاسوب تجمدت أعمالهم. كان الكتاب يحرصون على أن تكون عناوين كتبهم مخطوطة بنماذج من الخط العربي وأشهرها (الثلث). كان ذلك في الزمن الذهبي للخطاطين الذين كانوا يتبارون فيما بينهم، لكتابة أجمل عنوان للكتب حتى يكون صاحبه مقصوداً من جميع الأدباء والناشرين وأصحاب المطابع. اليوم اختلف الأمر، فقد حل الحاسوب محل الخطاطين، وأصبحت العناوين والخطوط متشابهة ومكررة وباردة. جيد.. ولكن على الجانب الآخر، يرى بعض الخطاطين أن الحاسوب قدم خدمة كبيرة لهم بإبعادهم عن العمل اليدوي، في حقول الإعلام والإعلان والنشر، عندما حل محلهم في هذه الميادين، ما جعلهم يتفرغون للبحث والتجريب والتطوير والابتكار فيه. يقول الخطاط عدنان الشيخ عثمان إنه ليس بالإمكان إنكار هذا التقدم العلمي المبهر المجسد في الحاسوب. ولا يرى أي خطر منه على الخط العربي إذا أُحسن استخدام التقانات والإمكانات التي يتمتع بها. فهو (أي الحاسوب) يساعد في صنع الخلفيات والظلال للخطوط المكتوبة على أغلفة الكتب، كما يساهم في تجميل الكادر الذي يحيط باللوحة الخطيّة، لكن كتابة الخط نفسه، عن طريق الحاسوب هو الخطأ الذي لا يغتفر، لأنه يسيئ بشكل بالغ إلى مجال الخط العربي ورفعته. إقحام وتشويه يُبدي محمد سعيد الصكار الكثير من القلق والخوف حول ما يتعرض له الخط العربي حالياً من تشويه الأجهزة الحديثة له، لا سيّما الحاسوب والمطابع، ما يعني فقدانه، وبالتدريج لقواعده وأصوله، وبالتالي ضياعه وتشويهه. فقد عانى الخط العربي من التشويه رضوخاً لظروف الآلة الجديدة التي صممت في الأصل لطباعة الكتابة اللاتينيّة، ومسألة الطباعة وعلاقتها بالخط العربي مسألة دقيقة لم يتعرض لها إلا القليل. وعلاقة الحروف الطباعيّة بالعرب علاقة مهزوزة، ذلك أنه لم يبادر أي من الخطاطين العرب، على مدى ما يربو على قرنين من بداية الطباعة، إلى العمل في هذا المجال، وإنما تركوا هذه المهمة للهنود والرومان والفرس والهولنديين، ولم يتدخل عربي واحد لتصميم حروف أمته. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :