يُسهل فيتامين D امتصاص الكالسيوم في الجسم، ويقوي الكالسيوم بنية العظام. ويؤدي هذا الفيتامين أدواراً عدة، لكنه يؤثر أيضاً في وظيفة العضلات والأعصاب وجهاز المناعة. يعمل عدد من العلماء على فهم تأثير نقص فيتامين D ومكملاته على الأمراض. وفق منظمة الصحة العالمية، تكشف الأدلة أن هذا الفيتامين قد يحمي الناس من التهابات المجرى التنفسي مثلاً. في آخر سنتين، استكشف الباحثون أيضاً مدى قدرة فيتامين D على تخفيض المخاطر المرتبطة بفيروس "كوفيد- 19". لا تزال الأبحاث مستمرة حول هذا الموضوع، لكن الأدلة تشير، على ما يبدو، إلى قدرة هذه المكملات على تحسين معدلات دخول وحدة العناية المركزة. بدأ الاهتمام يتوسع أيضاً بآثار فيتامين D المحتملة على أمراض القلب والأوعية الدموية ومخاطر السرطان. لكن تَقل التجارب العشوائية التي تحلل الرابط بين هذه العوامل. تُعد هذه الأنواع من الدراسات المعيار الذهبي لرصد أي علاقات سببية في الأبحاث العلمية. نشرت المجلة الأميركية للتغذية العيادية دراسة جديدة تهدف إلى سد الثغرة القائمة في هذا المجال. تجربة فنلندية لاكتشاف أدلة حول الرابط بين فيتامين D وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، أطلق الباحثون في الدراسة الجديدة "التجربة الفنلندية حول فيتامين D" بين عامي 2012 و2018. يقول د. فيركي فيرتانين، أستاذ مساعد في التغذية والصحة العامة بجامعة شرق فنلندا وأحد المشرفين على الدراسة الجديدة: "حين بدأنا التخطيط لهذه التجربة، وجدنا في الدراسات المبنية على المراقبة أدلة كثيرة حول ارتباط نقص فيتامين D بمعظم الحالات المزمنة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، والنوع الثاني من السكري، وحالات الوفاة. في تلك الفترة، كانت الأدلة المشتقة من التجارب العشوائية والخاضعة للمراقبة قليلة لإثبات تراجع مخاطر الأمراض عند زيادة كمية فيتامين D المستهلكة عن طريق المكملات. لهذا السبب، أردنا أن نطلق تجربة طويلة الأمد حول مكملات فيتامين D في فنلندا التي يطغى عليها نقص حاد في هذا الفيتامين، بسبب طول الشتاء، وأردنا أن نقيّم مدى قدرة المكملات على تخفيض الوفيات وخطر الإصابة بأمراض مزمنة حادة". حلل الباحثون في الدراسة الجديدة بيانات 2495 شخصاً، منهم رجال في عُمر الستين وما فوق، ونساء في مرحلة ما بعد انقطاع الطمث أو في عُمر الخامسة والستين وما فوق. لم يحمل المشاركون تاريخاً في أمراض القلب والأوعية الدموية أو السرطان. أخذ المشاركون دواءً وهمياً، أو 1600 وحدة دولية من فيتامين D، أو 3200 وحدة دولية منه يومياً. مقارنةً بالدواء الوهمي، لم تُخفض أي جرعة من الفيتامين حالات أمراض القلب والأوعية الدموية أو السرطان في هذه المجموعة من المشاركين. زاد التحليل تعقيداً، لأن المشاركين كانوا يحملون عموماً مستويات مرتفعة من فيتامين D في بداية الدراسة. ينجم هذا الوضع برأي الباحثين عن تنفيذ سياسات تهدف إلى تدعيم الأغذية بالفيتامين في فنلندا بين عامي 2003 و2011. يوضح فيرتانين: "كانت المجموعة التي تستطيع الاستفادة من مكملات فيتامين D، كتلك التي تسجل مستويات منخفضة من مصل الفيتامين، تشكّل أقلية صغيرة في التجارب. لكن يصعب أن نستهدف هذه المجموعة السكانية، نظراً لاستحالة إخضاع الناس للفحوصات، وضم من يسجلون مستويات متدنية من فيتامين D إلى التجربة لأسباب عرقية. ومن غير الأخلاقي أن يفتقر جزء من المشاركين في مجموعة الدواء الوهمي إلى فيتامين D طوال سنوات". في مقابلة مع مجلة ميديكل نيوز توداي، يوضح البروفيسور شون سترين ود. إمير ماكسورلي ود. باميلا ماجي من مركز الابتكار الغذائي للتغذية والصحة في جامعة أولستر بأيرلندا الشمالية: "رغم تراجع مستوى المشاركة (كان المشرفون على الدراسة يأملون مراقبة 30 ألف شخص)، تطرح النتائج مؤشرات مفادها أن فيتامين D يعطي منافع صحية معينة. كان إشراك الناس في التجربة صعباً، ولم يصل إلى المستوى المطلوب، لكن يبدو أن المجموعة التي خضعت للمراقبة سجلت حالات أقل من أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان مقارنة بالإحصاءات الوطنية التي تتأثر بحملات التحصين المسبق. بعبارة أخرى، قد ينعكس تحسين معدلات فيتامين D على المستوى الوطني إيجاباً على الوضع الصحي العام، بما يفوق الآثار الصحية المعروفة على مستوى العظام والعضلات. لكن نظراً لتراجع أعداد المشاركين، قد لا تمثل هذه العينة جميع السكان، لذا لابد من توخي الحذر عند تفسير النتائج". يقول البروفيسور فيمال كاراني، أستاذ في علم المورثات الغذائية بجامعة ريدينغ البريطانية: "تميزت هذه التجربة باستعمال جرعتين مختلفتين من فيتامين D لتقييم تأثير الاستجابة لكل جرعة خلال مدة خمس سنوات. لكن رغم تقديم جرعات كبيرة، فشلت الدراسة في رصد أي أثر للمكملات على مستوى تخفيف أمراض القلب والأوعية الدموية وحالات السرطان. تترافق هذه النتائج مع تداعيات بارزة في مجال الصحة العامة، لكن لا يمكن تعميمها طبعاً على مجموعات سكانية أخرى، لأن الشعب الفنلندي معروف بعزلته". منافع أخرى لفيتامين D رغم ظهور أدلة على زيادة المنافع الصحية التي تعطيها مكملات فيتامين D، برزت أيضاً نتائج متضاربة. يقول فيرتانين: "في الوقت الراهن، ما من إجماع حول الكمية المثالية من الفيتامين، أو تلك التي تعطي المنافع الصحية نفسها لجميع الناس. وفق بعض الأدلة مثلاً، قد تسهم أي جرعة مرتفعة من مكملات فيتامين D في تخفيض خطر الوفاة بسبب السرطان بدرجة بسيطة، لكنها لا تؤثر على حالات السرطان الإجمالية. ولا تثبت أي أدلة حتى الآن أن مكملات فيتامين D تستطيع حماية الناس من عدوى كورونا، لكن من المعروف أن المصابين بأخطر حالات (كوفيد-19) يحملون مستويات منخفضة من مصل الفيتامين". ويضيف: "قد يكون هذا الوضع نتيجة للعدوى، لا سبباً لها، لأن أي التهاب حاد يؤدي إلى تراجع مستويات فيتامين D، ويكون عدد كبير من المصابين بـ(كورونا) بدينين أو من أصحاب الوزن الزائد أو مصابين بمرض مزمن مثل النوع الثاني من السكري، وترتبط هذه الاضطرابات كلها بتراجع مستويات فيتامين D". أخيراً، يشدد ماكسورلي على دور فيتامين D للحفاظ على سلامة جهاز المناعة: "تتعدد الأدلة القوية التي تثبت أن فيتامين D يقوي المناعة. ونظراً لتفشي وباء عالمي اليوم، يبدو أن من يحملون مستويات كافية من هذا الفيتامين لا يطلقون استجابة حادة عند التقاط العدوى بقدر من يعانون نقصاً فيه. والأهم من ذلك، أنهم يتعافون بوتيرة أسرع من غيرهم. يؤثر فيتامين D على صحة العضلات والعظام، ويمكن الحصول عليه من أشعة الشمس ومصادر غذائية عدة. لكن قد تبرز الحاجة إلى أخذ مكملات لتلقي الكمية اليومية الموصى بها، أي 600 وحدة دولية يومياً بين عمر السنة والسبعين عاماً، و800 وحدة دولية لمن هم فوق عمر السبعين". ويتابع: "قد تكون المكملات مؤثرة بالنسبة للمقيمين على خطوط العرض الشمالية، حيث يشتق فيتامين D من أشعة الشمس خلال أشهر الشتاء، وفي المجموعات التي تمضي وقتاً قصيراً في الخارج و/أو تتلقى كميات محدودة من الفيتامين من المصادر الغذائية، لكن يصعب الحصول على فيتامين D من الأغذية وحدها، إلا إذا كانت مدعمة. كما أن المصابين بأمراض تؤثر على امتصاص الفيتامين في الجسم قد يحتاجون إلى أخذ المكملات".
مشاركة :