متى سيضرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا مجدداً؟ قد يحصل ذلك في مرحلة أبكر مما يتوقع الجميع، فقد أعلن الرئيس جو بايدن خلال مؤتمره الصحافي الأخير أنه مقتنع باستعداد القوات الروسية للهجوم وأن أوساط الأمن القومي في واشنطن باتت في حالة تأهب. في الوقت الراهن، يحتشد أكثر من مئة ألف جندي روسي، فضلاً عن مجموعة دبابات وأسلحة في محيط أوكرانيا، من ثلاثة اتجاهات، وفي الأسبوع الماضي استهدف هجوم سيبراني مواقع إلكترونية تابعة للحكومة الأوكرانية لاختبار نقاط ضعفها، كذلك أرسلت روسيا جنوداً إلى بيلاروسيا وتتجه ست سفن روسية نحو البحر الأسود وقد تنتشر هناك كجزءٍ من هجوم برمائي ضد أوكرانيا من الجنوب، وفي غضون ذلك بدأ عدد القوات العسكرية يتصاعد، وفي الوقت نفسه لا تزال الجهود الدبلوماسية غير حاسمة، وفي الأسبوع الماضي خَمَد خطاب موسكو العدائي مؤقتاً وأنتجت الدبلوماسية محادثات إضافية، ويبدو أن موسكو تتطلع إلى عقد قمة مباشرة بين بوتين وجو بايدن. مع ذلك، تواجه الولايات المتحدة وروسيا مأزقاً حقيقياً يصعب تجاوزه، حيث تتمسك موسكو بمطالب متطرفة تدعو الغرب إلى تقديم ضمانات خطية لمنع أي توسع إضافي لحلف الناتو، حتى أنها تطالب بالانسحاب العسكري من بلغاريا ورومانيا، لكن لا ينوي الغرب تلبية هذه الشروط طبعاً، ولا تستطيع أي معادلات دبلوماسية أن تطمس هذا الاختلاف الجوهري بين الطرفين، بعبارة أخرى لن يوافق أي رئيس أميركي على استعمال فيتو روسي ضد الانتساب إلى الناتو ولن يسمح لروسيا بتوجيه السياسة الخارجية الأميركية. في غضون ذلك، يستعد بعض السكان المحليين في كييف لإجلاء عائلاتهم إلى وسط أوكرانيا وغربها خلال أيام، إذ لا يزال الطريق السريع الأساسي بين كييف ولافيف في غرب أوكرانيا مسدوداً حتى هذه اللحظة، لكن يجب ألا يتوقع أحد أن يهرب الأوكرانيون بأعداد ضخمة، وتبدو الفكرة القائلة إن الأوكرانيين سيستسلمون إذا قرر بوتين غزو البلد مجدداً بالدبابات والطائرات خاطئة جداً، وتكشف أحدث استطلاعات الرأي أن الأوكرانيين سيقاومون. يبدو أن أكثر من 50% من الأوكرانيين سيحاربون أو ينضمون إلى صفوف المقاومة المدنية إذا أقدمت روسيا على غزو البلد مجدداً، إذ تقتصر نسبة الأشخاص الذين يفضلون السفر إلى الخارج على 9%. لكن رغم جميع التقييمات المرتبطة بشخصية بوتين باعتباره عقلاً مدبراً في العالم الجيوسياسي، يصعب تخمين توجهاته في أوكرانيا، فأنا شخصياً أتوقع أن يقاوم الأوكرانيون بشراسة أي شكل من التوغل، سواء كان بسيطاً أو واسعاً، وقد تخطئ موسكو في حساباتها إذا ظنت أن الغزو سيكون بالغ السهولة. كشفت أجهزة الاستخبارات السرية البريطانية حديثاً أن موسكو تأمل إسقاط الحكومة الراهنة في كييف واستبدالها بحكومة موالية لروسيا، لكن روسيا تخطئ في حساباتها مجدداً، فهذه الخطوة قد تكشف بكل بساطة أن موسكو لا تفهم الوضع الأوكراني بقدر ما تظن، لقد مرّت أوكرانيا بتغيّر هائل منذ عام 2014، وستؤدي أي محاولة لإنشاء نظام صُوَري إلى عواقب وخيمة ضد الكرملين. ماذا سيحصل في المرحلة المقبلة إذاً؟ وفق أكثر السيناريوهات واقعية، قد تستهدف روسيا أوكرانيا عبر اعتداءات إلكترونية ضخمة تزامناً مع قطع الكهرباء ومصادر الحرارة عن البلد، ثم قد تقضي على القوات الجوية الأوكرانية وقواتها البحرية المحدودة وتدمّر مخابئ الأسلحة الكبرى والطائرات المسيّرة المحلية، فالهدف بسيط: جرّ الحكومة الأوكرانية إلى طاولة المفاوضات قسراً، لكن الأوكرانيين سيقاوم حتماً، وقد تضمن هذه المقاومة الشجاعة تورط موسكو في صراعٍ سرعان ما يتحول إلى مستنقع لها، ومن الأفضل أن يفكر بوتين إذاً بعواقب هذا الرهان الشائك لأنه قد يطرح تهديداً على إرثه.
مشاركة :