بعض حكايات البشر ساخرة، وإن كانت موجعة! التحق بالعمل في إدارة خاصة بالمراسم والمناسبات في منشأة حكومية. ساعات عمله الطويلة لا توازي راتبه المتواضع. كان موظفاً على البند. وخير لك أن تسمع عن هذا البند ولا تراه! في يوم يشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة، اقتحم رئيس القسم مكتبه طالبا منه الفزعة. كان المدير العام للمنشأة في انتظار قدوم ضيوف مهمين خلال الثلاثة ساعات المقبلة. وقد تفاجأ رئيس القسم بأن مخزونهم من العود قد نفد. ارتباكات رئيسه أخجلته وهو يطلبه: «تكفى.. اطمر لأقرب محل عود وجب لنا من عنده.. عود يبيض الوجه»! كانت كلمة «تكفى» من مديره كافية لأن ينطلق مسرعا صوب وجهته المحددة. في محل العود ارتبك عندما عرض عليه البائع أنواعاً عدة من العود. كانت حالته المادية لا تسمح له بالتعاطي مع مثل هذه المنتجات الفاخرة. لذا كان خياره الوحيد أن يثق في أمانة صاحب المحل. عندما ناوله البائع الفاتورة، أسقط في يديه. ستلتهم الفاتورة مبلغ راتبه ولا يتبقى منه إلا القليل! تذكر ورطة كلمة «تكفى»، فدفعها، وأمل يحدوه، أن يعوّضه مديره بأكثر مما دفع! عاد لعمله. ناول مديره بيمينه العود الفاخر، فيما كان يلوح بشماله بالفاتورة، ولكن تلويحته ظلت معلقة بالهواء، بعد أن غادر رئيسه وهو ينهاه بكلمة: «مو الحين.. بعدين»! مرّت المناسبة بسلام. عاد لمكتب رئيس القسم نهاية الدوام. تعامل معه الرئيس ببرود وهو يستلم الفاتورة. غيمة «تكفى» لم تمطر لا مالاً ولا حتى شكرًا! أخبره رئيسه أنه سيحيل الفاتورة إلى الإدارة المالية ليتم تعويضه بالمبلغ. شرح له أنه دفع كل ما يملكه في حسابه البنكي ولم يتبق إلا القليل، وهو بحاجة لاستعادته. لكن رئيسه طالبه بالصبر يوماً أو ثلاثة أيام ريثما يتم تعويضه. سأل رئيسه أن يعطيه من ماله الخاص، وأن يستلم هو قيمة تعويض الفاتورة. ربت رئيسه على كتفه وهو يهم بالخروج: «كلها كم يوم وتجيك الفلوس»! مرّت ثلاثة أيام، وأسبوع، وعشرة أيام أخرى، والفاتورة تدور على أقسام الشئون المالية بالمنشأة التي يعمل بها. أخبره من عنده علم، أن معاملة تعويضه بالفاتورة تستلزم تواقيع أكثر من عشرة أشخاص. وهي الآن على مكتب المدير العام للمنشأة للتوقيع. سأل: وماذا تفعل فاتورتي في مكتب المدير العام. جاءه الرد: بأنه لا يصرف ريال واحد إلا بتوقيعه الأخير! انتظر أياماً أخرى حتى استلم مبلغ التعويض، الذي ذهب بدوره لمن استدان منهم، ليغطي احتياجه خلال الشهر. كان درسه الأول الذي خرج به من هذه التجربة، ما قاله رجل مسن في العمل: «لا تطق صدرك لأحد وظهرك رخو»! مقالات أخرى للكاتب العربي ما قبل الأخير...! ليست كل سحابة ممطرة! العربة قبل الحصان.. أم الحاجة قبلهما؟ عشر سنوات.. لا تُرى! حتى يكون حواراً مثمراً؟!
مشاركة :