«مرّ.. وهذا الأثر» - تركي بن إبراهيم الماضي

  • 1/8/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تقاعد من عمله، وكان يظن أنه لم ينجز شيئا. رغم أنه أعطى كل جهده، وبذل أقصى ما يتحمله، في سبيل أن يؤدي أمانته كاملة غير منقوصة، إلا أنه لم يكن راضيا، باعتبار أنه لم يصل إلى مرتبة وظيفية عالية تناسب مؤهلاته وما أنجزه! هذه القصة ليست عن فلان من الناس، لكنها قصة مجتمع، تبدلت كثير من قناعاته، فأصبحت معه قيم العمل تتحدد بالمنصب الذي يتولاه الشخص. وليس سرا أنه في مجتمع تكثر فيه المفاخرة والمباهاة بأي شيء لخلق فارق عن الغير، يكون دافع الفرد في الإنجاز، هو في تولي المناصب العليا، بغض النظر عن أي شيء آخر! في المجتمع الطبيعي المنتج، يكون المراسل والوزير موظفين يؤديان عملا عاما في القطاع الذين يعملان به. لكل منهما وظيفته التي يؤديها، ضمن الهيكل العام للقطاع، الفارق بينهما يكمن في المهام الموكلة على عاتقهما. لا يهم أن يكون أحدهما في أسفل السلم الوظيفي والآخر في أعلاه، المهم هنا هو أداء أمانة العمل. التشوهات التي حدثت في مجتمعنا، وخاصة بعد الطفرة الأولى، تسببت في تغيير السلوك العام للموظف أو العامل، وخصوصا نظرته للوظيفة وطبيعة مهامها. وهذا ما أدى إلى أن يحرص الموظف على أن تكون وظيفته في المقام الأول لها وجاهة اجتماعية - إلا من رحم ربي - وهذه نتيجة طبيعية لما أفرزته الثروة المتضخمة منذ الطفرة الأولى، وبقيت آثارها، حتى بعد أن انضمحلت هذه الطفرة، لكن آثارها المدمرة على بنية المجتمع استمرت، وخصوصا في قيم العمل والإنتاج، والنظرة السلبية على الوظائف ذات الطبيعة الصناعية ! أتذكر أنه تدرب تحت يدي موظف جديد. نصحته أن يبدأ من قسم الأرشيف، حتى يتمكن من الإلمام التام بمهام العمل كاملة، في الإدارة التي نعمل بها. رفض نصيحتي، ورفضت بدوري تدريبه. كان يريد أن يبدأ من القمة. ولأنه يفتقد لأبسط المهارات والمعلومات المطلوبة، تعثر أكثر من مرة، وجرب أن ينتقل إلى إدارة أخرى، لكنه يبدأ البداية الخطأ. كنت أشفق عليه، لأنه ضحية من علّمه أن الوظيفة وجاهة لا عمل يؤدى! ولو أن كل أدى أمانته في عمله، فإنه سيجد نتاج ذلك على نفسه، وعلى من حوله. حتى ولو كانت وظيفته صغيرة، فالمعنى هنا، ما تخلفه وراءك من أثر، يبقى بعد أن تترك الوظيفة، وحتى بعد أن تغادر هذه الحياة. سيذكرك الناس بما أنجزته، لا بوجاهتك، ولا قبيلتك، ولا مالك. ما يتبقى منك هو الذكرى، سواء كانت حسنة أو سيئة، فالناس لا تنسى المحسن ولن ترحم المسيء! ولأمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة عظيمة المعنى « وجدت الحياة طريق الزمُّر» أختم بها المقالة: وكن في الطريق عفيف الخطا شريف السّماع، كريم النظر ولا تخل من عمل فوقه تعش غير عبد، ولا محتقر وكن رجلا إن أتوا بعده يقولون: مرّ وهذا الأثر مقالات أخرى للكاتب جسر من الأكاذيب.. لا تراه.. لكن تعبر من خلاله! ربيع العرب.. وتسونامي اليابان! «لك ولا .. للذيب»! «لا تطق صدرك» ! العربي ما قبل الأخير...!

مشاركة :