أطلق الحوثيون صواريخهم الباليستية وطائراتهم المسيّرة على عاصمة الحضارة الإنسانية، وتداعت لها بالتهليل والتأييد صحيفة (كيهان) الإيرانية، التي تعتبر الناطق الرسمي لحكومة إيران، في تناقض واضح لمسار العلاقات الإماراتية الإيرانية التي اتَّخذت منحى إيجابي مؤخرًا بعد الزيارة التي قام بها سمو الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني إلى طهران في ديسمبر الماضي تلبيةً لدعوة الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني (علي شمخاني). وقد عكست تلك الزيارة جانبين مهمين على مستوى العلاقات الخليجية الإيرانية، وهما: 1. تكرار تطلعات إيرانية لفتح أبواب التقارب وطرح مقترحات سابقة للحوار السياسي ومد جسور التواصل مع دول الخليج العربي. 2. الخطوات الدبلوماسية المتلاحقة التي تنتهجها الإمارات على أكثر من اتجاه خلال وقت قصير، من أجل فتح ثغرة في جدار الموقف الايراني لبدء المفاوضات حول جزرها المحتلة وبناء جدار الثقة المفقودة مع إيران؛ لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وفتح صفحة جديدة لعلاقات صداقة وتعاون وتسامح متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية. إلا أنه من المعروف أن السياسة الإيرانية تتّسم بالحذر الشديد وعدم التورّط المباشر وتعريض مصالحها للخطر باستخدام الضغط على الارض، حيث ان كل المعطيات تُشير إلى أنها تستخدم الأرض اليمنية لممارسة إرهابها وأعمالها العسكرية، فقد احتجزت القوات البحرية الأمريكية باخرة إيرانية محمّلة بالسماد المستخدم في صناعة المتفجرات أثناء إبحارها على طريق استُخدم في الماضي لتهريب الأسلحة إلى المتمرّدين الحوثيين في اليمن. ونحن هنا نقف حائرين أمام الموقف الدولي من إيران الذي لم يتحرَّك ولم يشجب أعمالها الإرهابية غير المسؤولة وتدخلها في الشؤون اليمنية، ولم يتمّ تصنيف ميليشيا الحوثيين كجماعة إرهابية، وهي الجماعة التي تتغذَّى على العون الإيراني المباشر، وتمكَّنت بفضل إيران من إحداث تغييرات كبرى على الأرض وأهمها احتلال العاصمة صنعاء بسبب الفساد والخيانة والمال السياسي الإيراني! فلإيران دور مدمّر جدًا في المنطقة، خصوصًا بعد الغزو الأمريكي على العراق في (مارس 2003م) الذي قدَّم العراق على طبق من ذهب إلى إيران - كما قال الأمير الراحل سعود الفصيل - وبعد إعدام الرئيس العراقي صدام حسين، فكل الدمار الذي حلّ بأهم العواصم العربية (العراق، سوريا، اليمن، غزّة، لبنان) كان بيدٍ إيرانية دمَّرت حضارات عربية عريقة وشيّعتها وغيَّرت هويات العرب السُّنة في تلك المناطق بهدف القضاء على المذهب السُّني وتعميق الجرح في جسم الأمة العربية التي لم يشهد التاريخ ضعفًا مرَّت به كما هو الآن، فكل الدول العربية محاصرة إما بصواريخ ومسيرات إيران أو بأحزاب وأذرع إيران أو في المستقبل القريب جدًا بالقنبلة النووية الإيرانية أو بالأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تكاد تفلس بالدول العربية بسبب التداعيات السلبية لموجة الربيع العربي عام (2011م). أما (اليمن السعيد) فلم يعد سعيدًا؛ فهو يبحث عن هويته وهو الذي كان أساس الهوية العربية الأصيلة وأساس الحضارة والتاريخ، إلا أنه ضاع في الفوضى الحوثية الإيرانية ومخططات القوى العظمى لزعزعة الأمن والاستقرار في شبه جزيرة العرب، وعمّه الفساد وتغلغل في أرجائه وتنحارت قبائله، وضاعت البقية الباقية من اليمن الذي حاول مجلس التعاون إعادته إلى حضنه العربي، إلا أنه اختار أن تحكمه الميليشية الحوثية التي وجدت فيها إيران ضالتها لتحقيق حلم تدمير الكعبة وإسالة الدماء العربية في صحنها الشريف كعلامة لعودة المهدي المنتظر، وإلا لن يتحقَّق هذا الحلم ما دام (اليمن) في حماية دولة قوية وحكم عاهد نفسه على حماية المقدسات الإسلامية. لذا؛ فالهجمات الحوثية الأخيرة على الإمارات دقَّت ناقوس الخطر، فلم يُعد الأمر قابلاً للصمت أمام التصرفات الإيرانية؛ لذلك كانت القمة العربية الثلاثية في أبوظبي التي أدانت تلك الهجمات الإرهابية التي هي امتداد لسلسلة اعتداءاتها التي تشكل تهديدًا خطيرًا على أمن المنطقة واستقرارها، خاصة وأنها ممارسات عدوانية تنتهك كل القوانين والأعراف الدولية وتمسّ بالأمن والسلم الدوليين، ومن الأهمية بمكان اتخاذ موقف موحَّد وحازم تجاه إيران والميليشيات الحوثية التي تتلقّى كل الدعم والتدريب والتمويل من قوات فيلق القدس الإيرانية. وبصورة عامة، تبقى الحركة الحوثية هي الواقع القائم في اليمن ومن الضروري التعامل معها في ضوء الأمور المبادرة الخليجية مع الأخذ في الاعتبار ما يلي: 1. أن (ميليشيا الحوثيين) هي جماعة مسلَّحة غازية يجب أن تعود إلى (صعدة) من حيث أتت. 2. أن (ميليشيا الحوثيين) جزء من طائفة تاريخية وتركيبة قبليّة وجزء من ظاهرة حكمت شمال اليمن على مدى قرون وينبغي أن تكون شريكاً في صنع قرار استقرار اليمن. 3. تنظر (ميليشيا الحوثيين) لذاتها على أنها حركة ثورية طموحة ترفع شعارات معادية للولايات المتحدة وإسرائيل، وهي تعتمد خطاً سياسياً منسجمًا مع إيران وأهدافها التوسعية، ومؤيدة للفلسطينيين، وترى أن حدودها هي (حدود الأمتين العربية والإسلامية) وهذا يفسر الانسجام الطائفي الحوثي الإيراني للوصول إلى مكة، الهدف المهم لدى إيران والمؤشر لموعد خروج المهدي المنتظر. والخلاصة، يبدو أن المشهد على أرض الواقع منقسمًا، ولا ينبئ عن قرب حل عسكري أو سياسي للأزمة القائمة في اليمن، وعلى دول التحالف إيجاد حل ٍدبلوماسي لإنهاء الصراع الذي استمر طويلاً انطلاقاً من معطيات الزيارة التي قام بها سمو الشيخ طحنون بن زايد إلى طهران في (ديسمبر 2021م)، والتي تؤكّد التحوّل في الموقف السياسي الإماراتي من إيران يستند على رغبة في فتح الحوار السياسي لحل المشاكل العالقة وتصفيرها خاصة قضية الجزر الإماراتية المحتلة، ووقف التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية الخليجية بعد انتهاء تأثير وقوّة الإخوان المسلمين في الإمارات والمنطقة ككل، والموقف الضبابي الأمريكي وتراجع نفوذ الولايات المتحدة وانسحابها التدريجي من الشرق الأوسط وتركيزها على الخطرين الصيني في شرق آسيا والروسي في وسط أوروبا (أوكرانيا). المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
مشاركة :