هل تصمد روسيا أمام عقوبات الغرب المحتملة

  • 2/1/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حذر الرئيس الأميركي جو بايدن الاثنين من أنه “إذا تخلّت روسيا عن المسار الدبلوماسي وغزت أوكرانيا، ستتحمل المسؤولية وتواجه عواقب وخيمة وسريعة”، فيما لم يطرح الحل العسكري منذ بداية الأزمة الأوكرانية على طاولة الأوروبيين والأميركيين في مواجهة التهديد الروسي. وقال بايدن في بيان إن “اجتماع مجلس الأمن الدولي (الاثنين) هو خطوة حاسمة لجعل العالم يوحّد الصوت” بشأن هذه الأزمة. ويشهر الغرب ورقة العقوبات في مواجهة الغزو الروسي المحتمل لكييف، ما يطرح تساؤلات بشأن قدرة موسكو على الصمود أمامها وما هي خياراتها إن تم اتخاذها. وأثارت واشنطن احتمال فرض عقوبات تستهدف مباشرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي خطوة رمزية إلى حد كبير تحاكي تلك التي اتُخذت ضد رجال أقوياء مستبدين مثل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي والرئيس السوري بشار الأسد. وعندما أثار بايدن إمكانية استهداف بوتين خلال الأسبوع، لم يحدد الشكل الذي يمكن أن تتخذه العقوبات، لكنها تشمل بشكل عام تجميد الأصول الشخصية في الخارج وحظر المعاملات المصرفية الأجنبية. جو بايدن: روسيا ستواجه عواقب وخيمة إذا رفضت الدبلوماسية ويرى مؤيدو هذه الخطوة أن فرض حظر على دخول أصحاب الشركات المليارديرات ذوي النفوذ السياسي إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، وبالتالي عدم تمكينهم من قضاء عطلات في الريفييرا الفرنسية أو على جبال الألب، وتجميد استثماراتهم في الاتحاد الأوروبي، قد تدفع إلى حلحلة الكثير من الأمور بصورة أكبر من إجراءات عقابية كثيرة أخرى. وقال الكرملين ردا على ذلك إن هذه الخطوة لن تكون مجدية لأن المسؤولين الروس يُحظر عليهم الاحتفاظ بأموال في الخارج وإنها ستضر بالمسار الدبلوماسي بشأن الأزمة الأوكرانية. وقد تكون الخطوة الأكثر ضررًا التي يجري الحديث عنها في العواصم الغربية هي حظر معاملات البنوك الروسية بالدولار، العملة الرئيسية في الأسواق الدولية، أو استبعاد موسكو من نظام سويفت، وهو آلية رئيسية للتبادلات المصرفية الدولية. وعانت إيران من استبعادها من هذه الآلية، وفي حالة روسيا من المتوقع أن يتضرر بشدة قطاعا النفط والغاز الحيويان. والهدف الآخر المحتمل للعقوبات هو خط أنابيب نورد ستريم 2 المثير للجدل الذي يربط روسيا بألمانيا. ومع اكتمال بنائه، كان يتوقع أن يضاعف إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا. ومن بين الإجراءات المطروحة أيضًا إمكانية حظر تصدير التكنولوجيا المهمة إلى روسيا. ونجت روسيا من موجات من العقوبات الغربية في أعقاب ضمها لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، الأمر الذي تسبب بتدهور الروبل وتضاؤل الاستثمار الأجنبي. ورداً على ذلك وضعت موسكو ما يُشار إليه باسم “روسيا الحصينة”، وهي إجراءات مصممة لضمان عدم انهيار الاقتصاد أو النظام المالي الروسي جراء فرض عقوبات جديدة. واعتبارًا من الأول من يناير، كان لدى صندوق الثروة الوطني، وهو صندوق الثروة السيادية الروسي، أصول بقيمة 182 مليار دولار، أي ما يقرب من 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لوزارة المالية. كما أن لدى البلاد ديونا خارجية ضئيلة مقارنة بالقوى العالمية الأخرى واحتياطيا كبيرا من العملات الأجنبية المتراكمة لدى البنك المركزي. وفضلًا عن اتباع سياسة “إزالة الدولرة” لعدة سنوات، دعت موسكو شركاءها مثل الصين والهند إلى تسديد مدفوعاتها بعملات أخرى. وفي العام الماضي قالت روسيا إنها ستسقط الدولار من صندوق الثروة الوطني. وللتقليل من مخاطر الانقطاع عن المؤسسات المالية التي يسيطر عليها الغرب، أطلقت روسيا نظام الدفع الخاص بها “مير” الذي يستخدم على نطاق واسع في روسيا وفي بلدان الاتحاد السوفييتي السابق. ويحرص بوتين على الادعاء بأن روسيا لا تعير اهتماما للعقوبات ولن تخضع لأي ضغوط. وهو يقصد أن روسيا عوّضت منذ فترة طويلة خسائر بالمليارات من العقوبات التي تم فرضها بالفعل، وذلك عبر إعادة تنظيم اقتصادها وتنويع مصادر تمويله. ومع ذلك يستمر أصحاب الشركات في الشكوى من العقبات التي تعترض التجارة والإنتاج والاستثمار. كما يناقض رئيس المجلس المركزي للمحاسبات في روسيا أليكسي كودرين أحيانا الكرملين في مسألة تكيف الاقتصاد مع القيود، حيث قال إن “روسيا لا تزال رغم ذلك تتكبد خسائر بسبب العقوبات”. وبحسب بيانات رسمية تأثرت بشكل خاص الصناعات المعدنية والكيميائية والسيارات والأسلحة وكذلك الزراعة. وحذر الكرملين مؤخرا بصورة مُلحة من أن العقوبات الحالية المفروضة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تشكل انتهاكا للقانون الدولي. وأوضح بوتين أنه لا يستبعد قطع العلاقات مع الغرب حال فرض الأخير عقوبات غير مسبوقة على روسيا. وقال يوري أوشاكوف مستشار بوتين في شؤون السياسة الخارجية “سيكون هذا خطأ فادحا له عواقب وخيمة (…) لكننا نأمل ألا يصل الأمر إلى هذا الحد”. الدول الغربية تشهر ورقة العقوبات في مواجهة الغزو الروسي المحتمل لكييف، ما يطرح تساؤلات بشأن قدرة موسكو على الصمود أمامها وما هي خياراتها إن تم اتخاذها وما تزال أوروبا تعتمد على النفط والغاز الروسيين، خاصة مع ارتفاع أسعار الغاز في جميع أنحاء القارة، ومع ما يُقال من أن موسكو تقيِّد إمداداتها. وسيؤدي قطع موسكو عن أنظمة الدفع الدولية إلى تعقيد مدفوعات أوروبا مقابل وارداتها من الغاز التي يأتي أكثر من ثلثها من روسيا. وهناك أيضًا مخاوف من أن تستخدم روسيا هيمنتها في مجال الطاقة كوسيلة ضغط وتلجأ إلى وقف الإمدادات. ورداً على العقوبات في عام 2014 فرضت موسكو حظراً على واردات معظم المواد الغذائية من الغرب ونفذت استراتيجية “استبدال الواردات”. وتدعو المبادرة الشركات الروسية إلى الاستعاضة عن السلع المستوردة المحظورة مثل الجبن الفرنسي والإيطالي بمنتجات محلية، وهو إجراء وصفه بوتين بأنه “فرصة” لبلاده. وبينما لم تشعر النخب السياسية سوى بضغوط قليلة أو معدومة جراء العقوبات الغربية، فإن السكان الروس هم من يشعرون بقسوة هذه الإجراءات منذ سنوات. وانخفضت مستويات المعيشة بشكل مستمر مع انخفاض مطرد في القدرة الشرائية مقرونا بالتضخم المرتفع حاليًا وبضعف الروبل. وفي حين عرض البنك المركزي منذ عام 2014 استراتيجيات لحماية العملة الوطنية، انهار الروبل بعد تصاعد التوتر مؤخرًا بشأن أوكرانيا. ويؤثر هذا على الحياة اليومية للروس الذين يدفعون أكثر مقابل السلع المستوردة وخاصة الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، ويجدون أن السفر إلى الخارج لم يعد في متناولهم عامًا بعد آخر. لكن على الرغم من شعور سكان البلاد بالضيق لم يغير الكرملين موقفه، وتظهر استطلاعات الرأي أن بوتين ما يزال يتمتع بالدعم الشعبي.

مشاركة :