أثار قرار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثاني أكبر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، مقاطعة اجتماع المجلس المركزي للمنظمة المُزمع عقده في السادس من فبراير في مدينة رام الله بالضفة الغربية تساؤلات بشأن تداعيات المقاطعة على مسار تسوية الانقسام الفلسطيني. ويعتقد محللون أن هذا القرار متوقّع في ظل قراءة سلوك الجبهة على مدار السنوات الماضية وخطوة نحو إصلاح منظمة التحرير، بينما يرى آخرون أن هذا القرار ينعكس سلبيا على مدى تمثيل الفصائل الفلسطينية في الاجتماع، فضلا عن أنه يقود إلى تكريس الانقسام والخلافات السياسية. وقالت الجبهة الشعبية الأحد إن قرارها يأتي للتأكيد على موقفها السابق “الرافض لأي خطوات تُعمق الانقسام”، مُحذّرة من “خطورة عقد الاجتماع دون توافق، كونه يمثل تجاوزا للتوافقات الوطنية السابقة لترتيب البيت الفلسطيني ولإجراء الانتخابات الشاملة”. والمجلس المركزي هو برلمان مصغر منبثق عن المجلس الوطني (أعلى هيئة تشريعية لفلسطينيي الداخل والخارج)، ويتبع لمنظمة التحرير. مصطفى إبراهيم: المقاطعة تقطع الطريق أمام جهود استعادة الوحدة وكانت الجبهة الشعبية قاطعت جلسة المجلس المركزي السابقة عام 2018، وقالت في حينه إن القرار يأتي جراء تفرد حركة التحرير الوطني “فتح” بقرارات المجلس وعدم تنفيذ قرارات سابقة صدرت عنه. ولا تضم منظمة التحرير حتى الآن حركتي حماس والجهاد الإسلامي. ومن المقرر أن ينتخب المجلس أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير خلفا لشخصيات توفيت أو استقالت، ورئيسا جديدا للمجلس الوطني بدلا عن سليم الزعنون الذي قدم استقالته مؤخرا. وتتهم فصائل فلسطينية، بينها الجبهة الشعبية، حركة فتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس بـ”التفرد” في قيادة الشعب الفلسطيني وعدم اتخاذ خطوات حقيقية لإنهاء الانقسام الداخلي، وهو ما تنفيه الحركة. ويقول المحلل السياسي مصطفى إبراهيم إن مقاطعة الجبهة الشعبية لاجتماع المجلس المركزي خطوة متوقعة في ظل سلوكها خلال الأعوام الماضية. ويضيف “قاطعت الجبهة اجتماعا مماثلا عام 2018، كما أنها تتبنى دعوات تُطالب بإعادة ترتيب المجلس الوطني ومنظمة التحرير بشكل كامل، فضلا عن تجميد عضويّتها في المنظمة لأكثر من مرة احتجاجا على حالة التفرّد وعدم ترتيب البيت الفلسطيني”. وأوضح إبراهيم أن الجبهة “أرادت أن ينعقد هذا الاجتماع ضمن توافق وطني ليكون مدخلا لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة” بخلاف ما جاءت عليه الدعوة لعقده، وفق قوله. وذكر أن الجبهة تنظر بخطورة إلى عقد هذا الاجتماع دون حالة توافق بين الفصائل، لكنّ عقد الاجتماع بهذه الآلية من شأنه أن “يُعمّق الانقسام، ويقطع الطريق أمام جهود استعادة الوحدة”. ويرى بلال الشوبكي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل (جنوبي الضفة الغربية) أن قرار الجبهة الشعبية خطوة لـ”إصلاح البيت الداخلي الفلسطيني (منظمة التحرير)”. ويقول “واضح أن الجبهة الشعبية صاحبة قرار حر ومستقل، وأكثر صلابة من بقية فصائل المنظّمة في ما يتعلق بمحاولة قيادة المنظمة السيطرة على مفاصل السلطة بتعيين شخصيات مقربة من الرئيس عباس”. ويضيف “قرار قيادة المنظمة بتعيين شخصيات جديدة مقرّبة من الرئيس عباس شكّل استفزازا لفصائل داخل المنظمة وخارجها، وحتى رغم عدم وجود إجماع فتحاوي عليه بحسب المعلومات المتوفرة”. وكانت حركة فتح قد رشحت عضو لجنتها المركزية حسين الشيخ لعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير خلفا لصائب عريقات الذي توفي في نوفمبر 2020. بلال الشوبكي: قرار الجبهة الشعبية خطوة لإصلاح البيت الداخلي الفلسطيني كما رشحت روحي فتوح وهو أحد قادتها ومقرب من الرئيس محمود عباس لمنصب رئيس المجلس الوطني خلفا لسليم الزعنون الذي استقال من منصبه مؤخرا. وتابع الشوبكي “هناك فرصة حقيقية بعد قرار الجبهة الشعبية مقاطعة المجلس أن تتخذ فصائل أخرى داخل المنظمة خطوات فاعلة وجادة من شأنها إحداث عملية تصحيح وتصويب داخل أهم جسم يمثل الفلسطينيين”. وعلى الجانب الآخر، يرى أحمد رفيق عوض المحلل السياسي من الضفة الغربية أن قرار الجبهة بالمقاطعة من شأنه أن “يعمق حالة الانقسام الفلسطيني ويُقلّل من التمثيل الفصائلي في اجتماع المجلس المركزي”. ويقول عوض “هذا الغياب من شأنه تعميق حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، على الرغم من أهميته لتسليط الضوء على حالة الرفض لسياسة قيادة المنظمة”. وأشار الخبير الفلسطيني إلى أن “عقد المركزي بهذه الصورة يعني إدامة الحالة القائمة دون تغيير لا في السياسات ولا الشخصيات”، فيما استبعد وجود إمكانية للتوصل إلى اتفاق فلسطيني داخلي على المدى القريب. ومنذ 2007 يسود انقسام بين حركتي حماس التي تسيطر على قطاع غزة وفتح، ولم تفلح وساطات واتفاقات في إنهائه. واعتبر عبدالمجيد سويلم الكاتب والمحلل السياسي من غزة عدم مشاركة الجبهة الشعبية في الاجتماع “خطوة سلبية، وذلك لعدم وجود سبب حقيقي للمقاطعة”. ويقول سويلم “كان بإمكان الجبهة أن تقول ما تريد قوله بقرار المقاطعة داخل الاجتماع، وأن تُعلي صوتها هناك في أي قضية سياسية أو قانونية، لكنها لن تجني فوائد من المقاطعة”. وأوضح أن المقاطعة جاءت لعدم رغبة الجبهة في إضفاء شرعية على عقد هذا الاجتماع، لكنه يبقى “شرعيا بغض النظر عن بُنْيَته أو تشكيلته”. وبحسب سويلم فإن هذه المقاطعة تحمل شُبهة كونها “تُكرّس الانقسام بدلا من أن تقود إلى تحقيق المصالحة والوحدة”. وأضاف “هذا الاجتماع قد يكون مدخلا لإنهاء الخلافات السياسية والانقسام، فالمجلس اتخذ سابقا قرارات تاريخية باعتراف الفصائل المُعارضة، لكنّه لم يطّبقها، وهذا الأمر لا يقلل من أهميتها”. ويشير مراقبون إلى أنه كان بإمكان الجبهة المُشاركة وتحشيد أصوات المؤيدين حول موقفها السياسي في ما يتعلق بالنظام السياسي، والضغط باتجاه تحقيقه، وهنا يمكن أن تُعلي صوتها على الأقل إن لم تنجح في تحقيقه.
مشاركة :