لم يعد حزب الله طرفا في الحياة السياسية بلبنان. الحياة السياسية كلها صارت كلها في قبضته. غير أن الأخطر من ذلك أن مصير اللبنانيين صار هو الآخر رهين ما يقرره حزب الله. المعادلة التي فرضها وكيل إيران المعتمد في إيران تقوم على تجويع اللبنانيين وإذلالهم وتهجيرهم مقابل أن يبقى بمقاتليه المئة الف قابضا على سلاحه، مستعدا لحرب بالوكالة يشنها على دول، هي الجهة الوحيدة القادرة والمستعدة على انقاذ لبنان واللبنانيين. "جاهز للحرب الأهلية" قالها حسن نصرالله بطرق مختلفة في غير مناسبة. ولأنه يعرف أن الحياة السوية لا يمكن استعادتها في لبنان في ظل سياساته المتعالية والمتعجرفة فإنه يستبعد الأمل في أن يصل مع الشعب اللبناني إلى حل وسط يبعد شبح وقوع تلك الحرب. بالرغم من أن أحدا الاطراف اللبنانية لم يبد استعداده للحرب. خلاص الضحية صار مستبعَدا بعد أن تحول لبنان إلى رهينة. كل الأفكار الانقاذية ليست للاستهلاك الدعائي ولكنها تصطدم بواقع أن لبنان لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق حزب الله. بمعنى أنك لو أردت أن تنقذ اللبنانيين عليك ان تذهب إلى إيران لمعرفة ما الذي يقرره مزاجها في الشأن اللبناني وما الذي ينفعها ويلائم مشروعها. ذلك ما لن تفعله أية دولة، مهما كان رأيها بإيران ونظام الحكم السياسي القائم فيها ايجابيا. فالمسألة لا تحتاج إلى طرف ثالث. اما إذا كان ذلك الطرف هو الجهة التي تقرر كل شيء فإن الأولى به أن يقوم بالمهمة الانقاذية بدلا من أن تتصدى لها دول أخرى. غير أن إيران لا تقدم شيئا باستثناء السلاح الذي تعرف إلى اية جهة يُوجه ولأية غايات يُستعمل. إيران دولة حرب، يقف أتباعها قابضين على سلاحهم في حالة استعداد لحرب، ليس مهما على مَن تُشن. ما يهم أن تكون الحرب قائمة بغض النظر عن ضحاياها المباشرين وغير المباشرين. حرب تستعرض ضحاياها قبل وقوعها. وهذه هي حال الشعب اللبناني الذي انهارت أنظمته كلها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحيث لن يتعرف اللبناني على نفسه في أوضاع كثيرة. لذلك يمكن القول إن لبنان بلد في حالة حرب. سيكون من الصعب على اللبنانيين البسطاء أن يدركوا أن ما يعانون منه هو تكلفة تلك الحرب. ولكنها حرب تُشن عليهم. اما حين تُشن على الآخرين كما يحدث في سوريا فإنهم مادتها وعليهم أن يدفعوا ثمنها. صار اللبنانيون قتلة وقتلى في سوريا. يدير حزب الله حروبه ببلد شعبه جائع ومحروم ومقموع ويحزم حقائبه استعدادا للرحيل. وإذ أدار العالم وبالأخص البنك الدولي ظهره للبنان بسبب انغلاق الأفق السياسي فيه فإن المبادرة الخليجية لن تخرج من دائرة النوايا الحسنة التي ستصطدم بالمعادلة التي صنعها حزب الله باعتبارها وصفة وحيدة لشخصية لبنان الرهينة. لكنك في هذه الحالة لا تدفع الفدية من أجل أن تُحرر الرهينة بل من أجل أن تعترف رسميا بحق الخاطف في تمثيل المخطوف. حزب الله يسعى من خلال استفحال الفوضى في لبنان إلى فرض نفسه وصيا على اللبنانيين. كما أنه يستغل الخوف عليهم من أجل الايقاع بالآخرين ليقوموا بتمويل آلته الحربية بدلا من أن تقوم إيران بذلك. كان انهيار العملة اللبنانية نوعا من الحرب على اللبنانيين، الهدف منها دفعهم إلى إرسال رسائل إلى العالم وبالأخص الجزء العربي منه من أجل انقاذ النظام المصرفي الذي استفاد منه حزب الله لسنوات طويلة حتى استنفذه من خلال عمليات التهريب وتبييض الأموال فوجه إليه الضربة القاضية وبات اللبنانيون من غير مصارف. وإذ تحاول الحكومة اللبنانية إلى الحوار مع الراغبين في انقاذ لبنان فإنها لا تخفي التباس الوضع عليها. فهي جزء من المشكلة. ذلك لأنها شُكلت بعد موافقة حزب الله عليها. وهي إذ تحاور أطرافا عربية فإنها لا تجرؤ على نقل وجهة نظر حزب الله غير أنها لن تمسه بشيء مهما كان ذلك الشيء صغيرا أو عاديا. ولكن هل يمكن عقد تفاهمات غير مباشرة مع حزب الله من خلال الحكومة اللبنانية؟ حتى هذه ليست محتملة. حالة الحرب التي يعيشها لبنان من خلال الحزب لا تسمح بالقبول بتسوية تقوم على أساس أن يسلم الحزب سلاحه للدولة. ذلك يعني أن كل محاولة لإنقاذ لبنان سيكون مصيرها الفشل. فالسؤال اللبناني سيبقى من غير جواب.
مشاركة :