مما شك فيه أن الإنترنت أصبح هو الوسيلة الكبرى للمعرفة بعد هيمنة طويلة من وسائل المعرفة التقليدية التي كانت تُمثل النتاج الحضاري والحصيلة التاريخية للشعوب والمجتمعات. ومنذ ثلاثة عقود تقريباً، استطاعت شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" أن تُحدث ثورة عارمة في شتى المجالات والمستويات، وأن تتغلغل في كل شؤون الحياة المختلفة، محققة بذلك نبوءة خبير الاتصال مارشال ماكلوهين الذي وضع مصطلح "القرية العالمية" عام ، إذ تحول العالم بالفعل إلى مجتمع صغير جداً. وبفضل الإعلام الجديد أو ما يُطلق عليه بالإعلام الإلكتروني بوسائله ووسائطه المتعددة وكأحد أكبر المستفيدين من ثورة الإنترنت، تحول الإعلام من سلطة رابعة إلى سلطة أولى بلا منازع، محطماً بذلك كل القيم والأعراف والأنماط والأساليب الإعلامية التقليدية، بل وأصبح لاعباً مؤثراً وخطيراً في إحداث الكثير من التحولات والتطورات الهائلة التي غيّرت من وجه العالم. الإعلام الجديد الآن، هو من يُصيغ ويُشكل ويُوجه المرحلة الجديدة من واقع العالم بأسره، بل إن النسخة الأحدث من هذا الطوفان الإعلامي والمعرفي والتقني الرهيب تتمثل في قيادة هذا الواقع العالمي بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة، والذي تؤمن به الشعوب والمجتمعات المختلفة لاسيما أجيالها الصغيرة والكبيرة التي تُمثل الأغلبية الساحقة، والتي وجدت في هذا الفضاء الواسع من المعرفة والتنوير والترفيه بقيادة الشبكات الإعلامية الجماهيرية "تويتر- فيس بوك- يوتيوب" ضالتها التي كانت تبحث عنها منذ عقود طويلة. يبدو أن ما سبق، قد يُمهد لهذا التساؤل الملغوم: كيف استخدم شبابنا وسائل ووسائط الإعلام الجديد الذي تتصدره شبكات التواصل الاجتماعي؟. يحتل الشباب السعودي المراتب الأولى في استخدام تويتر والفيس بوك واليوتيوب، وتُشير الدراسات المحلية والعربية والأجنبية إلى أن شبابنا يسجلون نمواً مضطرداً وانتشاراً هائلاً في هذه المساحات والفضاءات الإلكترونية بمختلف أشكالها ومستوياتها. وأنا هنا، لست بصدد البحث عن الأسباب الحقيقية لذلك الهوس والشبق والجنون بهذه الوسائل والوسائط من قبل شبابنا، رغم أهمية ذلك الأمر الذي سيكشف لنا الكثير من الأسرار والأسئلة والتفاصيل التي نحتاجها لمعرفة فكر ومزاج وتطلع الشاب السعودي. للأسف الشديد، أغلب شبابنا يستخدمون ويوظفون هذه الوسائل والوسائط والتقنيات الرائعة كمنصة عالية لبث الكراهية والعصبية والفئوية والقبلية والطائفية، وكشاشة كبيرة لعرض الكثير من الحماقات والتفاهات والاحتقانات. تلك هي الحقيقة المرة التي يجب أن نواجهها بصدق وشفافية، لا أن نمارس الالتفاف والإنكار، لأن طبيعة وظروف وتداعيات المرحلة الراهنة تتطلب الاعتراف بحقيقة هذه المشكلة الخطيرة لكي نستطيع التعامل معها بكل جدية وفاعلية وحزم. نعم، هناك من شبابنا وشاباتنا من استخدم هذه التقنيات والشبكات بشكل رائع وثري ومفيد، وقدم العديد من المبادرات والإنجازات والإبداعات التي أذهلت العالم بأسره، ولكنها قليلة وخجولة أمام سيل من الاستخدامات الخاطئة والمسيئة والمستهجنة التي يُمارسها الأغلبية من شبابنا. يبدو أن الوقت قد حان لإعادة تثبيت بوصلة الاستخدام الإيجابي للفضاء الإلكتروني من قبل شبابنا، فهل نبدأ من الآن قبل فوات الأوان؟
مشاركة :