منذ ظهور فيروس كورونا وتحوله إلى جائحة عالمية، توقع الباحثون في الصحة العامة والصحة النفسية أن تظهر جائحة موازية من الأمراض النفسية كنتيجة سببية. وعلى الرغم من صحة التوقعات بظهور أمراض مثل القلق والاكتئاب ومتلازمة ما بعد الصدمة، كما بينت دراستان كبيرتان إحداهما في إيطاليا وشملت المرضى الذين احتاجوا إلى دخول المستشفى والأخرى في إسبانيا وشملت كل المرضى إلى الآن، فقد بينت الدراسات أن الأثر النفسي لهذا الفيروس قد فاق. ما كان متوقعا وتم التركيز أيضا على المتعافين من كوفيد -19.. واستكمل الدكتور حسن فضل استشاري الطب النفسي بمستشفى الكندي حديثه وقال إن من أبرز ما جاء في دراسة بريطانية قامت بها جامعة أوكسفورد وتتبعت المصابين والمتعافين مدة 6 أشهر، وبينت أن واحدا من كل ثلاثة أشخاص أصيب بمرض نفسي وتم تشخيصه، ومن الملاحظات المهمة أيضا ان لفيروس كورونا قدرة كبيرة على عمل مضاعفات نفسية، فإذا قارنا المرضى المصابين بالإنفلونزا العادية بنفس شدة الإصابة بدنيا، سنجد أن احتمالية الإصابة بمرض نفسي عند مرض كورونا الضعف. ولعل من المثير للاهتمام أن الآثار النفسية والعصبية لوحظت في مرضى الكوفيد-19 الذين لم يعانوا من أعراض جسمانية أو كانت أعراضهم خفيفة. القلق والاكتئاب هما المرضان الأكثر شيوعا لدى المصابين بكورونا وبنسبة حوالي 30% من المرضى. واستنتجت إحدى الدراسات ان إمكانية الإصابة بالاكتئاب تتناسب طرديا مع شدة المرض ووجود الالتهاب الشديد، فقد قاموا بقياس نسبة البروتين - سي التفاعلي ونسبة الفرتين (ferritin) في دم المرضى واللذان يدلان على شدة الالتهاب والتفاعل المناعي، وتبين أن كلما زادت نسبتها تزيد احتمالية الإصابة بالاكتئاب، وهذا الاكتئاب المرتبط بالعوامل البيولوجية يكون غالبا مصحوبا بالإرهاق ونقص التركيز أكثر من الأعراض الأخرى، مما يجعل الاستجابة لمضادات الاكتئاب المشهورة أقل من المتوقع، لذا يفضل استخدام أنواع أخرى. وحالة الهذيان من الحالات الشائعة عند مرضى الكوفيد موجودة بشكل أكبر عند المرضى الذين تم إدخالهم إلى العناية المركزة. ومثل هذه الحالات تشكل تحديا كبيرا على الأطباء المتابعين لهؤلاء المرضى والسبب في ذلك يرجع إلى أن الطريقة التي تظهر فيها الأعراض غالبا تكون غير تقليدية، فبالإضافة إلى الأعراض الكلاسيكية مثل تأثر الذاكرة والوعي والتركيز والهلوسة، قد تضفي أعراض أخرى مثل إحجام المريض عن الكلام وقلة الحركة وتيبس العضلات، وقد يتم تفسيرها بأنها اكتئاب ولكن في الواقع هي حالة (Akinetic mutism) المرتبطة بالهذيان المثبط، التي تدل على ان المريض ليس في وضع جيد ويحتاج إلى مزيد من التقييم للتأكد من عدم وجود جلطات على سبيل المثال. والجدير بالذكر أن بروتوكولات الدوائية الاعتيادية لعلاج الهذيان قد تكون أكثر ضررا لهؤلاء المرضى، لذا يجب اتباع خطوات علاجية مختلفة. فمثلا من الأدوية الجيدة في الاستخدام لمثل هذه الحالات هو مادة الميلاتونين التي تعتبر آمنة نسبيا وعلى الرغم من أنها قد تقلل المناعة بعض الشيء إلا أن ذلك قد يكون مرغوبا لغالبية المرضى نظرا لوجود تفاعل التهابي مناعي قوي ويجب تثبيطه في جميع الأحوال. وأيضا الأعراض الذهانية في كورونا قد يكون لها تفسيرات أخرى مثل أن تكون جزءا من حالات الهذيان أو عرض جانبي من أحد الأدوية المستخدمة في العلاج، أو حتى دليل على حدوث متلازمة المناعة الذاتية الالتهابية للدماغ. أما عن أسباب إصابة مرضى كوفيد -19 بالأعراض النفسية بنسبة كبيرة أجاب الدكتور حسن، يعتبر هذا المرض خليط من الظروف البيئية والبيولوجية ولكن على الرغم من أن الظروف البيئية لها دور مثل العزل المؤسسي والخوف على النفس والأقارب كما يتخيل معظم الناس، الا انها غير كافية لتفسير هذه الظاهرة وذلك لأن العوامل البيولوجية التي يسببها المرض مثل اختلال الأملاح في الدم وقصور وظائف الكلى أو التهاب الكبد ونقص الأكسجين لهم دور كبير في ظهور الأمراض النفسية. 2- يؤدي هذا الفيروس إلى التهاب شديد في الجسم بسبب تحفيز للمناعة الذاتية، وهذا سبب معروف للأعراض النفسية وخصوصا إذا دخلت الخلايا المناعية في الحاجز الذي يفصل الدماغ عن الدم وأدت إلى التأثير على وظيفة الدماغ. 3- يؤدي الالتهاب الذي يحفز هذا الفيروس إلى سهولة حدوث جلطات في الجسم، ومن المعروف أن حدوث الجلطات هو عامل قوي يؤدي إلى الأعراض النفسية. نصائح مهمة للحد من المضاعفات النفسية: 1- أهم نصيحة على الإطلاق هي تجنب الإصابة بالفيروس، وذلك يكون بأخذ اللقاح، فقد اكتشفت ان حتى الإصابات الخفيفة أو عديمة الأعراض قد ينتج عنها مضاعفات نفسية وعصبية شديدة. 2- رفع الوعي بالأمراض النفسية لدى أفراد المجتمع وكل العاملين الصحيين وذلك للتعرف على الأعراض باكرا. 3- التوجه إلى أصحاب الاختصاص لتقييم هؤلاء المرضى وذلك لصعوبة التشخيص في بعض الأحيان، ويتم اختيار العلاج المناسب من حيث الفعالية والأمان، لهذه الفئة من المرضى بالذات.
مشاركة :